صادق البرلمان التونسي، الثلاثاء 17 يوليو/تموز 2018، بالأغلبية المطلقة للأصوات، على قانون يتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح، وبمكافحة الثراء غير المشروع وتضارب المصالح بالقطاع العام. ويُلزم القانون آلاف المسؤولين والموظفين الحكوميين بالكشف عن ثرواتهم ومكاسبهم، بهدف الحد من الفساد والثراء غير المشروع. وشهد التصويت على القانون، خلال الجلسة العامة المنعقدة، الثلاثاء، بالبرلمان التونسي، موافقة 126 نائباً، وتحفّظ نائب وحيد ودون اعتراض (127 شاركوا في عملية التصويت من أصل 217). ويهدف القانون، بحسب بنده الأول، إلى «دعم الشفافية وترسيخ مبادئ النزاهة والحياد والمساءلة، ومكافحة الثراء غير المشروع وحماية المال العام». وينص القانون، الذي يتضمن 52 بنداً، على عقوبات ضد مرتكبي جرائم الامتناع عن التصريح بالمكاسب أو الثراء غير المشروع، تصل إلى خمس سنوات سجناً، وغرامات مالية. وبحسب المتحدث باسم الحكومة التونسي إياد الدهماني، فإنه «بمجرد إقرار القانون سيخضع المسؤولون في الحكومة والرئاسة إلى جانب النواب وآلاف الموظفين الحكوميين بصفة آلية للمراقبة المالية
أصبح الناس ومن أجل قضاء مصالحهم في هذا الواقع المتردي يكتوون بنار الفساد الوظيفي بل أصبح “تشحيم” المسؤول و “القهوة” من المتعارف اليومي داخل دوائر رعاية مصالح الناس كما أن ثراء الحكام العرب بلغ أرقاما فلكية (فالرئيس التونسي الهارب بلغت ثروته 5 مليارات يورو، غير ما تم اكتشافه مخزنًا في خزائن قصوره السرية، وغير المبالغ التي سيتم اكتشافها لاحقًا، والرئيس المصري المخلوع بلغت ثروته حوالي السبعين مليار دولار، والرئيس الليبي تبلغ ثروته 82 مليار دولار وهي تساوي قرابة أربعة أضعاف ميزانية ليبيا لعام 2011م، والتي بلغت نحو22.4 مليار دولار.
لسنا ضد مكافحة الانحراف الوظيفي والتربح السهل والثراء غير المشروع مهما كانت طرقه أو مجالاته أو مقاديره.. لكن السؤال الحقيقي هو هل إن هذه القوانين التي تخرج من قبة مجلس التشريع الوضعي “مجلس النواب” قادرة بالفعل على مقاومة الفساد الرأسمالي وهي تحمل جينات فساد هذا النظام منذ اليوم الأول لتأسيسه.
لا مجال للشك من أن سن هذا القانون بعد مرور أكثر من 60 سنة على “دولة ديمقراطية جدا ومستقلة أيضا ” يكشف عن مدى الخراب الذي مر على مصالح الناس والدوائر السياسية الحكومية, وكمية الأموال التي نهبت, ونظرة خاطفة إلى الرصيد البنكي لأحد أطفال الحكام العرب يكشف كم تأخر هذا القانون وكم ذاق الناس من ويلات قصور النظرة التشريعية البشرية وكأن الناس لا بد لها من أن تدفع من حياتها ومن وقتها ومن ألامها حتى يمن عليها بعض السياسيين بقانون ليس له ضمانات لا للتنفيذ ولا للمتابعة.
في المقابل فان منع الثراء غير المشروع تأسس في النصوص الأولى من حياة المسلمين منذ بعثة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم وحديث ابن اللتبية العامل على أموال الزكاة مبثوثة تفاصيله في المدونة الحديثية والفقهية, وهو أشهر من نار على علم. مما يزيدنا يقينا بأن الأمة عندها من السبق التشريعي والتنظيمي والقانوني ما يكفيها عن تلقط فتات التشريع الغربي.
