ماكرون في جولة افريقيّة جديدة.. احذروا: الحرباء الفرنسيّة تغيّر لونها
ألقى الرئيس الفرنسي ماكرون يوم 27\2\2023 خطابا مطولا حول علاقة بلاده مع أفريقيا حيث تتصاعد المشاعر هناك ضد فرنسا الاستعمارية التي نهبت ثروات أفريقيا وتركت البلاد تعاني الفقر والحرمان والتأخر والمرض، فلم تعمل على رفع مستواها ولو قليلا، بل تعمدت جعلها بلادا فقيرة متأخرة. فقال الرئيس الفرنسي: “يجب أن نبني علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة مع دول القارة الأفريقية” وأعلن “قانونا إطارا من أجل تنفيذ عمليات إعادة جديدة لأعمال فنية للدول الأفريقية التي تطلب ذلك” (فرانس 24 يوم 27\2\2023) أي أنّ العلاقات لم تكن متوازنة بين فرنسا وهذه الدول، وكانت تنظر إليها على أنّها ما زالت مستعمرات لها رغم إعطائها الاستقلال، أي أنّها تعترف على لسان رئيسها أنّه كان استقلالا شكليا، وكانت تتصرف بشكل غير مسؤول تنهب الثروات وتستهتر بالناس وإنسانيّتهم ،فلا تكترث لمطالبهم وحقوقهم ولا تعدّهم بشرا، فتنزلهم إلى مستوى الحيوانات.
الوجود العسكريّ سبيل النّفوذ الفرنسيّ
وقال عن الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا: “التحوّل سيبدأ في الأشهر المقبلة عبر خفض ملموس لعديدنا وحضور أكبر في القواعد العسكرية لشركائنا الأفارقة، وإنّ فرنسا ستبذل مزيدا من الجهد على صعيد التدريب والتجهيز” وما زالت فرنسا تنشر نحو 3 آلاف عسكري في المنطقة وخاصة في النيجر وتشاد وهي قوات جاهزة للتدخل لحماية نفوذها في المنطقة. أي أنها ستتبع الأسلوب الأمريكي لكسب العملاء في الجيش وربط الجيش بها تحت مسمى التدريب والتجهيز، حيث كسبت أمريكا ضباطا في جيش مالي تحت هذا المسمى فقاموا بانقلاب وأسقطوا عملاء فرنسا وكذلك فعلوا مثل ذلك في بوركينا فاسو، وحدث مثل ذلك في غينيا كوناكري عام 2008 وإن عادت فرنسا فقلبت عملاء أمريكا عام 2021 عن طريق ضباط قد دربتهم وجهّزتهم. فتفطّنت فرنسا لهذا الأسلوب فأعلن رئيسها ماكرون اعتماد هذا الأسلوب. وللعلم فإن أمريكا قد عقدت اتفاقية مع تونس على عهد السبسي عام 2015 على صعيد التدريب والتجهيز لكسب العملاء في الجيش التونسي على المدى البعيد، بعدما أعلنت أنّ تونس شريك استراتيجي وحليف رئيس خارج الناتو تحت ذريعة محاربة الإرهاب, وذلك بعدما فشلت أمريكا في كسب عملاء أقوياء في الوسط السياسي لتبسط نفوذها على تونس عن طريقهم. إضافة إلى ذلك تستخدم الأسلوب الاقتصادي بتوريط البلد بالديون وربطه بصندوق النقد الدولي وهو مؤسسة مالية استعمارية تسيّرها أمريكا.
