دراسة نقدية لمشروع قانون أساسي يتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية وتمويلها
الأستاذ فتحي بن مصطفى الخميـــــري
باحث في القانون ومحام لدى التعقيــب
عضو المجلس العلمي لهيئة المحامين
أعدت مصالح وزارة العلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني”مشروع قانون أساسي يتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية وتمويلها” وهو يفترض أن يحل محل المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المؤرخ في 26 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية والذي يعتبر من أهم المفردات التي تم تقريرها بعد الثورة .
ومن خلال قراءة أولية لنص مسودة المشروع كيفما تم نشرها على صفحات الوزارة المعنية تبرز النقاط التالية:
أولا:غياب بيان الأسباب الموجبة تبرر اللجوء إلى صياغة مشروع جديد لتنظيم الأحزاب السياسية يقع فيها شرح الدواعي والحاجة الواقعية إلى إعادة تشريع قانون جديد بعد الوقوف على نقائص المرسوم الجاري به العمل الآن ،وخاصة مبررات إلغاء العمل بهذا المرسوم بصفة كلية وعدم الاكتفاء بإدخال تنقيحات أو تعديلات لمواده.
ثانيا : يتكون نص المسودة من 69 فصل وهو بذلك جاء أكثر من ضعف نص المرسوم الحالي (30 فصل) ، وهذا الأمر يعطي انطباعا أوليا بوجود اتجاه نحو فرض المزيد من الضوابط والقيود على العمل الحزبي وبالتالي التضييق على نشاط الأحزاب السياسية.
ثالثا: إسناد الإدارة، وهي الوزارة المكلفة بالأحزاب السياسية –هكذا بشكل مطلق -مسؤولية الإشراف على متابعة ومقاضاة الأحزاب السياسية، في حين أن المرسوم الحالي أسند المسؤولية مباشرة للوزير الأول، بوصفه يشكل أعلى سلطة إدارية، وهو ما يعد خطوة إلى الوراء في التعامل مع الأحزاب السياسية وجعلها رهينة السلطة الإدارية مطلقا دون تحديد درجة هذه السلطة الإدارية المكلفة : الوزير ، مدير الديوان ، رئيس مصلحة ….
رابعا : تكثيف مواد العقوبات والترفيع من مبالغ الخطايا المالية المرصودة ضد الحزب المخالف (من 5 آلاف دينار فما فوق) ، وتعدد الفصول المخصصة لهذا الباب (16 فصل) وذلك في مقابل رصد ثلاث فصول فحسب ضمن مرسوم 2011.
خامسا: إسناد نواب الأحزاب الحاكمة مبالغ مالية ضخمة في شكل منح سنوية قارة تبلغ خمسين ألف دينارا (50.000د) وأخرى غير قارة (10 آلاف دينار) وذلك بعنوان تمويل عمومي سنوي يؤخذ من ميزانية الدولة!!.
سادسا : إحداث آلية جديدة لمراقبة الأحزاب السياسية من خلال مصطلح “المنصة الالكترونية” التي سوف تشكل مدخلا للرقابة المباشرة ومتابعة الشؤون الداخلية للأحزاب بشكل مجهري.
سابعا : إهمال الإشارة إلى أي عبارة لها علاقة باحترام الهوية العربية الإسلامية وذلك على خلاف النصوص السابقة المنظمة لمادة الأحزاب السياسية[1] في حين يتمسك المشروع بإعلاء قيم العلمانية والديمقراطية إلى مرتبة المقدسات.
بعد تلك اللمحة الموجزة، فإن التأمّل في نص مشروع القانون الذي ينتظر تمريره إلى مجلس النواب للمصادقة عليه، يكشف أنه يمثل نكوصا على الأعقاب، وسوف يكون مؤداه تكريس تغوّل الأحزاب الحاكمة في مقابل محاصرة وإقصاء أحزاب المعارضة الحقيقية، ويمكن التدليل على هذه الحقائق من خلال استقراء ومتابعة نص المسودة موضوع هذه الدراسة وما تم تقريره من قواعد تشدد من إجراءات التكوين، وتدعم إجراءات الرقابة أثناء التسيير، كما تشدد من العقوبات المسلطة على الحزب المخالف، وذلك في مقابل التبسيط من إجراءات حلّه وتصفيته من الحياة السياسية.
