من قتل الرائد؟

من قتل الرائد؟

من قتل الرائد؟ وبأي حقٍّ قُتل؟ ومن المستفيد من عملية القتل؟ أسئلة تتبادر إلى ذهن كل من تابع أحداث العملية الإرهابية التي وقعت في “باردو” الأربعاء الفارط, حين أقدم شاب مسلح بسكين على طعن عوني أمن أحدهما الرائد رياض بروطة الذي وافته المنية يوم الخميس 02/11/2017 نسأل الله أن يتغمده برحمته وأن يرزق أهله الصبر على مصابهم. وأما الإجابة عن هذه الأسئلة ففيها وجهتي نظر، أما الأولى فالقاتل معلوم ألقت السلطات الأمنية القبض عليه يوم الحادثة, وهو عنصر تكفيري، مجرم, تلقى ثقافة الموت من أئمة ومشايخ كما صرح بذلك بعض الإعلاميين الألمعيين في بلادنا، إعلاميون وطنيون يفدون الوطن بروح آخر أمني لو لزم الأمر، المهم تطهير البلاد من “المساجد التي تفرخ الإرهاب” والقضاء على آخر ملتحي الذي يعتبر قنبلة موقوتة وفيه القابلية لأن يكون إرهابيا، وحسب وجهة النظر هذه فالحل الأول هو المزيد من التضييق على كل متدين وخاصة إن كان ملتحي وثبت أنه يرتاد دور العبادة وخصوصا صلاة الصبح, أما الحل الثاني فهو تمرير قانون حماية الأمنيين، لأن الإرهابيين حين يقع تمرير مثل هذا القانون سترتعد فرائصهم ولن يجرأ أحد منهم أن يتعرض لأمني بسوء، وبهذا نعصِمُ دماء أمنيينا إلى حد الوصول إلى محطة سياسية قادمة…

وهكذا اتسعت دائرة الإرهاب عند أصحاب هذا القول، حتى أصبحت كل حركةٍ أو سكنةٍ للمسلم تهمةً، بل وكلُّ فكرةٍ تروج في خاطره دون أن يُظهرها لأحد، مشروع عملٍ إرهابي، وأصبح المسلم حسب ما يراه ساكنوا البلاتوات التحريضيّة مطالباً على الدوام بإثبات حسن سريرته وصفاء نيته، وأنه وإن كان لا يُسايِر مجتمعه في بعض أعرافهم إلا أنه راضٍ بما يصنعون، معترفٌ بحقهم في أن يمارسوا ضلالاتهم وفجورهم كما يحلو لهم تحت باب حرياتهم الشخصية. وهكذا اتسعت دائرة الإرهاب حتى أصبحت تشمل بقدرة قادرٍ، من مقاومة المحتلين ونصرة المستضعفين والضرب على يد الظالمين، إلى المطالبين بتطبيق شرع الله واستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة، إلى الرافضين للإيمان بدين الديمقراطية الجديد، دين التمرد على شرع الله وتحكيم عقول وأهواء البشر، إلى مجرد الالتزام بأداء الصلاة أو لبس اللباس الشرعي أو لبس النقاب أو إعفاء اللحية… كل ذلك أصبح إرهاباً، وأصبح فاعلوه أو مجرد المتعاطفين مع فاعليه، إرهابيين متعصبين متطرفين، يجب عليهم أن يُعلنوا توبتهم عن شائن أفعالهم على رؤوس الأشهاد، وإلا وجدوا أنفسهم في دائرة المساءلة والعقاب.

هذا هو المفهوم الجديد للإرهاب عندهم، وباختصار شديد، أصبح الإرهاب مرادفاً للتقيد بالأحكام الشرعية بغض النظر عن مجال هذه الأحكام، لا فرق بين أحكام الاقتصاد أو العبادات، ولا بين المطعومات والعقوبات، فكل من تقيَّد بالأحكام الشرعية أو تمنى عودتها، هو إرهابيٌّ بغيض.

أما وجهة النظر الثانية ترى بأنَّ الإرهاب هو عبارة عن سلسلة حلقاتها محكمة الترابط, يحركها الذي يمسك بالحلقة الأولى وتنفذ الحلقة الأخيرة من هذه السلسة أعمالها القذرة التي تذهب بأرواح الأبرياء، و حسب وجهة النظر هذه لا بد من التفريق بين الأسباب والأعراض وعدم إناطة الحكم بغير مناطه، فتنفيذ العملية هو آخر حلقة من هذه السلسلة المشؤومة، يقدم عليها مغرر به أو متطرف أو متهور أو مدفوع الثمن مرتزق، قل ما شئت… المهم أنه يتحمل وزر الدماء المعصومة وكفى به وزرا… يقول تعالى:” وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”

 ولكن ظاهرة الإرهاب أكبر من أن تحصر في هذه الحلقة، وأسبابها أبعد من أن تكون بسبب التطرف والتكفير والفقر والتهميش فحسب، فكل ما ذكر هي أعراض للسبب الحقيقي لهذه الظاهرة التي كانت تعد غريبة على شعبنا وبلادنا منذ أمد ليس بالبعيد، فما هو السبب الحقيقي للإرهاب؟ وما هي المعالجات التي يمكن أن تقطع دابر الإرهاب من أرض المسلمين؟

 الإرهاب هو حصان طروادة يستعمله الغرب لغزو بلاد المسلمين والأدلة على ذلك واضحة وجلية، من أفغانستان إلى الشيشان إلى العراق فاليمن, وصولا إلى لبنان ومصر وليبيا وتونس، فالغرب هو أصل الإرهاب، وهو الذي أنتج في الأمة الفكر التكفيري ورعاه، وهو الذي يضع حكاما عملاء يغريهم بعرض من الدنيا الزائل من أجل أن يحفظوا له مصالحه، وكلما شعر بتململ من الشعب على الأوضاع القائمة إلا وشغّل مسلسل الإرهاب وحرّك منفذيه في البلاد لوضع الناس بين مطرقة الجوع وسندان الخوف، هكذا بكل بساطة، فالسبب الرئيسي للإرهاب حسب أصحاب هذا القول، هو الإستبداد من أجل السلطة والمال، نعم الإستبداد والغلظة من قبل الحكام يولد الفقر والتطرف والخوف.

وبين وجهتي النظر صراع قديم متجدد، من لدن ابني آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ألا وهو صراع الحق مع الباطل، ومن أجل ذلك فإن المجتمعات البشرية تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار، وتضع القوانين والنظم لتحقيق ذلك، ولكن هذه القوانين والنظم مهما بلغت من قوة السلطان وشدته إلا أنها لا تستطيع أن تحقق الأمن الشامل للمجتمع، وإنما يحققه نظام الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين، فإن الله جلَّ وعلا وضع من التشريعات ما هو كفيل بتحقيق أمن الدين والنفوس والعرض والمال والعقل، قد جعل الله للأمن مقومات وأسباب لتحفظ المجتمع من الانهيار والفساد، فمن مقومات الأمن في الشريعة تحكيم كتاب الله وإقامة حدود الله، فإن في تحكيم شرع الله الكمال والعدل والإنصاف، وفي إقامة الحدود ردعاً للمجرمين والمفسدين والأخذ على أيديهم.

 

فريد سعد

CATEGORIES
TAGS
Share This