مهلا سعادة السفير، فقد فاتك القطار…

مهلا سعادة السفير، فقد فاتك القطار…

نظّم سفير الاتحاد الأوروبي بتونس “باتريس برغاميني” مساء يوم الخميس 7 مارس 2019 حفلا بمقرّ إقامته بمناسبة احياء اليوم العالمي للمرأة، حضره عدد من “الفاعلين السياسيين والثقافيين”جلهم من النساء.

وفي كلمة ألقاها خلال الحفل، تطرّق برغاميني إلى ما وصفه بالمعجزات التي حقّقتها تونس خاصة بفضل نسائها منذ تأسيس قرطاج على يد علّيسة. ثم أشاد بالمشاركة السياسية للمرأة التونسية في 2013 في تلميح ضمني لاعتصام “الروز بالفاكهة”، تليها مشاركتها في 2014 التي جلبت لنا الباجي قايد السبسي على رأس هرم السلطة، كما أعرب السفير عن سعادته بوصول امرأة إلى منصب شيخ مدينة تونس، مؤكدا أن في انتظار المرأة التونسية محطة هامة هذا العام باعتبار أن إجراء انتخابات 2019 هو أمر أساسي بالنسبة للاتحاد الأوروبي كي يواصل دعمه لتونس.

وفي ختام كلمته ثمّن برغاميني ما لاحظه من قناعة لدى المرأة التونسية بضرورة المشاركة في العمل السياسي، مؤكّدا أنّه لو كان تونسيا لمنح صوته للنساء في التشريعية المقبلة ولما لا التصويت لامرأة في الرئاسية.

*****

هكذا وبكل صفاقة، يمارس سفير الاتحاد الأوروبي الوصاية على هذا البلد، فيستجدي نساء تونس من أجل إنعاش الديمقراطية الغربية التي باتت تحتضر في عقر دارها، ويطلب منهم مباشرة تكثيف سواد المنخدعين بمسرحية الانتخابات القادمة والمحسومة نتائجها سلفا في الدوائر الغربية، أين يتم انتداب خدم الاستعمار وعبيده قبل حصر الترشيح فيمن يعملون على إطالة عمر النظام.

إن حديث السفير الأوروبي خلال كلمته عن رمزية تونس في العالم العربي والإسلامي لم يأت من فراغ، فهو يدرك تمام الإدراك كغيره من المسؤولين الأوروبيين وحتى الأمريكان أن هذا البلد الذي فصل لعقود عن جسد الأمة وحورب فيه الإسلام بشكل ممنهج ومدروس جعل منه مدرسة أكاديمية ومخبرا علميا لتجارب علمنة المجتمعات المسلمة وإبعادها عن دينها، هو نفس البلد الذي انطلقت منه شرارة ثورة الأمة، والتي راحت تحصد على إثرها بقية أنظمة الملك الجبري في المنطقة وتزلزل عروش حكامها الطغاة، بل ولا تزال تفعل ذلك إلى يوم الناس هذا وما السودان والجزائر عنا ببعيد.

إن خطاب السفير لنساء تونس، يعكس الموقف الحقيقي للغرب الذي يصارع من أجل بقاء مبدئه ووجهة نظره في الحياة مهيمنة وناظمة للمشهد السياسي في بلاد الإسلام بما يبقي حالة التمزق والتشرذم في الأمة، وذلك عبر الحفاظ عما يعتبره مكاسب ديمقراطية ودول قطرية حداثية، في الوقت الذي ينشر فيه الخراب والدمار لأوطاننا. أما أداته الوحيدة لتحقيق ذلك، فهي الانتخابات الديمقراطية، بغض النظر عن مكان الصندوق سواء وضع إلى جانب حبل المشنقة أم تحت البراميل المتفجرة أم حذو مشايخ النفاق الديمقراطي، المهم أن تفرِض نتائج الانتخابات من ينتقيهم الغرب على عينه لاستبلاه الشعوب وتمرير أجنداته الصليبية الحاقدة.

إن إقدام سفير الاتحاد الأوروبي باستجداء زمرة من النساء في مقر إقامته ومغازلتهن، وإن تأكيده على أهمية انتخابات 2019 وحرصه على مراودتهن عن أنفسهن سياسيا، ليظهر هذا المسؤول في صورته الحقيقية أمام المسار الذي يرسمه شباب الأمة ورجالها شرقا وغربا بكفاحهم ونضالهم الذي صار يرعب الغرب قادة وحكاما وسفراء، ما يجعل من هذا السفير قزما سياسيا يمنّي نفسه بانتخاب أحد العملاء الجدد وربما يحلم بأن تكون امرأة تنسج على منوال هدى الشعراوي حين نادت بخلع الحجاب لمحاربة الاحتلال البريطاني!

