ما بعد الاستفتاء… اعتاد عدوكم خداعكم… فوّتوا عليه الفرصة

ما بعد الاستفتاء… اعتاد عدوكم خداعكم… فوّتوا عليه الفرصة

ها قد مُرّر أيضا، دستور 2022 باسم أهل تونس، كما مُرّرت نسخ أخرى سبقته في سنوات 1861، و1959، و2014، وحُمّلوا في كل مرّة، وزر “تطويبها” دون أن يكون لهم في كل مراحل إصدارها “ناقة ولا جمل”، وهم برآء من آثامها رغم تجرعهم لعلقمها. إلا أنه يُسجّل عليهم مرة أخرى في صفحات التاريخ، باسمهم ورغما عن إرادتهم، أنهم تواضعوا على دستور جديد اقتضته مرحلة عصية من حياتهم، هيّأت له قيادتهم التي “اختاروها بملء إرادتهم” استشارة شعبية، “تمكن التونسيين والتونسيات في الداخل والخارج من إبداء آرائهم في أمهات القضايا المتعلقة بالشأن السياسي والانتخابي والشأن الاقتصادي والمالي والشأن الاجتماعي والتنمية والانتقال الرقمي والصحة وجودة الحياة والشأن التعليمي والثقافي”. مع كل ما صاحب مسمى الاستشارة من مهازل إجرائية وأرقام… لتعضدها عملية استفتاء غابت عنها كل صلة بإرادة المستفتى رأيهم إلا أن النتيجة مُهرت باسمهم، وذاع في العالمين أنه أصبح للتونسيين دستور جديد.
ومع كل ما صاحب الاستشارة الالكترونية، حول خارطة طريق قيس سعيد وبرنامجه السياسي، أو عملية الاستفتاء على مادة الدستور، من دجل وكذب وسخرية بشعب ابتلي بأمثالهم، فإننا وجدنا من يلهج بمحاسن تمشي قيس سعيد، ويستبشر ب “ولادة الجمهورية الجديدة” في تونس، ويبشر بأن الدستور الجديد أنقذ البلاد والنظام من تشتت مؤسسات الدولة، وأعاد للحياة السياسية معناها وفاعليتها، وطوى صفحة الإخوان السوداء، و”إسلامهم السياسي”، لتنبري صحيفة “الشعب” الجزائرية، وفي افتراء مقيت على التونسيين منوّهة بالمشاركة المكثفة للتونسيين في استفتاء قيس سعيد لتقول بأن: “إقبال التونسيين على مراكز الاقتراع كان مدفوعا برغبة جامحة في إنقاذ تونس من الانهيار وتحريرها من الفساد والفشل، لبناء دولة تقوم على الأهداف التي ضحى من أجلها البوعزيزي وغيره ممن كانوا وقودا لثورة الياسمين”.
ففي هذه الزوبعة الفاجرة التي أُقحم فيها أهل تونس، والتي قُدّت فصولها على حساب وعيهم على ما تحيكه لهم الدوائر الاستخباراتية، وتغييبا لدورهم في الحياة ومكانتهم بين شعوب العالم، ورغم الضنك الذي يكابدونه، لم يستطع أنصار مشروع قيس سعيد إن جوّزنا الحديث عن أن له مشروعا، أن يبرزوا خصلة واحدة في هذا المشروع تفتح أملا في دور سياسي تؤديه تونس تحت قيادتهم في اتجاه انعتاقها من ربقة التبعية للقوى الكافرة المستعمرة فتفتك مكانا تحت شمس الحياة، أو خطة اقتصادية تعتق رقاب أهلها من قيد ونير المؤسسات الناهبة لخيراتنا والمتحكمة في آلة الإنتاج عندنا، والمستعبدة لعقول وسواعد أبنائنا، أو حيلة تسترد بها ماليتنا عافيتها وتوقف هبوط قيمة نقدنا، لعل ذلك يصلح أحوالنا الصحية ويرتقي بمستوى تعليم أبنائنا، أو إعفاء الناس من ارتفاع شطط الأسعار وكلفة الخدمات التي ما عادت تطاق أو تتحملها الغالبية العظمى من الناس. فلم تتجاوز خصالهم إلا النكاية في خصوهم واستثارة غضب الناس عليهم، والطعن فيهم.
