مشروع “مارينا” ببنزرت:  إعتداء صارخ على الملك العمومي البحري وجريمة في حقّ الأهالي

مشروع “مارينا” ببنزرت: إعتداء صارخ على الملك العمومي البحري وجريمة في حقّ الأهالي

نظمت وقفة احتجاجية سلمية أمام مقر ولاية بنزرت صبيحة يوم الأحد 29 أكتوبر على تمام الساعة الحادية عشر, ضدّ ما يعرف في الجهة بمشروع “مارينا” وضدّ الشركة القائمة بإنجاز المشروع والمكلّفة بتهيئة الشاطئ ، وهي شركة مارينا كاب 3000 باعتباره ملف فساد مسكوت عنه، حيث حضر الوقفة جمع محترم من الأهالي والنشطاء السياسيين وممثلي بعض الأحزاب والجمعيات, ورفعت فيها عديد الشعارات على غرار ” سيّب لابلاج ” في إشارة للشاطئ الذي تم إغلاقه وردم جزء منه وتهيئته كأراضي صالحة للبناء، كما تم رفع شعار ” لا لبيع الملك العمومي البحري ” بالإضافة إلى توزيع مطبوعة تتضمّن مطالب المحتجّين، كما هتف المحتجون بضرورة فتح السّياج الذي فصلت به الشركة بين الرصيف والشاطئ ومنعت العموم من استغلاله للتنزّه أو للقيام بأنشطة الصيد والغوص، لتنتهي الوقفة باستقبال والي المدينة لممثلين عن المحتجين للتباحث معهم في المسألة.

ويذكر أنّ الشركة القائمة على مشروع كاب 3000 الذي انطلق انجازه منذ سنة 2005  قد أمضت عقدا  تمكنت بمقتضاه من إستغلال ساحل المدينة المعروف بمنطقة  “لابلاج ” والنادي الرياضي البحري المعروف “بسبورنوتيك ” لبناء مشروع سياحي ترفيهي يتضمن ميناء للقوارب واليخوت ومحلاّت تجارّية, وهو ما يزال إلى الآن يسير بخطى السلحفاة, وأصبح يشكل نشازا معماريا في منطقة كانت تصنف هي الأجمل في الساحل الشمالي, إضافة إلى تأثيراته السلبية على دوران المياه بالمرسى القديم حسب بعض المختصين, بالإضافة غالى تشويهه لعدد من المعالم السياحية التقليدية في مدينة بنزرت.

ويتّهم الأهالي الشركة المعنية والأطراف التي وقّعت على المشروع بالفساد، حيث تجدر الإشارة إلى أنّ الصفقة تخلّلتها عديد التجاوزات الخطيرة من حيث قانونيتها وبنود العقد وأطوار الإنجاز حسب عديد المتابعين للملف.

وبدأت الأشغال منذ 2010 وشهدت توقفا ثم استأنفت بعد جلسات بين السلط المركزية والمحلية ليعود مجددا غضب الأهالي والإطارات المجتمعية على موافقة وزارة أملاك الدولة على مواصلة النهج المتبع سلفا وتغليب مصلحة الشركة على مصلحة المواطنين في حقهم في منطقة بحرية سليمة وخالية من كل الخروقات القانونية كما جاء على لسان السيد أحمد موحى الممثل الجهوي لتنسيقية تونس وعدد من نشطاء المجتمع المدني.

من جهة ثانية تساءل المشاركون في الوقفة عن التسهيلات التي تحصلت عليها شركة مارينا لتحويل البناية ذات الثمانية طوابق من مشروع سياحي إلى مشروع عقاري سكني .

و يعتبر شاطئ “لابلاج “ومرفأ سبورنوتيك ” من أجمل الأماكن التي كانت ترتادها العائلات وزوّار المدينة بالإضافة إلى ممارسة الأنشطة الرياضية البحرية في النادي البحري بالإضافة إلى ذلك فإن المكانين يمثلان قبلة لهواة الصيد البحري .

ومع بداية تسييج الشركة المذكورة للمكان في سنة 2009 تمّ منع الأهالي من الدخول حيث تم إنجاز جزء من الأشغال ليتوقف المشروع بعد اندلاع الثورة …

ويبدو أن فظاعة الإعتداء على هذا المكان وخاصة رمزيته الأثرية والتاريخية بعد أن تمّ العثور على قطع أثرية أثناء الحفر أدّت إلى سخط الأهالي وتفاقم غضبهم خصوصا مع صمت السلطات طوال سنوات عن هاته الكارثة التي حلّت بالمدينة حيث وصف أحد المحتجين ما قامت به الشركة القائمة على المشروع “بالإحتلال”.

وقد انعقدت جلسة جهوية بمقر الولاية، عشية يوم الجمعة 3 الفارط، بحضور ممثلي إدارة مشروع ”مارينا” ومجموعة من ممثلي كافة الإدارات الفنية.

