مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ  فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ

إبراهيم سلامة 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه ومن والاه 

قال الله تبارك وتعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)23الحديد، بمعنى أنه لا يقع حادث في الوجود مصادفة ولا جزاف، بل هو مقدر من الله تبارك وتعالى وفي علمه وقدرته من قبل خلقه للخلق وأنه سيقع للخلائق في وقته المقدرالدقيق الذي لايتقدم ولايتأخر ولايدفعه دافع، فكل ما يحدث في الكون والأرض والأنفس من الكوارث والحوادث ومن الحروب والقتال والجهاد في سبيل الله، والأوبئة والقحط والعواصف والحرائق والفيضانات والزلازل والهزات والبراكين وغيرها كل ذلك في علم الله وتقديره (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) فيتقبل المؤمن قضاء الله وقدره بكل نفس مؤمنة رضية، ويبذل وسعه وجهده بالتزام طاعة الله وطاعة رسوله ويحرص على تنفيذ شرع الله في جميع أحواله فهو مسؤول عن عمله ولا يسأل عما يقع خارج إرادته وقدرته وتكليفه، فلا يملكه الجزع ولاتملئ نفسه الحسرة عند الضراء إذا مسته، ولا يطير فرحا عند السراء وينسبها لنفسه وقدرته وعلمه ويتبجح وينسب النعمة والفضل لنفسه، يخبرنا الله تبارك وتعالى عن قول قارون لقومه (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) 78القصص، يقول إنما أوتيت هذا المال على استحقاق مني وبعلمي وفضلي بكفر واستكبار، والله مهلك المجرمين مهما أعطاهم من قوة ومال الأمريكان واليهود في هذا العصر مهما استشرى ظلمهم واستفحل شرهم وإجرامهم فإن الله مهلكهم بأيدي المسلمين (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) حتى أن الله لا يسألهم عن ذنوبهم لهوانهم عليه فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، كما أخذ أسلافهم، وعلى المسلمين النهوض من كبوتهم واتباع نهج ربهم ومنهاج رسولهم ويجتثوا أثر الفاسدين الكفار وأهل الكتاب بطاعة الله وطاعة رسولهﷺ، 

قال الله تبارك وتعالى: ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ)52التوبه، بمعنى أنه لن يصيبنا إلا ما قدره الله لنا وهو خير للمؤمنين، يسلمون أمرهم لله ويرضون بقدره، فيبذلون أقصى جهدهم ويعدوا ويستعدوا كما أمرهم الله قدر استطاعتهم وقد كتب الله للمؤمنين النصر مهما أصابهم من ابتلاء وشده فلا يحزنوا ولايهنوا ولايضعفوا ويرجوا رضوان الله ونصره (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) والإعتقاد بقدر الله والتوكل عليه يدفع المسلم  لطاعة الله وإخلاص عبادته  بتنفيذ أمره والإنتهاء عن نهيه فلا يتوكلون الاعلى الله (هُوَ مَوْلَانَا) وإليه المصير، ويأخذون بالأسباب ويلتزمون بأمر الله وطاعته والتزام شريعته  فكل ما يجري بالكون والحياة بعلم الله وقدره، وعلى الخلائق إتباع أمره والإنتهاء عن نهيه، والتزام دينه والحكم بشريعته، وأمر المؤمن  كله خير إما الشهادة أو النصر، والكافر إما يصيبه الله (بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ ) أو بأيدي المؤمنين (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ)، والمسلمين منصورين من الله ولا بد لهم من أن يحققوا الإسلام في واقع الحياة منهاجا يحكم الناس وينظم حياتهم، وعليهم إعداد القوة التي ترهب عدوهم بقدر طاقتهم واستطاعتهم لنشر الإسلام والجهاد في سبيل الله بقدرتهم البشرية، قال الله تبارك وتعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) 60الأنفال،