إلا أن معارضي قيس سعيد لم يُنكروا على الدستور الذي عرضه على الإستفتاء إلا كونه “خطوة على طريق العودة للديكتاتورية”، وأنه يمنح لقيس سعيد سلطات مطلقة ويحصنه من المساءلة، تشبثا منه بالسلطة ورغبة في الحكم بصفة منفردة، أو أنه حنث باليمين الذي أدّاهُ يوم تسلمه للسلطة، وغدره بالدستور الذي أقسم على المحافظة علي، فلم تتعدى انتقاداتهم النواحي الإجرائية فلم يقدروا على تقديم بديل حقيقي عما سمي بمشروع قيس سعيد، وبالأحرى هم غير قادرين على تقديم أي بديل، فقد ظلوا، كسائر الوسط السياسي، أسرى الجري خلف رضا الغرب، لإثبات ديمقراطيتهم حتى يقول قائلهم لو خُيرنا بين دستور مليء بالمعاني الإسلامية ودستور خالٍ منها ولكنّه ديمقراطي فنحن مع الدّيمقراطية”. فالموقف هو نفسه. أليس هو الموقف ذاته بعد تصريحه في مؤتمر صحفي بتونس يوم 28 أكتوبر 2011. من أن الحكومة -المقرر إعلانها حينها- لن تدخل الشريعة أو مفاهيم إسلامية أخرى لتغيير الطبيعة العلمانية للدستور الذي كان قائما عندما أطاحت ثورة بالمخلوع. من من الوسط السياسي المسلط على التونسيين يملك الإرادة أو القدرة على تغيير دستور هو سليل ما سبقه؟ فلا ترهقوا الناس بأباطيلكم ومنافساتكم الدونكشوتية.
مَن مِن الوسط السياسي المسلط على التونسيين يمتلك الإرادة أو القدرة على تغيير دستور هو سليل ما سبقه؟ فلا ترهقوا الناس بأباطيلكم ومنافساتكم الدونكشوتية. فعبارة “تونس جزء من الأمة الإسلامية”، والتي استبدل بها عبارة “الإسلام دينها”، والتي أريد لها أن ينشغل الناس بها، فموضعها في الدستور كموضع سابقتها في النسخة الملغاة، إذ لا أثر لهذه وتلك في حياة الناس والتشريعات التي تنظم حياتهم ولا تحمل القائمين على السلطة أي تبعة شرعية، وإنما هو أمر يخادعون به الناس حتى لا تنكشف حالهم أمامهم. مع أن إيرادها اليوم في دستور 2022 أشد مكرا من سابقتها، فهي لا تعني اليوم إلا انتماء تونس إلى الأمة الإسلامية ثقافة، دون ما تقتضيه أصل العقيدة من خضوع وتسليم لله بالعبودية والحاكمية.
فالدول الغربية الاستعمارية الكافرة صاحبة الرأي في كافة دساتير البلاد الإسلامية منذ أن أسقطت دولة الإسلام، لا تنقم من دستور 2022 إلا من حيث:
1 ـ تدني نسب مشاركة الناخبين.
2 ـ كون مسار صياغة الدستور الجديد قد قيّد مجال النقاش الحقيقي
3 ـ يمكن أن يضعف الديمقراطية في تونس ويَحُط من احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
4 ـ ضرورة تيسير أوسع مشاركة ممكنة في الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها شهر ديسمبر.
كما ورد بتعاليق الجهات الرسمية الأمريكية على مسودة هذا الدستور، أو موقف الاتحاد الأوروبي الذي لا يرى الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد إلآ مرحلة هامة نحو عودة المسار المؤسساتي والتوازن الديمقراطي، ولم تر فيه أي جهة استعمارية تهديدا للمفاهيم الغربية أو تمهيدا بالعودة إلى تكريس أحكام الإسلام.
1. فالمرحلة التي تمر بها بلادنا خطيرة، لازال العدو الكافر المستعمر يمسك بكل الخيوط فيها، وهو الذي يدفع بها نحو مربعها الأخير، انتخابات 17 ديسمبر، بغاية محاولة تشكيل وسط سياسي يحمل من عوامل الجدّة ما يقنع طيفا من الرأي العام أن هناك تغييرا أحدثته جماهير الناس، فيسترد الوسط القديم أنفاسه، ويغنم هو حيزا زمنيا يعدل فيه أوتاره، ويضبط فيه سهامه، إلا أن تنقطع تلك الأوتار، وتتكسر تلك السهام على إرادة الأمة التي عليها اليوم عبء تحمل مسؤوليتها، بالأخذ على أيدي أعدائها، بقطعها. ولن يكون لها ذلك إلا بالوعي على حتمية استعادة إرادتها من عدوها، وافتكاك المبادرة منه. والدور اليوم على أهل قوتها ومنعتها، وليس لهم والله، إلا أن يغيثوها فينصروها، فيضعوا أيديهم بأيدي المخلصين الصادقين، أصحاب مشروع التغيير الحق، لا الدساتير الموبوءة المملاة من أعداء الله ورسوله. يقول ربنا العزيز الجبار: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين”.

CATEGORIES
Share This