وتم خلال الجلسة اتخاذ جملة من القرارات أو هي وعود معتادة الخروج في مثل هذه الوضعيّات من طرف والي الجهة وأبرزها:
-إزالة السياج الحديدي قبالة شاطئ “لابلاج” قبل يوم 15 نوفمبر المقبل وان لم يتم تنفيذ الأمر تتكفل بلدية بنزرت برفع السياج وتحميل إدارة مارينا المصاريف.
-إنجاز العقد التكميلي الخاص بمساحة الأرض المستغلة الإضافية من قبل إدارة مارينا على أن تتولى إدارة مارينا خلاص البلدية مباشرة بعد 24 ساعة على أقصى تقدير.
-إتمام الحسابات الخاصة بأموال البلدية خلال نهاية نوفمبر الجاري.
-تعيين موعد 8 ديسمبر المقبل لتقديم دراسة محينة عن مؤثرات المحيط الخاصة بالأشغال المنجزة من قبل إدارة مارينا.
-إعطاء الإذن للشركة بالانطلاق في أشغال تجديد وتحسين واقع الحوض المائي للمرسى القديم انطلاقا من الغد السبت على أن يتم الانتهاء منها خلال نهاية السنة الحالية.

وعود تلو الأخرى وقرارات شفاهية لا تتخطى حدود الثواني الحروف التي تخرج, تظلّ جزء من سجلات الفشل المتواصل من القائمين على هذا النظام الموروث من فاشل هارب بعد عقود من الجبر والتسلّط. لذلك فإنّ هذا النظام الرأسمالي المتوحش لا يلقي بالا لراحة الناس ولا لحاجياتهم، فأذرعه الإستعمارية تفسد البر والبحر.

ومن ناحية شرعية التي يجب أن تكون في مقدّمة الأولويات, فقد حرم الإسلام بيع الملكية العامة كالشواطئ والأنهار والبحيرات والغابات والمناجم والغاز والبترول إلى الخواص لقوله صلى الله عليه وسلم: الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار.

وبذلك فإنّ التفريط في الشاطئ المذكور هو جريمة من قبل السلطات في حق أهالي الجهة يجب إيقافها فورا.

إنّ المتأمل في الوضع السياسي في البلد وسيرورته يرى بكل وضوح أن الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال المزعوم سنة 1956 وحتى اليوم كانت ولا زالت خاضعة للوصاية الاستعمارية الغربية ومؤتمرة بإملاءاتها, ومسهّلة لها نهب ثروات البلاد ومقدراتها تحت غطاء الاستثمار, وما هو في حقيقة الأمر إلاّ عين الاستعمار.

إنّ إزالة هذه التجاوزات أو حتى إيقافها بعد أن استشرت في كل أرجاء تونس الحبيبة, عمل جبار لا تقدر عليه الأيادي التي تُعطي الغثَّ لأهلها وتعرض السمين على من يسرقها قطعة قطعة, وما دامت القوانين المسيِّرة لشؤون الناس هي نفسها التي كانت تنغّص معيشتهم من قبل باقية اليوم, فلن يتغيّر المشهد ولا مضامينه المؤثثة لضوابط العيش الكريم للناس, وما دامت الأحزاب تقدّم مرشّحيها من المسؤولين الأقدر على التأقلم مع ما سيلقونه من حزم “تكبيلات” ومسايرات لنسق الخدمة المتفانية لصالح الخواص المتلهفين على كل ما يمكن الظفر به في البلاد, والقادرين أكثر على إسكات الناس بحلول ظرفية وكم من الوعود التي لا حدود لها, ما دام كل ذلك كذلك فلن ننتظر من مسؤولي اليوم ما قد يزيل ريبَة أهالي بنزرت وانتفاض باقي أهلي تونس جمعاء للذود عن ممتلكاتهم, العمومية منها وكذا الخاصّة, إنّما تُزيل كل ذلك دولة ترى في الناس اهلا لها وأهلا لأن يُعطَو حقهم الأوّل والأهم وهو التشريع القوي القويم على شؤونهم بما يُطمئن قلوبهم ويُرضي عقولهم, فلا يبقى بينهم من يُحس بالضيَّم ولا من يُعتدى على ممتلكاته, وليس ذلك إلّا في شريعته رب العباد التي ارتضاها للنّاس كافة ليكونوا بها في الدنيا سواء, وفي الآخرة من الفائزين, وإمكانية وحيدة تُفضي الى ذلك وهي السعي لايجا دولة راشدة في قوانينها, راشدة في حكّامها تعطي كل ذي حق حقه, عسى أن يهتدي إليها أهل مريدو الصلاح لهاته البلاد وكل بلاد المسلمين على منهاج نبينا الصادق الأمين إن شاء الله.

علي الطبربي

CATEGORIES
TAGS
Share This