وقال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) 157البقرة، الصبرعلى طاعة الله وطاعة رسوله بأداء الفروض والواجبات، والصبرعلى ضعف المسلمين وقلة حيلتهم لدفع عدوهم وتغيير حكام الجور ومجاهدتم، والصبرعلى الدعوة إلى الله والعمل لإستئناف الحياة الإسلامية، والصبر على استبطاء النصر، والصبر على ما قد يصيبكم من استشهاد الشهداء، والصبر على (الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ) والصبرعلى الخطوب والمحن والتضحيات في طريق الدعوة إلى الله، وإقامة حكمه في الأرض باقرار منهجه ومنهاجه ليحكم الناس ويسوسهم بشرع الله، والصبر على الثبات على العقيدة ومتطلباتها، وجعل كلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، ف (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) فهما زاد الطريق إلى الله، والمعين الذي لا ينفذ والقوة المستمدة من الله بمداومة الصلاة والحفاظ عليها والتوجه لله والتوكل عليه، والصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي الصلة بالله التي لا تنقطع، وهي الحصن الحصين والركن المكين بطاعة الله وحفظه ورجاء عفوه وغفرانه ورحمته، فقد كان رسول الله إذا حزبه أمر يقول لبلال رضي الله عنه ” أرحنا بها يا بلال” فالصلاة زاد الطريق الى الله ولتقواه، ولشحذ الهمة وتجديد الطاعة وجلاء للقلب والروح، من المعاصي ومن كل تقصير في جنب الله (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) يؤيدهم ويثبتهم ويقويهم وينصرهم على عدوهم، ( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: “ما مِن أحَدٍ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيا، وأنَّ له ما علَى الأرْضِ مِن شيءٍ، غَيْرُ الشَّهِيدِ، فإنَّه يَتَمَنَّى أنْ يَرْجِعَ، فيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِما يَرَى مِنَ الكَرامَةِ” رواه مسلم، والشهداء هم الذين يقتلون (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ولائهم لله ولرسوله وللمؤمنين، ويجاهدون لنصرة دين الله وإقرارحكمه في الأرض، وعن سعيد ابن زيد قال: قال رسول الله : “مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ”رواه الترمذي، هؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله ونصرة دينه أحياء عند ربهم يرزقون حياة لا نعرف كنهها وليست كالحياة التي نعرفها (بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ) أكرمهم الله بها  ولا يشق فراقهم وقتلهم على أحبائهم بل يفتخرون بهم ويتمنون الحاق بهم، وما من مسلم إلا ويدعو الله أن يختاره شهيدا ويبلغه منازل الشهداء، والله تبارك وتعالى يختار الشهداء من خيرة عباده الصالحين فطوبى لهم، ولا ينال الشهادة الظالمين (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) فالشهادة تفضل وكرم ونعمة واختيارمن الله فطوبى لهم وحسن مئاب، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) والبلاء بقدر تمسك المؤمنين بعقيدتهم وأداء تكاليفها،  فتعز أرواحهم  وتقوى نفوسهم على حمايتها والذود عنها، وتقديم التضحيات لتمكينها في الأرض، إخلاصا لله وطاعة لأمره وانتهاء عن نهيه، فينبهرغيرهم  بثباتهم ويدركون قيمتها، حين يرون صبر المسلمين على التمسك بعقيدتهم وتحمل البلاء والمحن لأجلها (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) هؤلاء الذين يلتجؤون لله وحده، فلا سند الا سنده تبارك وتعالى، ولا قوة إلا قوته، ولا حول إلا حوله، ولا ارادة إلا ارادته ولا ملجأ منه إلا إليه (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) كل ما لدينا لله وكل ما فينا وأنفسنا وذاتنا لله، حياتنا لله ونحن من خلقه وطاعة أمره، الله خالقنا ومطعمنا ومسقينا سبحانه وتعالى عما يشركون، له الأمر كله لا معقب لأمره اليه المتاب وإليه المئاب، شعار المؤمنين عند وقوع المصيبة (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) إعلانا لإيمانهم بالله وتيمنا بإيمانهم ليغفرالله لهم، فتهون المصيبة عليهم، فهم ملك لله تبارك وتعالى يتصرف بهم كيف يشاء فلا جزع مما يأيتهم به الله، إنهم إليه راجعون (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) الذين صبروا وأقاموا الصلاة وتحملوا المشقة والعنت في الدعوة إلى الله، ونشرالإسلام وإقامة الدولة الإسلامية مع رسول الله ونصروه وهاجروا معه، – ومن تبعوهم بإحسان إلى يوم الدين – وقاتلوا في سبيل الله وقُتلوا واستشهدوا، وصبروا على البلاء والمحن والجوع والخوف ونقص الأنفس والثمرات طاعة لله ولرسوله واستسلاما لأمر الله ونهيه، لا يطلبون إلا رحمة الله ورضوانه ومغفرته، فالنصر والتمكين لدعوة الله ودينه الذي حملوه دعوة للناس، لايطلبون شيئا لأنفسهم  (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) وصلاة الله على عباده الرضى عنهم والمغفرة لهم والرحمة والثناء عليهم في الدنيا والأخرة، جزاء لإخلاصهم بطاعة الله وطاعة رسوله والتزام أمر الله ونهيه ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

وقال الله تبارك وتعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) 186آل عمران، الموت حق وكل نفس ذائقة الموت فليكن الموت بطاعة لله، والمسلمون مبتلون بأعدائهم اليهود والنصارى على طول الأيام فحين يضعف المسلمون لا يرقبون أعدائهم فيهم إلا ولا ذمة، فيستأسد البغاة عليهم!، فليس أمامهم ألا إمضاء أمر الإسلام ونصرته والعمل لتمكينه والحكم بشريعة الله، ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ 

CATEGORIES
Share This