فاغنر الروسيّة على الخط
وأشار ماكرون إلى قوات فاغنر الروسية قائلا: “يريد الكثيرون دفعنا للدخول في منافسة، أعتبرها مفارقة تاريخية يصل البعض مع جيوشهم ومرتزقتهم إلى هنا وهناك..إنّها طريقة فهمنا المريحة للواقع في الماضي. قياس تأثيرنا من خلال عدد عملياتنا العسكرية أو الاكتفاء بروابط مميزة وحصرية مع قادة، أو اعتبار أنّ أسواقا اقتصادية هي أسواقنا، لأننا كنا هناك من قبل”. فلا يريد أن يدخل في صراع مع القوات الروسية لعلمه أنّها حرب جانبية تحسم لحساب أمريكا. إذ إنّ أمريكا طلبت من عملائها الاستعانة بروسيا ضد فرنسا حتى إذا قامت فرنسا بالتدخل ضدهم اصطدموا بقوات فاغنر الروسية. وهو يعترف أيضا أنّ علاقات فرنسا كانت حصرا مع القادة أي مع العملاء الرخيصين الذين لا يهمهم إلا الجلوس على الكراسي والتفاخر بالزعامات الفارغة وجمع الثروات على حساب شعوبهم. ويعترف أنّ أفريقيا كانت فقط عبارة عن أسواق لتصريف البضائع الفرنسية بجانب نهب ثرواتها التي في باطن الأرض. وقال الرئيس الفرنسي “إنّ القواعد كما هي اليوم جزء من إرث الماضي، ولكنها لن تغلق، بل سيعاد تنظيمها، وإنّ التحول سيبدأ خلال الأشهر المقبلة عبر خفض ملموس لعددنا وحضور أكبر في القواعد العسكرية لشركائنا الأفارقة”. وقد أطلق عليها اسم أكاديميات وسيصار إلى أفرقتها وأن تبذل فرنسا مزيدا من الجهد على صعيد التدريب. فما زال يصرّ على التواجد العسكري ولكن بشكل آخر: أن تكون هذه القواعد عبارة عن أكاديميات عسكرية تخرج ضباطا عملاء لفرنسا، ويقوم بالتدريب ضباط أفارقة عملاء تحت إشراف فرنسي، وهكذا تصير هذه القواعد إفريقية.
تغيير أسلوب السّرقة
وقال ماكرون: “يجب أن تنتقل أفريقيا من منطق المساعدة إلى منطق الاستثمار”، وهو تغيير في أساليب السرقة والنهب لثروات البلاد. أي أن تقوم الشركات الفرنسية بالمشاريع في أفريقيا بدلا من النهب المباشر، فتستثمر بعض الأموال المنهوبة بدلا من تقديم المساعدات لها من الأموال المنهوبة من البلاد. والقيام بالمشاريع يجعل للشركات الفرنسية هيمنة على البلاد ويورّطها في الديون ليركز الاستعمار الفرنسي باسم آخر. حيث دعا الشركات الفرنسية العاملة في أفريقيا إلى الاستيقاظ والانخراط في المعركة. ولتجميل الصورة وللتّغطية على الحقيقة، ادّعى ماكرون أنّ “أفريقيا ليست منطقة نفوذ فرنسي”. علما أنه ربط مصير فرنسا بأفريقيا في كل تحركاته وسياساته ومؤتمراته، حيث أنّه لم يبق لفرنسا مناطق نفوذ إلا أفريقيا تقريبا. ففي لبنان التي كانت مستعمرة سابقة وجودها ضعيف، ولا يوجد لها نفوذ يذكر في سوريا التي كانت مستعمرة سابقة. ولا يوجد لها نفوذ في مستعمراتها السابقة في جنوب شرق آسيا. وفي خطابه الأخير هذا، ذكّر ماكرون بخطابه الذي ألقاه في واغادوغو (عاصمة بوركينا فاسو) عام 2017 حيث أكّد “طيّ صفحة سياسة باريس الأفريقية في مرحلة ما بعد الاستعمار التي شهدت تواطؤا سياسيا وعلاقات متوتّرة ومدّ اليد للشباب الأفريقي الذي يعتمد موقفا مشكّكا جدا حيال فرنسا”. وقد ألقى ذلك الخطاب عام 2017 أمام 800 طالب، وقدّم نفسه آنئذ على أنّه قائد جيل جديد، وندّد بالجرائم الأكيدة للاستعمار، ودعا إلى علاقات جديدة مع أفريقيا، وأشار إلى أنّ مصير فرنسا مرتبط بأفريقيا معترفا بأنّ أفريقيا لم تعد الحديقة الخلفية لفرنسا، إذ النفوذ الفرنسي أصبح مهدّدا بالزّوال. وهو يؤكد أنّ مرحلة ما بعد الاستعمار كانت مرحلة الاستقلال الشكلي، أسماها مرحلة التواطؤ السياسي، أي التواطؤ على الشعوب الأفريقية وسحقها بواسطة عملائها. حيث أدرك الناس ذلك وأصبحوا ضدّ فرنسا وعملائها. فقد تعرّى العملاء ولكنهم عمدوا إلى البطش بشعوبهم وإلى تجويعهم بدعم المستعمر الفرنسي.
