“التطبيع خيانة عظمى وأن العرب في حالة حرب مع كيان غاصب ومحتل، ومن يتعامل مع كيان شرد شعبا لمدة أكثر من قرن خائن ويجب أن يحاكم بتهمة الخيانة العظم…” هكذا أجاب “قيس سعيد” على سؤال وجهه له الصحفي المشرف على المناظرة التي جرت بينه وبين منافسه في الانتخابات الرئاسية “نبيل القروي” وبهذه الاجابة كسب “قيس السعيد” السباق نحو قصر قرطاج بعد أن استحوذ على عقول وقلوب الناخبين ونال ما يفوق 70 بالمائة من الأصوات. أصبح قيس سعيد رئيسا ومن سوء حظ المخدوعين بموقفه “البطولي” ذاك حصلت الخيانة العظمى التي طالب “سعيد” بمحاكمة مقترفها، إذ ابرم حكام الامارات المتحدة اتفاقا مع “كيان يهود” وبموجبه طبعوا معه العلاقات, وضربوا بفلسطين وقضيتها عرض الحائط وخانوا أهلها وسائر الأمة. علما أن قيس سعيد عبّر قبل توليه الرئاسة عن رفضه القاطع لمفهوم كلمة تطبيع اذ قال: “مفهوم التطبيع ظهر بعد توقيع كامب ديفد ولابد من الاستعاضة عن هذا المفهوم بمفهوم آخر وهو الخيانة العظمى وليس جريمة التطبيع”.
إذن, حصل التطبيع الذي يصرّ “سعيد” على تسميته بالخيانة العظمى وانتظر الجميع أن يصدر الرئيس بيانا ناريا ويتكلم بنفس الحماسة التي تكلم بها أثناء المناظرة الشهيرة مع “نبيل القروي” لكنه ترك مؤيديه في “التسلل” ولاذ بصمت كان قد تحصن به إثر الاعلان عن ما يسمى بصفقة القرن والتي تعد أم الخيانات وأعظمها. صمت الرئيس بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس حين أصر وألح على اعتبار كل مطبع مع العدو خائنا تجب معاقبته على خيانته. وبما أن الصمت حمّال أوجه كان لزاما على الرئيس أن يتكلم ويعبر عن موقفه مما اقترفته يدا “محمد بن زايد”, وبما أنه ربح معركة كسب ودّ الناخبين وفاز بالانتخابات لم يعد لديه عذر ليسبح عكس التيار الذي يتحكم المسؤول الكبير في مساره, وفي الوقت ذاته عليه أن يترك نافذة يمرر من خلالها بعض الأوهام يتلهى بها من على بصائرهم غشاوة, لهذا عند لقائه بسفير فلسطين بتونس جمع “قيس السعيد” بين ما يريد مناصروه سماعه وبين ما يجلب رضا تلك القوى التي يستند عليها “كيان يهود” في وجوده وفي مواصلة ارتكاب جرائمه. فقوله “الحق الفلسطيني ليس صفقة ولا بضاعة أو مجرد سهم في سوق تتقاذفها الأهواء والمصالح… والحق الفلسطيني لن يضيع ما دام هنالك أحرار…” يندرج في خانة التمويه والتلبيس, وليجعل من عدم معارضته لتصرف حكام الامارات طعنا في ظهر فلسطين والامة ويحافظ على ارتفاع أسهمه في سوق الدجل والمخاتلة فذلك الكلام العام الانشائي يسمح به كل مسؤول كبير فهو لا يمس من جوهر الموضوع الذي هو القبول بالتطبيع مع “كيان يهود”, كل حسب الدور الموكول له. ف”قيس سعيد لم يرفض ارتماء “محمد بن زايد” في أحضان العدو كما لم يعبر صراحة عن ترحيبه بهذا الفعل المشين حين جعل منه شأنا داخليا يهم الامارات وحدها دون سواها, وطبعا الدول “المحترمة والراقية” وحسب ما تمليه الأعراف والقوانين الدولية لا تتدخل في شؤون غيرها. “اننا لا نتدخل في اختيارات الدول ولا نتعرض لها ونحن نحترم ارادة الدول فهي حرة في اختياراتها وأمام شعوبها” وهذا ما برع فيه “قيس سعيد” فهو ملتزم بالمرجعية الدولية إلى حد التقديس ولا يخالفها بأي شكل من الأشكال كما هو حاله مع الدستور الذي يذكرنا “سعيد” صباحا مساء وفي كل أيام الأسبوع بما فيها يوم الأحد بأنه أحرص الناس على تطبيقيه وعلى الالتزام التام بكل ما ورد بين دفتيه من فصول وكأن من سبقه خالف الدستور سبب بليتنا ومصدر كل أوجاعنا.
“سعيد” يرى في اجرام ” آل نهيان” ارادة يجب احترامها واختيار لا يحق لأحد الاعتراض عليه. مباركة جرائم “كيان يهود” وتبييضها واعطاؤها المشروعية في نظر “قيس سعيد” لا يتعدى كونه اختيارا يجب على الجميع الانحناء له اجلالا وتقديرا ولا يجوز التعرض له بالنقد والتجريح, وفي المقابل يعطي لأهلنا في فلسطين أحقيتهم في الدفاع عن أرضهم لكن من بوابة المرجعية وهنا يكون “قيس سعيد” قد أكل العنب ولم يقتل الناطور, أي هو لم يشق عصا الطاعة ولم يخرج عن طوع أمريكا وأشياعها وفي الآن نفسه ساير الأمة في رفضها المطلق لاستيلاء “كيان يهود” على الأرض المباركة فلسطين. وهذا هو دأب كل حكام المسلمين من قبل والآن, ف “جمال عبد الناصر” جعل من إلقاء “كيان يهود” في البحر هدفه الوحيد والأوحد ومن أجل تحقيق هذا الهدف الكاذب خاضت مصر والأردن وسوريا حربا خادعة ضد كيان يهود انتهت بما بات يعرف بالنكسة فحرب 67 شكلت انتكاسة تاريخية للأمة بشكل عام وأهل فلسطين بشكل خاص إذ احتل “كيان يهود” سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان وتمكن من تدمير 80 بالمائة من العتاد العسكري العربي ومن تهجير الألاف من أهل فلسطين ومن اطلاق العنان للاستيطان وما زالت تداعيتها الكارثية قائمة إلى اليوم. وبعدها انخرط جميع حكام المسلمين في سباق محموم لبيع الأوهام وتضليل وجدان الأمة, فلقد خصصوا للقضية الفلسطينية أغلب قممهم وزياراتهم واقراراتهم, رافعين شعارات لو طبقوا عشرها لانمحى “كيان يهود” من الوجود. شعارات من قبيل “لا صلح لا استسلام لا تفاوض” كان هذا في قمة الخرطوم ليتحول في قمة بيروت إلى “الأرض مقابل السلام” أو شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” لتخاض في النهاية المعركة على طاولة التنازلات المخزية على شاكلة معركة “كامب ديفد” و”وادي عربة” ومعركة “اوسلو” وأخيرا وليس أخر ما بات يعرف بصفقة القرن التي قال على اثرها الملك “سلمان مخاطبا أهل فلسطين زورا وكذبا “قضيتكم هي قضيتنا وقضية كل العرب والمسلمين ونحن معكم منذ عهد الملك عبد العزيز إلى اليوم” وكان حري ب”سلمان” أن يقول قضيتنا هي تمكين كيان يهود من مسرى رسول الله ونحن ضدكم منذ أن عمل الملك “عبدالعزيز” كمعول هدم بيد الأعداء وأعانهم على هدم الخلافة الاسلامية إلى اليوم.