مفهوم التوظيف السياسي
التوظيف السياسي هو استخدام جهة ما قضية ما لتحقيق مصلحة سياسية ما، أو هو استفادة جهة معيّنة من حدث معيّن بغية الوصول إلى هدف سياسي معيّن. ومثال ذلك، استخدام بعض الأفراد والجماعات والتيارات لقضية الحجاب أو لقضية ما يسمى بالإرهاب، فهو مما يمكن إدراجه ضمن التوظيف السياسي.
والغالب على الناس إطلاق مصطلح التوظيف السياسي للدلالة على معنى سياسي سلبي، ويعنون بذلك:
– كون الجهة التي استغلت القضية لا تتبناها حقيقة ولا تقول بها فعلا، إنما تبنتها لمصلحة خاصة,
– أو كون القضية أخرجت من سياقها الحقيقي وأدخلت في سياق آخر لا علاقة له بها،
– أو كون القضية غير سياسية وأدرجت ضمن السياسة أي خرجت عن طبيعتها وحقيقتها،
ومن الأمثلة على هذا ما يقوله بعض الناس عن الدين، يقولون: لننأى بالدين عن التوظيف السياسي، وهم يعنون أن الدين لا علاقة له بالسياسة، وأن طبيعته غير سياسية فلا يحقّ إدراجه ضمن السياسة.
ومن الأمثلة أيضا ما يقوله بعض الناس عن منع الحجاب في تونس، يقولون: الحجاب وظّف سياسيا من طرف جهة ما، وهم يعنون أن تلك الجهة لا يعنيها الحجاب بقدر ما يعنيها المصلحة السياسية التي ستحقّقها من خلال استغلال الحدث والتركيز عليه، أو هم يعنون أن منع الحجاب يتعلّق بشكل من أشكاله ويندرج ضمن سياق المحافظة على الهويّة إلا أنّ جهة ما أخرجته من سياقه هذا وأدخلته في سياق آخر هو محاربة الدين ككلّ.
وللتوظيف السياسي شروط لا بدّ من توفرها في الجهة التي استخدمت القضية حتى يعتبر استخدامها من بابه حقيقة. وهذه الشروط هي:
– أن تكون تلك الجهة جهة سياسية أو مرتبطة بجهة سياسية بشكل ما. أما إذا كانت تلك الجهة غير سياسية أو غير مسيسة فلا يعتبر تناولها للقضية المعينة من باب التوظيف السياسي؛ لأنّها لا تسعى إلى هدف سياسي تبغي تحقيقه من وراء تبنيها للقضية المعينة.
– أن تكون تلك الجهة السياسية غير معنية بالقضية أساسا، كأن تكون غير متبنية لها أو لا تدخل ضمن مجال عملها أو تتبناها ونقيضها أو مستعدّة للمساومة عليها بالتخلي عن رأيها فيها أو تتبنى بعضها وتترك بعضها الآخر مما لا ينفصل عن القضية أو غير ذلك مما يشعر بعدم عنايتها بالقضية لذاتها.
– أن تكون تلك الجهة مما عرف عنها ازدواجية الخطاب والكيل بمعيارين، ومما علم عنها أنها “مصلحية” نفعية غير مبدئية، تقول بالرأي ونقيضه، ولا تثبت على فكرة أو منهج أو غاية.
هذه بعض الشروط التي يجب أن تلمس في الجهة حتى يقال عنها إنها توظف الأحداث والوقائع سياسيا أي تستغل قضية ما لتحقّق مصالحها السياسية الخاصة بها.
ومما يجب التنبيه إليه أن مصطلح التوظيف السياسي من المصطلحات التي وظّفت سياسيا، إذ عادة ما يشهر في وجه الجماعات العاملة لتغيير الأوضاع الفاسدة لسحب البساط من تحت أرجلهم وتشويه سمعتهم أو صورتهم أمام الرأي العام. كما أن التوظيف السياسي من المصطلحات التي لا تخضع غالبا لاعتبارات موضوعية إنما يغلب عليها الرأي الخاص وزاوية النظر المعينة, ومثال ذلك:فإن من العلمانيين من يصفون جهة ما بتوظيف قضية الحجاب أو النقاب مثلا سياسيا، وهذا أيضا مما لا ينطبق عليه وصف التوظيف المذموم إذا كانت هذه الجهة معروفة بتبني قضايا المسلمين والدفاع عن الأحكام الشرعية، أما إذا كانت تلك الجهة غير معنية بتبني قضايا الأمة الشرعية، أو كانت غير معنية بإتباع الحكم الشرعي في كل كبيرة وصغيرة من أعمالها وأقوالها، أو كانت من الذين يقولون ببعض القضية وينكرون بعضها الآخر كمن ينكر النقاب ويعتبره علامة تخلف ويشوّه صورة الإسلام، فهذا مما ينطبق عليه وصف التوظيف السياسي المذموم.
ومثال ذلك أيضا: فإن العلمانيين يصفون الحركات الإسلامية بتوظيف الدين أو الإسلام سياسيا، وهو ما لا ينطبق على الدين ذاته؛ لأن الإسلام دين ودولة وسياسة. فهذا مما يعتبره العلمانيون توظيفا، ولكنه في حقيقته ليس بتوظيف. نعم، يوجد ما يسمى بالتوظيف السياسي للدين؛ كأن تكون الحركة علمانية (تتبنى العلمانية الشاملة أو الجزئية) ومع ذلك تستعمل بعض مظاهر الدين لاستقطاب المتدينين فيطلق أعضاؤها اللحى وتحرص على افتتاح نشاطاتها بقراءة القرآن وعلى الظهور في الأعياد الدينية وغير ذلك. ومن أبشع صور التوظيف للدين وأخطرها توظيف فرقة خارجية باغية تكفّر الناس جميعهم وتحارب المسلمين باسم الدين وهي التي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ, قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: التَّحْلِيقُ” (رواه أحمد). وعن علي رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (متفق عليه).
ياسين بن علي
CATEGORIES متفرقات