أولا : تشديد إجراءات تأسيس الأحزاب:
يصرح الفصل الأول من المشروع أنه “يضمن حرية تأسيس الأحزاب السياسية في إطار دولة مدنية ديمقراطية كما يهدف الى ضبط القواعد المتعلقة بتأسيس الأحزاب والانخراط فيها وتسييرها وتمويلها والعقوبات المسلطة عليها”.
إن ظاهر هذا النص هو ضمان الحرية في مادة تأسيس الأحزاب السياسية، لكن هذه الحرية سرعان ما يتم سلبها ومصادرتها من جديد تحت عنوان “الضبط” والقيود التي وضعها نص المشروع نفسه، وبذلك فإن المشروع يستعير ميزة القوانين المتسلطة التي تصادر باليد اليسرى ما تكون أعطته باليد اليمنى.
والأكيد أن هذا الفصل من المشروع يعدّ نقضا لما أقرّه الفصل الأول من مرسوم 2011 الذي جاء فيه : “يضمن هذا المرسوم حرية تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام اليها والنشاط في إطارها ويهدف الى تكريس حرية التنظيم السياسي ودعم التعددية السياسية وتطويرها…”
ويمكن الوقوف على أهم القيود التي من شانها مصادرة الحق في تكوين الأحزاب من خلال ما أضافه المشروع بخصوص شرط الترسيم المسبق بسجل الناخبين إلى جانب شرط الحصول على تأشيرة العمل القانوني.
أ- شرط الترسيم بسجل الناخبين:
لقد استقر العمل في ظل النصوص السابقة المنظمة لمادة الأحزاب بوضع شروط موضوعية في جانب الأشخاص المؤسسين للحزب السياسي وهي تنحصر في ضرورة التمتع بالجنسية التونسية وبالحقوق المدنية والسياسية بشكل كامل[2].
لكن المشروع أضاف ضمن الفصل 10 منه شرط الترسيم بسجل الناخبين، هذا الشرط لم يأت به أي نص قانوني سابق، وهو ما يعني أن كل من يرفض الانخراط في ” اللعبة الديمقراطية والانتخابية” يتم استبعاده وحرمانه من حق تكوين حزب سياسي، فلا يكفي الانتماء الى الجنسية التونسية والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية كاملة، بل يجب على طالب تكوين الحزب أن يكون منخرطا في المنظومة التي تحددها السلطة ويتبنى بذلك قيمها ومفاهيمها عن العمل السياسي.
وتأسيسا على ذلك الاتجاه، يصبح كل حزب سياسي مطالبا بالانخراط في لعبة التغييرات الشكلية للوجوه الحاكمة وملزما بالمساهمة في تعميق النظام الرأسمالي الديمقراطي والحفاظ على استمراره طبق شروط الاستعمار الغربي وصناديق النهب الدولي.
ولعل تقرير هذا الشرط يندرج ضمن باب تحصين النظام من أي تغيير جذري واستهداف واضح لكل تكتل سياسي يرفض الانخراط في “اللعبة الديمقراطية”، وتطويق مساعيه في إحداث التغيير الجذري المطلوب.
ب- إعـــادة العمل بإجراء التأشيرة المسبقة:
أقرّ مرسوم 2011 إجراءا تحرريا من قيود السلطة حينما اعتمد صلب فصله التاسع “إجراء التصريح” بتكوين حزب سياسي بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ يوجه إلى الكتابة العامة للحكومة بعد معاينة استكمال أوراقه القانونية بواسطة عدل تنفيذ يتم إثرها استرجاع علامة البلوغ، وفي أقصى الآجال بمجرد مرور ستين يوما يتم الإعلان عن التكوين القانوني للحزب بالرائد الرسمي.
لكن الفصل 14 من المشروع الحالي أخضع ملف التأسيس إلى ضرورة الحصول على “إشعار” مسبق من الإدارة يوجه عبر البريد الإلكتروني للحزب.
