مع الحديث الشريف: إعطاء الدولة من أموالها للرعية

مع الحديث الشريف: إعطاء الدولة من أموالها للرعية

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

روى الترمذي في سننه:

1301 – قَالَ قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَأْرِبِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامة بْنِ شَرَاحِيلَ عَنْ سُمَيِّ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سُمَيْرٍ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ

أَنَّهُ وَفَدَ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ قَالَ فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ

1301 – قَوْلُهُ: (قُلْت لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ قَيْسٍ) قَرَأَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى شَيْخِهِ قُتَيْبَةَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا أحد وُجُوهِ التَّحَمُّلِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تَدْرِيبِ الرَّاوِي: وَإِذَا قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ قَائِلًا أَخْبَرَك فُلَانٌ أو نَحْوُهُ كَمَا قُلْت أَخْبَرَنَا فُلَانٌ وَالشَّيْخُ مُصْغٍ إِلَيْهِ فَاهِمٌ لَهُ غَيْرُ مُنْكِرٍ وَلَا مُقِرِّ لَفْظٍ صَحَّ السَّمَاعُ، وَجَازَتْ الرِّوَايَةُ بِهِ اِكْتِفَاءً بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ

)الْمَأْرِبِيُّ(

مَنْسُوبٌ إلى مَأْرِبَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا مَوْضِعٌ بِالْيَمِينِ

(وَفَدَ): أي قَدِمَ. (اِسْتَقْطَعَهُ): أي سَأَلَهُ أَنْ يُقْطِعَ إِيَّاهُ
(الْمِلْحَ): أي مَعْدِنَ الْمِلْحِ.
(فَقَطَعَ لَه): لِظَنِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْرِجَ مِنْهُ الْمِلْحَ بِعَمَلٍ وَكَدٍّ
(فَلَمَّا أَنْ وَلَّى): أي أَدْبَرَ

(قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ): هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَقِيلَ إِنَّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ
(الْمَاءَ الْعِدَّ): بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، أي الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ وَالْعِدُّ الْمُهَيَّأُ
قَوْلُهُ: (فَأَقَرَّ بِهِ وَقَالَ نَعَمْ)

هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قُلْت لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إِلَخْ أي قَالَ التِّرْمِذِيُّ لِشَيْخِهِ قُتَيْبَةَ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إِلَخْ فَأَقَرَّ بِهِ قُتَيْبَةُ، وَقَالَ: نَعَمْ.

في هذا الحديث دليل على إباحة إعطاء الدولة من أموالها للرعية, فأبيض بن حمال قد طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقطعه أرضاً من أملاك الدولة فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الأرض ….ولولا أن الأرض كانت تحوي الملح بكميات كبيرة غير منقطعة لما تراجع الرسول صلى الله عليه وسلم عن عطائه ….فالمعدن غير المنقطع لا يصح أن يملك ملكية فردية بل تكون ملكيته ملكية عامة …..لذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم امتنع عن إقطاع أرض الملح لأنها ملكية عأمة.

أما حين كانت الأرض للدولة فقد أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة أبا بكر وعمر كما أقطع الزبيرَ أرضاً واسعة.

إن إعطاء الدولة من أموالها للرعية سواء أكان المال نقداً أو أرضاً أو سلعاً أو أي شكل آخر من أشكال المال هو مباح بدلالة هذا الحديث, وهذا العطاء هو سبب من أسباب التملك الشرعية للمال.

فللخليفة أو من ينوب عنه من معاونين أو ولاة أو عمالٍ، أن يعطوا من أموال الدولة لأفراد الرعية لسد حاجاتهم أو للانتفاع بملكيتهم.

ومن الأمثلة على سد الحاجات: أن تعطي الدولة للأفراد أموالا لسد ديونهم … أو تعطي المزارعين أموالا لزراعة أراضيهم.

أما الأمثلة على الانتفاع بملكيتهم: فأن تُمَلِّكَ الدولةُ أفراداً من الأمة من أملاكها وأموالها المعطلة المنفعة, كأن تقطعَهم بعضَ الأرض ليعملوا فيها فيكسبون المال الحلال ويفيدون المجتمع بإنتاجهم, فهذا الذي تقطعه الدولة للفرد يصبح ملكا له بهذا الإقطاع.

أما نتائج إعطاء الدولة من أموالها للرعية فإنه تنشيط الحركة الاقتصادية وتوفير المواد الزراعية والصناعية اللازمة للمجتمع …..فالأرض المُقْطَعَة تكون معطلة لا فائدة منها لكن حين تُعْطَى لأحدهم فإنه سيعمل فيها ويحولها إلى أرض منتجة صالحة فيخدم نفسه بأن يجد مصدراً للكسب ويخدمَ المجتمع بإنتاج بعض ما يحتاجه من السلع أو الطعام ….وهي من طرق القضاء على البطالة, واستثمار الأرض, واستصلاحها وفوق ذلك فإنها تقوي العلاقة بين الدولة والرعية اذ يُظهِر متابعة الدولة لرعاياها وحرصها على مصالحهم وتوفيرها لاحتياجاتهم مما يعود بالفائدة والمصلحة على المجتمع عامته.

ويلحق بما تعطيه الدولة للأفراد ما توزعه على المحاربين من غنائم وما يأذن به الإمام بالاستيلاء عليه من الأسلاب فكلها أموال مباحة وملكها شرعي. وهي وإن كان ليس لها واقع الآن إلا أن المستقبل القريب سيعيد واقعها إلى حياة الأمة ….فحين قيام دولة الخلافة قريبا باذن الله من جديد ستعيد سيرة الخلافة الماضية تحمل مشعل الجهاد وتفتح البلاد وتوزغ الغنائم على المجاهدين في سبيل الله.

اللهم اجعل هذا اليوم قريباً ……اللهم آمين

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

CATEGORIES
TAGS
Share This