من لم يرتضي الإسلام دينا ودولة لم يرحم نفسه لا في الدنيا ولا في الآخرة
نظمت وزارة الشؤون الدينية بالتعاون مع ولاية القيروان، يومي 25 و26 نوفمبر 2017 بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، ندوة علمية دولية في دورتها الـ45 تحت عنوان “الرحمة في السّنة النبوية الشريفة: تجلياتها الإنسانية ودلالاتها الحضارية”, بحضور السيد أحمد عضوم وزير الشؤون الدينية ومفتي الجمهورية وسفير المملكة السعودية وسفير الكويت ومستشار وسفير الجزائر ووالي القيروان وكاتب عام ولاية القيروان والمعتمد الأول.
وكانت الندوة في شكل ثلاث جلسات بعناوين مختلفة
ــ الجلسة الاولى يوم السبت 25 ــ 11 ــ 2017 تحت عنوان ” الرحمة في المنظومة العقدية “
ــ الجلسة الثانية يوم الاحد 26 ــ 11 2017 تحت عنوان ” التطبيقات العملية للرحمة في السنة النبوية “
ــ الجلسة الثالثة يوم الاحد 26 ــ 11 2017 تحت عنوان ” أبعاد الرحمة و دلالاتها في الواقع الراهن “
تضمنت كل جلسة أربع مداخلات بمجموع اثنتي عشرة مداخلة لثلة من الدكاترة والأساتذة الجامعيين من تونس والأردن والمغرب.
وتجدر الإشارة هنا منذ البداية إلى أن الدكتور ” أحمد بن حمد علي جَوْلَانْ ” من السعودية لم يكن مبرمجا ضمن المحاضرين ولكنه عوض د. خالد الطرودي الذي تغيب وفي التعريف به من طرف مفتي الجمهورية ورد في جملة مؤهلاته العلمية والإدارية تعريفه بـ ” عضو أكاديمية الفيصل للاستخبارات العامة “. وبعد محاضرة حول ” معالم الرحمة في السنة النبوية.. لزوم الجماعة أنموذجا ” وهي خارجة عن نطاق عنوان الرحمة, وقدم هدية متمثلة في “ساعة ” لكل من مفتي الجمهورية ووزير الشؤون الدينية ووالي القيروان.
من خلال متابعتنا لمختلف المداخلات في عناوينها المتعددة نلاحظ أنها تناولت ” الرحمة ” على أساس أنها قيمة انسانية مشتركة بين مختلف الأديان والحضارات يتربى عليها الفرد فتشكل شخصيته و تبلور سلوكه لترى كل المتدخلين يحصرون الرحمة في بعدها الفردي مستشهدين بـ ” الراحمون يرحمهم الله ” و ” ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ” وقد استعرض كل منهم مختلف مظاهر رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم مع من خالفه ورحمة أصحابه وعمر ابن عبد العزيز ومواقف المسلمين المختلفة بغير المسلمين في إغفالة واضحة ومفضوحة عن رسالة الإسلام بوصفها الرحمة العظمى التي ارتضاها الله لخلقه في مختلف العصور رحمة عقيدة ونظام لحياة الفرد والمجتمع والدولة حيث قال تعالى ” و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “
وقد كانت لي أثناء النقاش مداخلة حاولت من خلالها ضبط البوصلة بمداخلة تحت عنوان ” لن ترحم الإنسانية إلا بعقيدة الإسلام ونظامه ” جاء فيها:
إن الرحمة صفة من صفات الله تعالى, فهو الرحمان الرحيم بعباده ورسالة الإسلام وصفت في القرآن الكريم بأنها رحمة للعالمين قال تعالى ” و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” فرحمة الإسلام كائنة في عقيدته ونظامه ومن ارتضى للبشرية عقيدة أو نظاما لحياة الفرد والمجتمع والدولة غير النظام الذي جاء به الإسلام إنما يسعى من حيث يدري أو لا يدري إلى تعاسة البشرية وشقائها في الدنيا والآخرة.
فالإنسان الذي لم يرتضي الإسلام دينا لم يرحم نفسه لا في الدنيا ولا في الآخرة. ونحن كمسلمين مدعوون إلى أن نحمل له الدعوة لنخرجه من ” جور الأديان إلى عدل الإسلام ” على حد تعبير الربعي ابن عامر.
والمجتمع الذي لم يرتضي لنفسه الإسلام طريقة عيش ونمط حياة لم يرحم نفسه ولن يكون رحيما مع غيره من المجتمعات ولنا في الدماء التي تسيلها أنظمة الغرب في كل أصقاع الأرض وبخاصة في بلاد المسلمين خير دليل ويكفي أن نذكر فلسطين وأهلها والعراق وأفغانستان وسورية واليمن والصومال…
والدولة التي لا تحكم شرع الله تعالى وتقضي بغيره لم ترحم رعاياها ومآلها في النهاية إلى ضنك العيش الفردي والسقوط الحضاري ولنا في واقع حالنا ألف دليل ودليل.
إن ما لا يخفى عن كل واع مكرُ الغرب وأعوانه بالإسلام والأمة, وغايته في نزع تلك الرحمة من قلوب الأهل فيما بينهم بإبعادهم عن أم القضايا وجعل مناسباتهم جميعها في طابع الفولكلور التأثيثي لتسجيل الحضور لا غير, وربما أكثر من ذلك, للاندساس بين الحاضرين وتمرير بعض ما يخدم توجها عاما لأجندا غريبة عن أهل الإسلام غرابة ما يعيشونه اليوم من أهوال, وان حرب الغرب على الإسلام تعتمد خطة من شقين رئيسيين:
الأول يتمثل في استعمال القوة المادية العسكرية تجاه الأمة باستخدام عنوان ” الإرهاب ” الذي يتحججون به للتدخل الفوري والعاجل لمنع استلام الأمة زمام أمرها تحت قيادة واعية مخلصة.
أما الشق الثاني فيتمثل فيما يعبر عنه بالقوة الناعمة باعتماد ضرب المفاهيم الإسلامية الأصيلة بتشويهها كمفهوم الجهاد أو تحريف وتحويل بعضها الآخر عن مدلولاتها الشرعية, وتطويعها لتصبح متأقلمة مع نظرة الغرب مثل مفاهيم الشورى والتسامح وغيرها من المفاهيم..
ويبدوا أن هذه الندوة العلمية التي ظاهرها وقار واحتفاء بمولد رسولنا الكريم وباطنها ومحتواها لا يُرضي رسول الله, فما فيها من إهمال لجوهر ما جاء به من الأسباب الموجبة للرحمة تندرج تحت الشق الثاني في حرب الغرب على الإسلام والأمة.
فتحي الصغيّر