ولا شك أن اعتماد هذا الإجراء يمثل عودة واضحة للعمل بإجراء التأشيرة المسبقة التي اعتمدها نظام المخلوع ضمن قانون الأحزاب لسنة 1988 الذي جاء بفصله الثاني ما يلي :
” لا يمكن للحزب السياسي أن يتكون ويمارس نشاطه إلا بعد الحصول على ترخيص صادر بقرار من وزير الداخلية ينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
فالواقع أن إجراء “الإشعار المسبق” أو “قرار الترخيص” هما عبارتان لمضمون واحد وهو اعتماد نظام التأشيرة المسبقة في تكوين الحزب السياسي، وإعادة العمل بهذا الإجراء يشكل نقضا واضحا ونسفا متعمدا لأهم مكتسبات مرسوم 2011، الذي جاء متبنيا لمبدأ التحرر من تسلط الدولة في مجال الحياة السياسية، فالمشروع يصادر ذلك المكسب ويعيد العمل بنظام التأشيرة المسبقة في تكوين الأحزاب السياسية مع تغيير لفظ العبارة والصيغة المعتمدة بنص المشروع.
ثانيا : دعم الرقابة على نشاط الأحزاب :
يبرز هذا الاتجاه صريحا من خلال عبارة الجزء الثاني من الفصل الأول للمشروع الذي أكد أنه جاء “بضبط القواعد…” فهو نص ضبطي وبوليسي بامتياز.
فالمشروع أصلا جاء محررا بشكل مسقط ودون تعليل ومستجيبا إلى إملاءات معينة، وبذلك فإنه من الطبيعي أن يكون نص المشروع ضبطيا ومعتمِدا لقواعد آمرة تضمن تسليط رقابة إدارية وأخرى مِجهرية على نشاط الحزب.
أ- التدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب :
هذا المنحى يتناقض مع مبدأ الأساس التعاقدي للحزب السياسي باعتباره ينشأ بناءا على “اتفاق بين أشخاص طبيعيين” وهذا الاتفاق سوف يشكل القانون الأساسي للحزب، ويكون مرجعا في ضبط العلاقات الداخلية بين أعضائه وتوزيع المسؤوليات وتسيير نشاط الحزب وأموره الإدارية .
وبناءا على ذلك فإن النظام الأساسي للحزب هو المرجع في ضبط شؤونه الداخلية مثلما اقر بذلك الفصل 16 من مرسوم 2011.
أما مشروع القانون موضوع هذه الدراسة فإنه يسلط رقابة الإدارة منذ العام الأول لتكوين الحزب حيث أكد الفصل 20 منه على ضرورة عقد الحزب لمؤتمره الانتخابي الأول في غضون سنة من تاريخ نشر إعلان تأسيسه بالرائد الرسمي، وفي صورة عدم الوفاء بذلك فإن الإدارة تتولى متابعته قضائيا قصد التوصل إلى حله بمقتضى حكم قضائي.
ب:إحداث “المنصة الإلكترونية”:
أحدث المشروع هذه المنصة لمراقبة نشاط الأحزاب ومتابعة نتائج مؤتمراتهم الدورية كنشر جميع قرارات التعيين والتغييرات في صفوف المسؤولين عن الحزب ووكلائه الماليين في أجل محدد لا يتجاوز 30 يوما وفي صورة عدم إنجاز تلك الموجبات في الآجال المحددة يكون الحزب معرضا للمتابعة القضائية بغاية حله.
والملاحظ أن نص المشروع ضبط المخالفات وقفز مباشرة إلى التهديد بحل الحزب دون التدرج في اعتماد أي إجراء مسبق بواسطة التنبيه أو تعليق النشاط لمدة معينة ،وفي هذا الاتجاه نقض لما اقره المرسوم الحالي وسعيا واضحا إلى التماس إجراءات التصفية دون إعطاء فرصة للتسوية. ويؤكد هذا التعامل الجاف مع فاعلي الحياة السياسية ما تم رصده من عقوبات مالية مجحفة في صورة الوقوع في المخالفات.
ثالثا : تشديد العقوبات المالية :
رصد مشروع القانون عقوبات مالية مشطة يقع تسليطها على الحزب السياسي في صورة مخالفة القيود التي أقرها المشروع. وباستقراء نص المشروع يتبين انه رصد أكثر من 15 فصلا ضمن باب العقوبات وقد استهدفت هذه الخطايا مسائل من متعلقات التسيير الداخلي للحزب منها عقد مؤتمراته الدورية وعدم نشر معطيات على “المنصة الالكترونية”. والملاحظ أن تسليط مثل هذه الخطايا من شأنها إثقال كاهل الأحزاب الضعيفة ماديا وإغراقها بوابل من الخطايا بمجرد التأخير في عقد مؤتمر أو إغفال نشر معلومات على المنصة الإلكترونية.
