من قائمة سوداء إلى أخرى: الاتحاد الأوروبي يستخدم سياسة الإذلال والابتزاز مع تونس
قام الاتحاد الأوروبي يوم 07/02/2018 بإدراج تونس ضمن قائمة السوداء للدول المهددة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وذلك بعد شهرين من تصنيفها ضمن قائمة سوداء أخرى للجناة الضريبية. ويأتي هذا التصنيف بعد أسبوع من زيارة رئيس فرنسا إلى تونس والتي أعلن فيها أن فرنسا ستقف مع تونس كما يقف المرء مع أخيه, ودعا فيها إلى إتمام اتفاق الشراكة الموسع مع الاتحاد الأوروبي.
إن العلاقة بين تونس المعتزة بهويتها وحضارتها الإسلامية والبلدان الأوروبية بخلفيتهم الصليبية والرأسمالية لم تكن أبدا علاقة أخوة ولا علاقة شراكة كما يدعي “ماكرون” ذلك زورا وخبثا, بل إن الدول الأوروبية لا تتعامل مع تونس إلا كما يتعامل المستعمر مع ضحيته تكبرا وابتزازا واحتقارا, وهاهم حكام تونس الذين ألفوا التبعية وخدمة المستعمر ولم يرفضوا لهم طلبا يتلقون منهم الصفعة تلو الأخرى رغم كل ما قدموه.
فحكام تونس جعلوا اقتصاد البلاد مناولة للشركات الأوروبية, ومكنوها من استغلال اليد العاملة الرخيصة في منتجاتهم الصناعية دون أي فائدة ترجى في نقل التكنولوجيا أو في العملة الصعبة, وهم الذين تباهوا بكونهم أول بلد يقيم اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995, فمكنوا البضائع الأوروبية من غزو أسواقنا دون رسوم قمرقية حتى أغلقت الآلاف من المصانع وأحيل مئات الآلاف من العمال على البطالة, وهم الذين فتحوا أبواب الاستثمار للأجانب عبر قوانين تفاضلية لا يتمتع بها أبناء البلد, فمكنوهم من الامتيازات المالية ومنح الاستثمار – مليار دولار سنويا – دون دفع أية ضرائب أو مستحقات للصناديق الاجتماعية… وها هو الاتحاد الأوروبي في مقابل ذلك لا يبالي بإدراج تونس من قائمة سوداء إلى أخرى وآخرها قائمة البلدان المهددة بغسيل الأموال المشبوهة و تمويل الإرهاب.
إن ما يحدث من الاتحاد الأوروبي من إساءة لتونس وتشهير بأهلها هو نتيجة السياسة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة قبل الثورة وبعدها في منح التسهيلات والامتيازات لجذب المستثمرين الأجانب واغلبهم من الأوروبيين, وهي السياسة التي جلبت إلى تونس آلاف الشركات الوهمية من اجل التهرب الضريبي والاستفادة من المنح والامتيازات في أنشطة مشبوهة, وها هو الاتحاد الأوروبي يُعيّر حكام تونس بنتائج سياسة الاستثمار التي فرضها عليهم.
إن تبيض الأموال المتأتية من الدعارة ومن تجارة المخدرات وصناعة الإرهاب وتمويله واستغلاله لأهداف السياسية هو صناعة أوروبية وأمريكية تؤكدها الشواهد التاريخية وتنسجم مع قيمهم النفعية المادية التي تفصل الدين والقيم والمعنوية والإنسانية عن الحياة, وان البلدان الضالعة في هذه الممارسات يعرفها الأوروبيون ويتسترون عليها لأنها منهم وعائداتها إليهم. وان اتهام تونس بشبهة تبيض الأموال وتمويل الإرهاب هو بغرض الابتزاز وفرض شروط وقوانين, كما حصل مع قائمة للجناة الضريبية, وما يراد في هذه المرة أيضا هو دفع حكام تونس نحو القبول والإذعان للمزيد لشروط جديدة, و ربما يكون رفع الإسرار البنكية في التعاملات المالية هو احد أهدافها كما حصل من أمريكا مع سويسرا في وقت سابق.
أن تبعية حكام تونس السياسية والاقتصادية للغرب الرأسمالي لم يجلب إلى تونس سوى المزيد من الإذلال والارتهان لقراراتهم, وإذا لم يتحرك المخلصون من أهل البلاد من اجل تغيير هذه السياسة فان الأجيال الحاضرة واللاحقة هي التي ستدفع الثمن غاليا بمزيد من الفقر والبطالة والتهميش والتدني في الخدمات الاجتماعية. فمعركة التحرر من التبعية السياسية والاقتصادية والحضارية هي أم المعارك, ولا بد فيها من إدراك حقيقة السياسات الاستعمارية الجديدة مثل اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وإصلاحات صندوق النقد الدولي, والعمل مع قوى الأمة الحية من اجل بناء دولة الخلافة الإسلامية, فهي الكيان السياسي الوحيد الذي يحفظ للأمة أمنها وثرواتها ويعز شعبها وحضارتها.
د. محمد مقيديش
CATEGORIES كلمة العدد