من جهة أخرى, لن يخرج هذا القانون عن دائرة الفلسفة الرأسمالية الاستعمارية.. ولو حبر أوراقه مسلمون تقطر لحاهم من ماء الوضوء.. لأن من شروط دخول اللعبة الديمقراطية الإيمان المعلن والصريح بضرورة إقصاء الشريعة عن التنظيم السياسي الدستوري لحياة الناس (و تصريحات السياسيين موجودة وموثقة فمنهم من قال الشريعة على جثتي ومنهم من قال الشريعة تفرق).. فتلك فروض الولاء والطاعة.
ومن زاوية أخرى فان هذا القانون يأكل بعضه بعضا, فقانونهم الاقتصادي يمسك المستثري باليمنى ويطلقه باليسرى. والسؤال هنا ما الذي يجعل الناس تثق في أن السياسيين ودوائر الحكم وبعد القبض على أصحاب الثراء غير المشروع بالجرم المشهود, لن يقوموا بمصالحة ثانية وثالثة ورابعة.. فالرأي العام أصبح واثقا أكثر من أي وقت مضى أن الذي يصالح مرة على باطل ويأذن للمجرمين الاقتصاديين أن يستعيدوا أنفاسهم في عالم المال والسياسة على معنى “اذهبوا فأنتم الطلقاء” لن يتوانى في إعادة الكرة من جديد… والمؤكد أن الناس لا تنسى من خانها مرة وهذا ما يزيد الهوة بين الحاكم والمحكوم.
كما لا ننسى أن نذكر بأننا أمة إسلامية مقياسها للثراء الحلال والحرام, وهذا أمر معلوم لدى الجميع. الا أن واضعي هذا القانون أغفلوا هذا الأمر حين طرح نظرتهم لمكافحة الفساد الاقتصادي لدى مسؤولي الدولة وكبار موظفيها.. فهذا القانون لم يحدد مادة الاستثراء إن كانت مما يقره الإسلام في أحكامه أو لا. ومنه فان المسؤول إن استثرى بالحرام (بيع لحم الخنزير أو بيع الخمر التعامل بالربا تأسيس شركة بعقد باطل…) وقد قالها أحد السياسيين (صرحت السياسية محرزيه العبيدي من حركة النهضة بتاريخ14 نوفمبر 2016 أنها لو كانت وزيرة للفلاحة لأعطت قطاع الخمور الاهتمام اللازم) فان الاستثراء بالحرام لا يعد فسادا بحسب ما قدموه و هنا نتأكد من أن القاعدة السياسية الفكرية التي ينطلق منها القانون تتناقض أساسا مع عقيدة المسلمين وهويتهم مما يؤذن باستمرار الفساد والمفسدين والاستثراء غير المشروع في بلادنا التي هي جزء من الإسلام العظيم فقها وتشريعا وحضارة..
إذا فإنّ داء الثراء غير المشروع الذي أوجد له أرباب العمل السياسي معالجة قانونية مبتورة ليس هو أصل الداء, وإنما الداء الحقيقي مشكل هيكلي عميق يتعلق بأساس النظام العلماني وكيف ينظر إلى الثروة تملكا وتنمية وتوزيعا.. ومن هنا فان البحث عن حلول لمقاومة الثراء غير المشروع من خارج العقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من أنظمة هو في الواقع إعادة لنفس الخطأ المنهجي أو ترحيل للمشكل من أجل إنعاش الدورة الدموية لنظام رأسمالي استعماري على عتبات الموت.
وفي هذا الإطار نشير إلى أحد أعمدة النظام الاقتصادي في الإسلام ليكون رحى تدور عليه مقترحات السياسيين في بلادنا فيما يتعلق بتنمية الثروة وهو المادة 132 من دستور دولة الخلافة المقترح من حزب التحرير الذي يقضي بأن ” التصرف بالملكية مُقَيَّدٌ بإذن الشارع، سواء أكان تصرفاً بالإنفاق أو تصرفاً بتنمية الملك فَيُمْنَعُ السَّرَفُ والترف والتقتير، وتُمْنَعُ الشركات الرأسمالية والجمعيات التعاونية وسائر المعاملات المخالفة للشرع، ويمنع الربا والغبن الفاحش والاحتكار والقمار وما شابه ذلك”.