مع العلم أن مرسوم 2011 المعمول به حاليا تجنب الدخول في تلك التفاصيل وترك موضوع معالجتها لما تقرره الأنظمة الداخلية للأحزاب.
رابعا : تدعيم الأحزاب الحاكمة بالتمويل العمومي:
الأصل في العمل السياسي أن يكون تطوعيا باعتباره يتعلق بعمل نضالي من اجل قناعات فكرية وسياسية. ولذا فإن عملية تمويل أنشطة الحزب تعود إلى أعضائه أو المساندين له دون غيرهم .
لكن مشروع القانون موضوع هذه الدراسة رصد ضمن فصله 37 تمتيع الأحزاب الممثلة بمجلس النواب بتمويل عمومي يصرف سنويا ويؤخذ من ميزانية الدولة. وهذا التمويل يسند في شكل منح منها جزء قار بمبلغ خمسين ألف دينار( 50.000دينار ) وجزء غير قار بمبلغ عشرة آلاف دينار (10.000د) عن كل نائب.
ويعتبر تقرير هذا النص بمثابة نهب مقنن للمال العام تنتفع به الأحزاب الحاكمة باعتبار أن الحكومة مكونة من ائتلاف بين الأحزاب الفائرة في الانتخابات النيابية وصرف هذه المبالغ على كاهل الدولة يحرف دور الأحزاب أصلا باعتبارها سوف تصبح شركات استثمار لنيل أرباح في شكل منح على حساب المال العام وإثقال ميزانية الدولة بأعباء جديدة ليس لها أي مبرر شرعي أو أخلاقي سوى تعميق هيمنة الأحزاب الحاكمة على الحياة العامة.
مع العلم أن الانتفاع بهذا الدعم لفائدة أحزاب معينة يتجافى مع مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات كما أنه يصادر صلاحيات وزارة المالية التي يرجع لها الاختصاص الحصري في التصرف في المالية العمومية.
خامسا : تبسيط إجراءات حل وتصفية الحزب السياسي :
لقد أحاط مرسوم 2011 الأحزاب السياسية بعديد الضمانات الإدارية والقضائية والإجرائية، فعلى المستوى الإداري أفرد المرسوم الوزير الأول، بوصفه أعلى سلطة إدارية، بملف الأحزاب وقلص من تدخل الدولة في شؤونها باعتماد نظام التصريح في تكوين الحزب، وعلى المستوى القضائي تم تقرير مبدأ المواجهة والتدرج في الإجراءات التنازعية بين الدولة والحزب من خلال محضر التنبيه الموجه من الوزير الأول في صورة وقوع المخالفة، والرد على ذلك التنبيه من قبل الحزب المعني به، ثم استصدار قرار في تعليق النشاط لمدة شهر واحد، وبعد صيرورة هذا القرار باتا يقع اللجوء إلى قضية أصلية في حل الحزب وتصفيته.
لكن الفصل 62 من المشروع ألغى العمل بتلك الإجراءات المسبقة قبل القيام بقضية في حل الحزب واختصر مسافة الإجراءات التنازعية مخولا الإدارة القيام مباشرة لدى القضاء بغاية التوصل إلى حلّ الحزب دون سابق إنذار.
والأكيد إن اعتماد هذا الاتجاه في حل الحزب السياسي يكشف الخلفية السياسية للمشروع باعتبار أن الفصل62 سند القيام بالقضية فتح مجال القيام لدى القضاء في صورة ارتكاب إخلالات ذات طبيعة مالية، لكن أيضا إذا رأت الإدارة مخالفة الحزب لأحكام الفصل 7 من المشروع الذي يتعلق بمواقف ذات طبيعة فكرية وسياسية يمكن أن تعتبرها الإدارة تهديدا لقيم الديمقراطية والجمهورية.
وهذه الصورة الأخيرة تعطي للإدارة سلطة تقديرية واسعة بخصوص معاينة وتقدير مخالفات ذات طابع قيمي ما دام متعلّقها احترام قيم الديمقراطية والجهورية، وهذا الموقف يصادر من الحزب السياسي أهم صلاحياته باعتباره يحرم من حق ممارسة صراعه الفكري والسياسي ضد المنظومة القيميّة التي تتبناها السلطة الحاكمة.
