ما زالت المعارك متواصلة في محيط العاصمة طرابلس وخلفت المعارك المحتدمة بين أهل ليبيا خلال أسبوع 56 قتيلا و266 جريحا حسب منظمة الصحة العالمية. عدا أن آلاف الأشخاص فروا من منازلهم فيما يجد آخرون أنفسهم عالقين في مناطق النزاع، وتستقبل المستشفيات داخل وخارج المدينة طرابلس يوميا ضحايا. وقد تبادل الطرفان السيطرة على مطار دولي مهجور على بعد 20 كيلو متر من جنوب العاصمة طرابلس وكذلك على ثكنة تقع إلى الشرق منه. وتشهد المعارك بين الطرفين كر وفر. والجدير بالذكر أن حفتر يشن هجوما على طرابلس من 4\4\2019 وقد خلفت هجماته مقتل 653 شخصا من أهل ليبيا ونزوح 91 ألفا حسب تقارير الأمم المتحدة. وهكذا بكل بساطة أهل بلد ومسلمون يسفكون دماء بعضهم بعضا بانقسامهم بين أطراف تتبع عملاء يعملون لحساب قوى شياطانية شريرة، كل ما يهمها أن يقتتل المسلمون فيتمزقون فتسرق ثرواتهم باسم الاستثمار.
وقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط يوم 13\6\2019 أن مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة اجتمع مع رئيس الحكومة الليبية السراج للتباحث حول آخر تطورات العملية العسكرية والتشاور بشأن العودة إلى طاولة الحوار كما اطّلع من نائبه معيتيق على نتائج زيارته لواشنطن. وكانت الصحيفة نفسها قد نقلت يوم 9\6\2019 عن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية قوله :” إن أحمد معيتيق نائب السراج اجتمع خلال زيارته لواشنطن مع جويشوا هاريس مسؤول إدارة شؤون المغرب العربي بالإنابة في الوزراة” وأكد المسؤول الأمريكي أن ” السياسة الأمريكية تجاه ليبيا تظل ثابتة، لافتا إلى أن السلام والاستقرار الدائمين في ليبيا لن يأتيا إلا من خلال حل سياسي.. وندعو جميع الأطراف إلى العودة السريعة إلى الوساطة السياسية للأمم المتحدة التي يعتمد نجاحها على وقف إطلاق النار في طرابلس وحولها”. ونوه بأن ” المسؤولين الأمريكيين يتشاورون مع مجموعة واسعة من القادة الليبيين فضلا عن شركائنا الدوليين للضغط من أجل الاستقرار وإعادة السراج والمشير حفتر إلى طاولة المفاوضات”. وذكرت الصحيفة أن هذه التصريحات تتعارض مع إبلاغ نائب السراج أول من أمس الصحافيين في واشنطن بأن “الإدارة الأمريكية أكدت له دعمها لحكومته المعترف بها دوليا”، وأضاف :” أعود إلى دياري ومعي رسالة مختلفة، فالولايات المتحدة تدعمنا بصفتنا الحكومة الليبية الشرعية”. ويظهر أن أمريكا تؤيد هذه الحكومة لأنه معترف بها دوليا ولا تستطيع أن تتجاوزها وهي تضغط عليها لتعترف بعميلها حفتر وتنهي اتفاق الصخيرات الذي صاغته بريطانيا عام 2015 حيث يحول دون حفتر وتسلمه قيادة الجيش في حكومة السراج. ويقصدون من السلام والاستقرار هو هيمنة أمريكا واستقرار نفوذها في البلد.