تهرّب من المسؤوليّة
وكان ماكرون قد صرّح يوم 8\10\2021 في القمة الفرنسية الأفريقية بمدينة مونبلييه بجنوب فرنسا قائلا” نحن مدينون لإفريقيا، القارة التي تبهر العالم بأسره وتخيف البعض أحيانا”، وأقرّ “بمسؤولية فرنسا الكبيرة في تجارة الرقّ والاستعمار” ولكنه رفض الاعتذار عن تلك الحقبة الاستعمارية مدّعيا أنه “يريد العمل على الحقيقة وليس على الندم والعار” وذلك تهرّبا من مسؤوليات ذلك المادية والمعنوية بدفع التعويضات وتلطيخ سمعة فرنسا المشوّهة رسميا. ودعا إلى “إنشاء صندوق الابتكار من أجل الديمقراطية في افريقيا. وتخصيص 30 مليون يورو على مدى 3 سنوات”. وردّ الاتهامات بدعم أنظمة الاستبداد وانتقاد التدخلات العسكرية وادّعى أنّ فرنسا موجودة عسكريا بناء على طلب الدول الأفريقية. بلى هي متهمة ومدانة بدعم الأنظمة الاستبدادية والتدخل العسكريّ لحماية هذه الأنظمة العملية. فلا يستطيع إخفاء ذلك مهما كذب. نعم فرنسا مدينة لأفريقيا ولولا استعمارها لأفريقيا لكانت الدولة الخامسة عشر اقتصاديا وليس الدولة الخامسة على المستوى العالمي كما ذكر لويجي دي مايو نائب رئيس الوزراء الإيطالي عام 2019، وقد طالب الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على فرنسا بسبب سياستها في أفريقيا، حيث تنهب ثروات البلاد وتجوّع شعوبها فيضطرون إلى الهجرة إلى إيطاليا وإلى أوروبا، فقال المسؤول الإيطالي “ينبغي على الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على فرنسا وجميع الدول التي تحاكيها في إفقار أفريقيا وحمل الأفارقة على مغادرتها، لأنّ الأفارقة ينبغي أن يكونوا في أفريقيا لا في قاع البحر” وقال: “إذا اضطر الناس إلى المغادرة اليوم فذلك لأنّ دول أوروبا وفي مقدمتها فرنسا لم تتوقف عن استعمار عشرات الدول الأفريقية”. وذكر أنّ فرنسا تطبع أموالا لصالح 14 دولة أفريقية فتحول دون التنمية الاقتصادية لهذه الدول وتسهم في تكريس الحقيقة التي تتضمن مغادرة اللاجئين لبلادهم ليلقوا مصيرا إمّا إلى الموت أو الوصول إلى الساحل المقابل” (وكالة أنباء أنسا الإيطالية). واستدعت فرنسا آنئذ السفيرة الإيطالية في باريس احتجاجا على التصريحات التي اعتبرتها عدائية لفرنسا وينبغي ألاّ تفضحها لأنّه يوجد بينهما شراكة في الاتحاد الأوروبي. ففرنسا سيكون مصيرها أسوأ من مصير إيطاليا إذا طردت من أفريقيا، وإيطاليا تفضح فرنسا لأنّها قد تعرضت لموجات الهجرة من أفريقيا، بجانب تحسّرها على مستعمراتها، حيث إن فرنسا استطاعت البقاء في المستعمرات بينما إيطاليا طردت من مستعمراتها في أفريقيا. وأكّد ماكرون في خطابه الأخير يوم 27\2\2023 على المضي قدما في تعزيز علاقات فرنسا بكل من الجزائر والمغرب. رغم التوتر بين فرنسا وهذين البلدين وانحسار اللغة الفرنسية فيهما حيث شكى ماكرون من ذلك ولم تحافظ اللغة الفرنسية على وجودها في شمال أفريقيا سوى تونس حيث يسعى الرئيس التونسي قيس سعيّد لمراضاة فرنسا حتى تواصل دعمها له وهو يواجه عملاء الإنجليز في تونس.