سادسا : الخلفية السياسية للمشروع :
اعتمد نص المشروع إضافة جديدة واردة صلب الفصل السابع من المشروع يتمثل في العبارة التالية: “يحجر على الحزب السياسي… تهديد وحدة الدولة أو نظامها الجمهوري أو الديمقراطي”.
إن اعتماد هذا الفصل سوف يجعل من كل حزب معارض للنظام الجمهوري أو ناقد للنظام الديمقراطي يشكل تهديدا يستوجب مواجهته بقضية في حله وتصفية وجوده السياسي.
والتدقيق في منطوق هذا النص يجب أن لا ينفصل عن الملابسات السياسية الحالية للبلاد التي تخضع لواقع ارتهان النخبة الحاكمة لفائدة الأجنبي. وبناء على ذلك فإن هذا المشروع يتأتى ضمن تكريس التبعية السياسية والخضوع إلى إملاءات صناديق النهب الدولية بغاية فرض سيطرة دكتاتورية تقوم على إعلاء مثل الديمقراطية وقيم العلمانية بشكل يصبح معه النظام الديمقراطي الرأسمالي هو المتحكم في الحياة السياسية ومن ثمة بسط نفوذهم على مقدرات البلاد الاقتصادية.
فالمشروع جاء يشكل انتصارا لقيم الحضارة الغربية في الحياة السياسية باعتباره يشجع قيام أحزاب طبق معايير الحضارة الرأسمالية، وبذلك تتم مصادرة القيادة الفكرية والسياسية لخير أمّة أخرجت للناس وجعلها في مصاف “قوم تبّع” للقيم الديمقراطية التي يحرسها المستعمر وفريسة لاستعباد الرأسمالية. فكل تكتل سياسي يقاوم هذا النفوذ الاستعماري يصبح مستهدفا بتفعيل نصوص قانون تمت صياغته لغاية تصفية التكتلات الحزبية الواعية والمخلصة لقضية التحرر الحقيقي من الاستعمار.
سابعا: مشروع قانون أم تنفيذ تعليمات؟!!:
إن هذا المشروع ولئن انتحل صفة القانون إلا أنه لا ينطوي إلا على تكريس تعليمات صادرة من أصحاب النفوذ بوصفهم الحكّام الفعليين للبلاد المرتبطين بدوائر منظومة رأسمال المحلي والدولي.
ولعل هذا المشروع يذكرنا بعبارة رئيس الدولة حينما توجه بالخطاب إلى مجلس الأمن القومي بضرورة إيجاد حلّ لحزب التحرير « Il faut trouver une solution » وذلك بعد انسداد الحلول القضائية أمام السلطة في ظل مرسوم 2011، فكان من الضروري اللجوء إلى استبداله وصياغة نص قانوني جديد يستبطن التعليمات اللازمة لتصفية حزب التحرير من الحياة السياسية، وكذا كل تكتّل حزبي يمارس السياسة بوعي وإخلاص. فيكون القانون، على نحو مقولة الفيلسوف الألماني فيورباخ Fuerbacht :” مجرد سحاب دخان يراد به تغطية مصالح خفية”.
لكن الأكيد أن من يختار الالتزام بهذا النوع من العمل السياسي لا يمكن أن تحاصره نصوص القوانين الجائرة أو توهن من عزيمته الحملات المسعورة مستحضرا قوله تعالى:
” الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (آية 173 آل عمران).
[1] الفصل 2 من القانون الأساسي عدد 32 لسنة 1988 المؤرخ في 3 ماي 1988 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية الذي ينص على أنه ” يعمل الحزب السياسي في نطاق الشرعية الدستورية والقانون وعليه أن يحترم ويدافع خاصة عن الهوية العربية الإسلامية وحقوق الإنسان…”
[2] الفصل 7 من القانون الأساسي عدد 32 لسنة 1988 المؤرخ في 3 ماي 1988 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية (الرائد الرسمي عدد 31 بتاريخ 6 ماي 1988 ص 715) ” يشترط في مؤسس الحزب السياسي ومسيرته التمتع بالجنسية التونسية دون سواها وذلك منذ عشر سنوات على الأقل أن لا يكون قد صدر ضدهم حكم بات من أجل جناية أو جنحة لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر سجنا نافذة….”.
الفصل 6 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 مؤرخ في 24 سبتمبر 2011 يتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية : “يشترط في مؤسسي الحزب السياسي ومسيرته التمتع بالجنسية التونسية وبحقوقهم المدنية والسياسية كاملة”.