مفاوضات تونس والإتّحاد الأوروبي تهدد الأمن الغذائي التونسي

مفاوضات تونس والإتّحاد الأوروبي تهدد الأمن الغذائي التونسي

خاضت تونس محادثات جديدة مع الإتّحاد الأوروبي بداية من 28 إلى 31 ماي الجاري حول اتّفاق التبادل الحرّ الشامل والمعمّق ” الالكيا ” لتوسيع الاتفاق ليشمل كل القطاعات بما فيها الفلاحة، في وقت خلص فيه استبيان اجري في تونس إلى أن 90 بالمائة من الفلاحين لم يعلموا بهذا الاتفاق ورصدت فيه دراسات إقليمية ودولية سابقة الصعوبات التي تعاني منها الفلاحة التونسية، حيث تواصل تطوّر الواردات الغذائيّة لتناهز 5786 مليون دينار سنة 2017 وبلوغ نسبة العجز الغذائيّ 30%، ليزيد هذا الاتفاق من العجز الغذائي و ليفتح باب الاستعمار من جديد و يهدد بشكل جديّ الأمن الغذائي في تونس خصوصا بعد تعهد رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال زيارته الأخيرة لبروكسيل في 24 أفريل 2018 بإمضاء الاتفاق سنة 2019. وضعيّة تنبئ بمرور تونس بعد نصف قرن من الجلاء الزراعي إلى مرحلة الفقر الغذائيّ.

لقد أكّدت الإحصائيّات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء أنّ أزمة القطاع الفلاحيّ ليست أزمة عابرة مرتبطة بظرف مناخي وإنما أزمة خيارات. حيث تطوّرت الواردات الغذائية بين سنوات 2013 و2017 بنسبة 23.9% لتبلغ 5786 مليون دينار، ليبلغ العجز المالي في الميزان التجاري الغذائي 1354.6 مليون دينار مقابل 1075.7 مليون دينار خلال سنة 2016، بما يمثل 8.7% من إجمالي عجز الميزان التجاري. وقد شمل تطوّر الواردات بالخصوص المنتجات الفلاحيّة الأساسيّة على غرار القمح الصلب بنسبة 15% والقمح اللين بنسبة 27% ومشتقات الحليب بنسبة 70%، تزامنا مع تراجع إنتاج مشتقات الحليب بنسبة 15% سنة 2017 مقارنة بسنة 2014، هذا بالإضافة إلى تطوّر استيراد السكّر بنسبة 21% مقارنة بسنة 2016، وتضاعف قيمة شراءات مادتي البطاطا واللحوم الحمراء السنة الماضية بهدف تعديل الأسعار في السوق المحليّة.

إحصائيّات تعكس بوضوح وضعيّة الإنتاج الفلاحيّ بالأخصّ على مستوى المواد الأساسيّة وأهمّها الحبوب، ما يعني أن ارتدادات الأزمة الفلاحيّة في البلاد لم تنحصر على تراجع الإنتاج أو ارتفاع الواردات الغذائيّة أو انحسار المساحات الزراعيّة، بل امتدّت لتشمل تقلّص نصيب الفلاحة من الناتج المحلي الخام خلال السنوات الخمسين الماضية من 24.6% سنة 1968 إلى 8.8% سنة 2017 بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وذلك بسبب تغيّر رهانات الدولة على مختلف القطاعات الاقتصاديّة، خصوصا منذ برنامج الإصلاح الهيكليّ الذي فرضه صندوق النقد الدوليّ على البلاد سنة 1986، عندما وقع توجيه الاقتصاد أكثر فأكثر نحو الخدمات والصناعات التصديريّة. منعرج تاريخيّ خطير ارتبط بتراجع متسارع لنصيب الفلاحة من الناتج المحلّي الخام من 18.6% سنة 1988 إلى 9.32% سنة 1998، أي خلال أقلّ من عشر سنوات.

توجّهات مدمرة انعكست سلبا على 495200 عاملا في القطاع الفلاحي بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء, حيث تضخّمت ديون الفلاّحين لتناهز 1200 مليون دينار سنة 2017 بحسب تصريح إذاعي لعبد المجيد الزار، رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري. وكما دمرت اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لسنة 1995 النسيج الصناعي، و حولت 500 ألف صناعي إلى صفوف المعطلين عن العمل، فإن مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي الذي يُعدّ تطبيقا للتوصيات الصادرة في اتفاق الشراكة لسنة 1995 سيدمر الإنتاج الزراعي التونسي ويهدد قطاع يشغّل أكثر من 16.8% من اليد العاملة ويساهم في ضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لسكّان المناطق الريفية الذين يمثلون 35 % من مجموع السكان.

وتروج الحكومة لهذه الاتفاقية بقولها أنها ستتيح تعزيز الصادرات الفلاحيّة لتمويل توريد المواد الأساسية وتعديل الميزان التجاري، وهي بذلك تتجاهل أن ما يمكن تصديره نحو الاتحاد الأوروبي يتمثل أساسا في بعض الخضر والغلال، وهي منتوجات مستنزفة للموارد المائية المحدودة أصلا، كما أن تحرير المبادلات وفتح الأسواق أمام المنتوجات الفلاحية الأوروبية في ظل منافسة غير متكافئة ستكون نتائجه مدمرة، حيث أن متوسط إنتاجية الفلاحة الأوروبية أعلى بسبع مرات من متوسط إنتاجية الفلاحة التونسية وذلك لما تحظى به الفلاحة الأوروبية بدعم هائل يقدر ب362,8  مليار أورو للفترة الممتدّة بين 2014- 2020، وهو ما يجعل المنتوج الفلاحي التونسي موضوعيا غير قادر على المنافسة.

وقد أكد الخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي أنّ “الحصيلة النهائيّة لمثل هذه الخيارات التي تستجيب لبرامج مسقطة ولا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحليّة للقطاع الفلاحي، ستؤدّي إلى تدمير هذه النشاطات وتعميق التبعية الغذائية وربط غذاء التونسيين بتقلبات الأسواق الأوروبية”.

وتبقى مسؤولية التصدي لهذه المخططات على عاتق الشعب التونسي والقوى الحية فيه. فالشعب التونسي بقواه الحية وحده القادر على إفشال مساعي الحكام الذين استمرؤوا العمالة و النذالة فسلموا البلاد ومقدراتها للقوى الاستعمارية، وذلك إذا ما تحركت سريعا وخلعت هؤلاء الحكام واعتصمت بحبل الله تعالى، فالدول الكبرى تنجز مشاريعها على أكتاف العملاء والأغبياء من أبنائنا, ونحن نستصرخهم أن الوقت أصبح مناسبا لقلع النفوذ الأجنبي وأدواته المحلية.

د. الأسعد العجيلي عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This