جولة إفريقيّة
وبدأ الرئيس الفرنسي يوم 1\3\2023 بجولته الأفريقية الجديدة التي تستمر 5 أيام وتشمل الغابون والكونغو الديمقراطية والكونغو برازافيل وأنغولا. وفي تموز الماضي قام بجولة شملت الكاميرون وبنين وغينيا بيساو “وينوي مواصلة زياراته للقارة الأفريقية كل ستة أشهر تقريبا، لا بل أقلّ كما ذكر. وهذا يؤكد أنّ فرنسا على وشك الزوال إن تمّت تصفية نفوذها ووجودها في أفريقيا، فتنقطع شرايين الحياة عنها: فقبل قيامه بهذه الجولة في أربع دول أفريقية أعلن قصر الإليزيه يوم 23\2\2023 أنّ الرئيس الفرنسي ماكرون سيقوم بزيارة أربع دول في وسط أفريقيا، وسوف يشارك في ليبرفيل عاصمة الغابون يومي 1و2 من الشهر القادم آذار في قمة الغابة الواحدة المخصّصة للحفاظ على غابات نهر الكونغو وتعزيزها (وكالة فرانس برس). ويمتدّ حوض الكونغو الذي يضم 220 مليون هكتار من الغابات ثاني أكبر مساحة غابات وثاني رئة رئيسية للأرض بعد الأمازون، ويمتد في عدد من الدول بينها خصوصا الكونغو الديمقراطية والكونغو برازافيل والغابون. وبعد ذلك سيتوجّه ماكرون الذي يرغب في تكثيف العلاقات مع البلدان الناطقة بالإنجليزية والبلدان الناطقة بالبرتغالية في القارة، إلى لواندا عاصمة أنغولا لإطلاق شراكة لإنتاج زراعي فرنسي أنغولي. وسيواصل زيارته إلى الكونغو برازافيل ومن ثمّ إلى كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية وستخصّص “لتعميق العلاقات الفرنسية الكونغولية في مجالات التعليم والصحة والبحث والثقافة والدفاع”. وتأتي هذه الجولة في البحث عن مناطق نفوذ واستعمار في بلاد أخرى غير الناطقة بالفرنسية كالكونغو الديمقراطية والكونغو برازافيل وأنغولا، بعد تقلّص النفوذ الفرنسي في غرب ووسط أفريقيا في مالي وبوركينا فاسو، وتزعزعه في النيجر وتشاد وأفريقيا الوسطى وغيرها لحساب أمريكا التي تعمل على بسط نفوذها في المنطقة بواسطة الانقلابات العسكرية والمتمرّدين على القادة الموالين لفرنسا، لأنّه يرى أنّ البلاد الأفريقية الناطقة بالإنجليزية والبرتغالية أقل عداء لفرنسا لأنها لم تجرّب الاستعمار الفرنسي وقد جربت الاستعمار الإنجليزي والبرتغالي وهما لا يختلفان عن الاستعمار الفرنسي. أمّا الناطقة بالفرنسية فكلها جربت الاستعمار الفرنسي وقد أذاقها هذا الاستعمار الويلات ونهب ثرواتها وتركها تعاني الفقر والمرض والتأخر. وحذّر من “الفخ المالي الذي من الممكن أن يتكرّر” حسب تعبيره، أي ما حدث في مالي وسقوط عملاء فرنسا هناك ومن ثمّ طردها.