ويلقى حفتر دعما من أمريكا بصورة علنية، إذ قام الرئيس الأمريكي ترامب يوم 15\4\2019 بالاتصال بحفتر لإبداء دعمه له وهجومه على طرابلس ليؤمن لأمريكا السلام والاستقرار أي نهب الموارد النفطية وضرب المعارضين للوجود الأمريكي والغربي قائلا :” أعترف بدور المشير حفتر المهم في مكافحة الإرهاب وضمان أمن موارد ليبيا النفطية”. (أ ف 19\4\2019) والإرهاب معناه محاربة الساعين لحكم الإسلام والذي يقطع أيدي المستعمرين من سرقة الموارد النفطية لأهل ليبيا، وحفتر مستعد أن يمنح الشركات الأمريكية نهب الثروات وقد تعهد لترامب بذلك مقابل أن تدعمه للوصول إلى الحكم. فهو على حافة قبره ويعده الشيطان غرورا بأنه سيعيش طويلا وينسيه ذكر ربه. وكذلك ينال حفتر دعما من عملاء أمريكا في المنطقة، وخاصة نظام السيسي والنظام السعودي حيث يقدمان الدعم له بصورة علنية. ويظهر أن أمريكا تضغط على حكومة السراج للاعتراف بحفتر وإشراكه في الحكم حتى يصبح عمله الإجرامي مشروعا في المرحلة الأولى ومن ثم تهيئه ليستلم الحكم فيما بعد ليكون أول عميل أمريكي يصل إلى سدة الحكم في ليبيا بعدما سيطر عليها الأوروبيون مدة طويلة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش بأن “ليبيا تواجه وضعا في منتهى الخطورة، وإنه من الواضح جدا بالنسبة إلي أننا في حاجة إلى استئناف حوار سياسي جاد ومفاوضات سياسية جادة، لكن من الواضح أنه لا يمكن أن يحدث دون وقف تام للأعمال القتالية”. والحوار السياسي والمفاوضات السياسية تعني الاعتراف بحفتر وإشراكه في الحكم، ولكن بعدما يعزز حفتر مواقعه ويضع الحكومة تحت تسلطه كما فعل مع البرلمان الليبي حيث وضعه تحت سيطرته وجعله يعترف به قائدا للجيش.
بينما دعا الاتحاد الأوروبي يوم 10\6\2019 حفتر للتوقف عن حملته على طرابلس، فقالت مسؤولته للشؤون الخارجية والأمنية موغيريني بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي :” دعوت بحزم شديد كافة القيادات الليبية وخصوصا حفتر، إلى وقف كافة العمليات العسكرية والعودة إلى طاولة المفاوضات بإشراف الأمم المتحدة” وهي تعلن أنها تتباحث مباشرة مع السراج وحفتر. بينما تباحثت المستشارة الألمانية ميركل هاتفيا مع السراج ونددت بتقدم قوات حفتر باتجاه طرابلس” وأكد بيان الحكومة الألمانية ” القناعة الألمانية بأنه لا يوجد حل عسكري ممكن في ليبيا” (أ ف ب 11\6\2019). فأصبح الطرف الأوروبي في حالة حرجة حيث يرى تطويق حفتر للعاصمة الليبية التي تحكمها حكومة ليبية تابعة لأوروبا حيث تخاف أوروبا على مصالحها الاستعمارية في ليبيا وتستحوذ عليها أمريكا.
وهكذا يحتدم الصراع الدولي بين أمريكا وأوروبا، حيث يتصارع الطرفان على نهب موارد ليبيا النفطية الطائلة، ويتجدد الصراع بقتل المزيد من أبناء المسلمين. فلا يموت في هذا الصراع أمريكي ولا أوروبي، والذي يموت أبناء من أهل ليبيا المسلمين، ولا يموتون موتا عاديا، بل يضرب بعضهم أعناق بعض لحساب تلك القوى فيقعون صرعى غفلة، ويعتبر كل طرف قتلاه شهداء! فيبيعون دنياهم وآخرتهم في سبيل دنيا الآخرين مقابل جهنم، فيخسرون الدنيا والآخرة، عاملين لصالح الشياطين سواء في أمريكا أو في أوروبا وهم الذين يسخرون من المسلمين ويسخروهم لمآربهم ويجعلوهم يقتلون بعضهم بعضا. فينسى المتقاتلون عقاب ربهم العظيم وغضبه عليهم وهو القائل عز وجل: “وَمَنۡ يَّقۡتُلۡ مُؤۡمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهٗ جَهَـنَّمُ خَالِدًا فِيۡهَا وَغَضِبَ اللّٰهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهٗ وَاَعَدَّ لَهٗ عَذَابًا عَظِيۡمًا”.
فلا الحل السياسي ولا الحل العسكري بخير لأهل ليبيا، فالحل يبدأ بترك الاقتتال والتصالح والتعاضد وإسقاط العملاء التابعين لأمريكا ولأوروبا، وأخذ زمام الأمور والتخلي عن الارتباط بالدول المتصارعة ورفض الاستعانة بها أو اللجوء إليها سواء لكسب التأييد أو غيره، ولا حل آخر لأهل ليبيا غير ذلك. وهذا لا يتحقق إلا بتمسك أهل ليبيا بدينهم والاحتكام إلى شرعه وتطبيقه. ويبدأ ذلك بالاستجابة لداع الله والالتفاف حوله والعمل معه لتحقيق ذلك وإيجاد رأي عام يقبح الاقتتال ومن يشترك فيه ويلتحق بهذا الفريق أو ذاك الفريق.