وإن السيناريو الأشد رعبا للغرب وهو الكابوس الحقيقي، لهو التحام الحراك الشعبي في الجزائر بالثورة في تونس التحاما يدعمه أهل القوة والمنعة نصرة لمشروع الإسلام الذي صار الغرب يخشاه أكثر من أي وقت مضى، فتعود الدار لأهل الدار، وتزال الحدود الوهمية، وتقطع أيدي الاستعمار وكل العابثين بثروات البلد والمفرطين في سيادته.

ولذلك، فإن القضية اليوم ليست قضية انتخابات مطلقا، فالوكالة والاختيار لا يضمنهما سوى الإسلام، بل هي قضية نظام ظالم فاسد انتهت صلوحيته ووجب اقتلاعه من جذوره وإقامة سلطان الإسلام مكانه. ألا وقد ثار الناس لإسقاطه ولا يزالون، أفيعقل أن يلوث العقلاء أيديهم بانتخابات يرعاها نفس هذا النظام نساء كانوا أم رجالا؟

إن الدولة القطرية العميلة تزداد انكشافا وتصدعا يوما بعد يوم، وإن جميع المشاريع القطرية تسير إلى زوال بعد أن بان فشلها،أما أمة الإسلام فهي تزداد وعيا على دينها وعلى واقعها في آن واحد، وعيا حال بينها وبين الاستسلام واليأس وعزز إرادة التغيير الجذريلديها، كيف لا وهي تتلو كتاب ربها الذي يدعوها لإقامة دينه وحكم شريعته وإعلاء رايته والجهاد في سبيله، وتعيش يوميا غياب الإسلام وأحكامه في صغير الأمر وكبيره؟

قال تعالى: “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ”. سورة المائدة، الآية 50.

وعليه، فكل الحتميات تشير إلى حقيقة واحدة، هي أنه لا يمكن لمنظومة سايكس-بيكو أن تستقر بعد اليوم مهما استعملت من تقتيل وتشريد وتجويع ومهما تلونت وتزينت وغازلت النساء واشترت الذمم ونصبت المشائخ وصنعت الفتاوى الجاهزة، فقد ظهر للأمة حقيقتها الاستعمارية ومدى حقدها وعداؤها للإسلام وأهله وأنها سر تخلف المسلمين وهوانهم وتبعيتهم وفقرهم وذلهم وتفرقهم من دون الناس، لا فرق في ذلك بين تونس والجزائر وليبيا ومصر والسودان وفلسطين والأردن والعراق وسوريا واليمن وغيرها من بلاد المسلمين.

أما السفير الذي ترك وراء ظهره مشاكل اليونان ودعوات الانفصال في كاتالونيا واسكتلندا وأزمة البركسيت في بريطانيا وارتفاع نسب العنف ضد المرأة في ألمانيا واحتجاجات السترات الصفراء في بلاده الأم فرنسا، وغيرها من المشاكل التي صارت تعصف بالنظام الرأسمالي العالمي ومنه الاتحاد الأوروبي، لينصب نفسه وصيا على أصوات نساء تونس في انتخابات يرعاها الغرب وسفاراته، فليعلم أن القطار قد فاته، وأن

الخلافة التي يحاربون عودتها هي محررة البشرية من اضطهاد الديمقراطية، وليست مجرد ورقة توضع في صندوق كما ظن بعض أبواق الغرب في بلادنا.

ربما لم يحدثه أصحابه أن اليوم العالمي للمرأة هو ذكرى لمجزرة 8 مارس 1908 في أمريكا أو أنه تناسى الحادثة، حين قام أحدأصحاب مصانع النسيج بإغلاقأبواب المصنع على النساء العاملات ثم قام بحرق المصنع بسبب إضرابهن عن العمل داخل المصنع لتحسين أجورهن، مما أدى الى وفاة 129 عاملة من الجنسيات الأمريكية والإيطالية وقد أصبح هذا اليوم رمزاً وذكرى لظلم المرأة في النظام الرأسمالي. وما دعاوى حرية المرأة وتحريرها من القيود في مجتمعاتنا إلا دعوة مبطنة للوصول إلى المرأة وانسلاخها من دينها.

أما نساء تونس، فهن شقائق الرجال في العمل من أجل كنس الاستعمار وجنوده، وإقامة حكم الله على أرضه، خلافة راشدة على منهاج النبوة، تعز الإسلام وأهله وتذل الكفر وأهله بإذن الله، وإن حرص الاستعمار على قلب الصورة لصالحه.

قال تعالى: “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون“. سورة التوبة، الآية 32-33.

محمد علاء الدين عرفاوي

CATEGORIES
TAGS
Share This