مرحلة جديدة خشية تحوّل التبعيّة إلى أمريكا أو التحرّر النهائيّ
إنّ فرنسا على عهد التنافس الاستعماري في القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، كانت تتفاخر بالاستعمار المباشر، وتقتل وتستعبد الملايين في المستعمرات وتنهب ثرواتهم، وفي عهد ما بعد الاستعمار منذ نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن العشرين أعطت مستعمراتها الاستقلال، فبدأت مرحلة الاستقلال الشكلي فصارت تتفاخر بالروابط مع العملاء الذين نصّبتهم وبربط اقتصاد بلادهم بها حيث تحوّل أموالهم إلى البنوك الفرنسية وتصدّر لهم الأموال وتربطها بالعملة الفرنسية لتتحكّم في اقتصادهم، وكذلك تقيم الأحلاف معهم والقواعد العسكرية في بلادهم وتقوم بالتدخل المباشر فيها تحت ذرائع مختلفة. والآن يعلن ماكرون مرحلة جديدة ما بعد الاستقلال الشكلي، أي الخشية من تحول تبعية تلك الدول من فرنسا إلى أمريكا أو تحررها نهائيا، فبدأت تقول فرنسا بالاستثمار والعلاقات المتساوية، أي أنّها تعترف أنّه لم تكن هناك علاقات متساوية، ولم يكن هناك استثمار بل كان هناك نهب وعدم إبقاء أي شيء لأهل البلاد. والاستثمار يعني دخول الشركات الفرنسية لتوظيف الأموال في البلد لتجني الأرباح الطائلة، وهو أسلوب آخر للسرقة وإبقاء السيطرة على البلد، ولكن ربّما يبقي بعض الأموال في البلد تتداول بين الناس، ويقام ببعض المشاريع فتشغّل بعض الناس. ولكنّه في المحصّلة ليس خيرا بل أسلوب خادع إذ أصبحت كل الدول تقبل بهذا الشكل الاستعماري حيث وجد له رأي عام على أنّه يفيد البلد. فيطلب من الشركات الأجنبية بأن تأتي وتشغّل أموالها في البلد تحت مسمى الاستثمار! فيظنّ الناس أنّ هناك نموا اقتصاديا في البلد، إذ يرون أعمالا ولو بأجور بخسة وأنّ بعض الأموال يجري تداولها في البلد، فأصبحوا قادرين على شراء بعض الحاجيات وخاصة المستوردة من الخارج، وتقام بعض المشاريع وخاصة في البنية التحتية التي تغرق البلد بالديون، ومع ذلك فإنّ المكاسب الكبرى تكون للشركات الأجنبية، والبلد يصبح مرتهنا لها..
سبيل الخلاص
ولم يدرك العملاء في البلاد الإسلامية ومنها الأفريقية خطر ما يسمى بالاستثمار هذا، وقد تعزز في زمن العولمة، وما زالوا غارقين في ضلالهم البعيد ومصرّين على التبعية للمستعمر هذا أو ذاك، وهو الذي يبدل أسلوب استعماره وشكله، فهو كالحرباء التي تغيّر لون جلدها مع المكان الذي تتواجد فيه. ولكنها أي الدول الغربية الاستعمارية، لا يمكن أن تتخلى عن الاستعمار وإلاّ فإنّه ينتهي وجودها ولا يبقى لها نفوذ. وعلى شاكلتهم العملاء في تونس، لم يعوا بعد ولم يصحوا من غفلتهم سواء التابعون لفرنسا أو لبريطانيا، ومن ثم يعودوا إلى دينهم ويتمسّكوا بمبدأ الإسلام العظيم فتصبح تونس نقطة إرتكاز لدولة عظمى دولة الخلافة الراشدة. إذ إنّ هاتين الدولتين لا تقدران على شيء من دون المستعمرات التي تعتبر شرايين الحياة لهما، فإذا قطعت هذه الشرايين ماتت هذه الدول، فيتوهّم هؤلاء العملاء طلاّب الكراسي والمناصب والزعامات الفارغة المضبوعون بالثقافة الغربية أنّ هذه الدول قادرة على حمايتهم ودعمهم للوصول إلى الحكم أو البقاء في المناصب والكراسي مكسورة الأرجل. لكن المخلصون العاملون الواعون سياسيا وفكريا في تونس كما هم في غيرها من البلاد ماضون في عملهم لإسقاط الأنظمة العميلة وطرد المستعمرين وإقامة دولة الإسلام دولة الخلافة الراشدة وهم واثقون بنصر الله ولو بعد حين ﴿وَيَوۡمَٮِٕذٍ يَّفۡرَحُ الۡمُؤۡمِنُوۡنَ ۙ بِنَصۡرِاللّٰهِؕ يَنۡصُرُمَنۡ يَّشَآءُ ؕ وَهُوَ الۡعَزِيۡزُالرَّحِيۡمُۙ وَعۡدَاللّٰهِؕ لَا يُخۡلِفُ اللّٰهُ وَعۡدَهٗ وَلٰـكِنَّ اَكۡثَرَ النَّاسِ لَا يَعۡلَمُوۡنَ يَعۡلَمُوۡنَ ظَاهِرًا مِّنَ الۡحَيٰوةِ الدُّنۡيَا ۖوَهُمۡ عَنِ الۡاٰخِرَةِ هُمۡ غٰفِلُوۡنَ﴾.
أ, أسعد منصور
CATEGORIES اقليمي ودولي