نقض الفكر الغربي وبيان فساده ومخالفته لبديهيات العقل وقواعد التفكير

نقض الفكر الغربي وبيان فساده ومخالفته لبديهيات العقل وقواعد التفكير

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, وبعد:

قد يظن امرئ أن العقل الغربي الناشئ ما قبل عصر التنوير وما بعده قام على العقل  والاستدلال العقلي, وأن تصوراته الفلسفية والفكرية والسياسية إنما هي نتاج البحث العقلي السليم، وقد يدفع الناظر لهذا الرأي رؤيته لاستخدام العقل في النقاشات والحوارات التي دارت في المجتمعات الغربية حول قضايا الدين والسياسة والأخلاق والعرف والدولة، والعلاقة بين الرجل والمرأة، فيخلط الإنسان بين كون المباحث استخدم فيها العقل، وبين كونها لم تعتمد العقل أساسا في البحث، وإنما اعتمدت أسسا فكرية غير صحيحة منها فكرة الحل الوسط، ومنها فكرة نسبية الحقائق، وتصورهم لأهلية الإنسان لوضع تشريعات وحلول لقضايا المجتمع والفرد والدولة والتجمعات البشرية.

ويمكن تصوير الفرق بين جعل المباحث عقلية واختبار صحتها بالعقل، وبين استخدام العقل في الوصول إليها بالمثال التالي:

تلميذ أعطاه المعلم صيغة رياضية خاطئة، وطلب منه أن يحل مسألة رياضية، فبذل التلميذ جهده لحل المسألة وتوصل منها إلى جواب. هذا الجواب يعتبر نتاج جهد عقلي، ولكن الجواب لا يقنع العقل ولا يوافقه.

فمثلا الفكر الغربي عندما اعتمد فكرة فصل الدين عن الدولة، أو فصل الدين عن السياسة، إنما كان ذلك نتيجة صراع طويل بين رجال الفكر والدين، وبين رغبات متعددة بين من يريد جعل الدين المحرف مهيمنا على الحياة، وبين مفكرين رأوا أن الدين ورجاله رجال الكهنوت إنما يمارسون سلطانهم لتثبيت كرسي الحاكم وللاستئثار بالقرارات في المجتمع، وإخضاع الناس للحاكم باسم الرب.

ففكرة فصل الدين عن الدولة لم تكن نتاج بحث مستنير في واقع الخلق ووجود خالق وعلاقة هذا الخالق بالمخلوق، وأحقيته أو عدم أحقيته في إعطاء تشريعات للمجتمع، وإنما كانت فكرة الفصل بين الدين والدولة ردة فعل على واقع فاسد وممارسات خاطئة.

فعندما بذل المفكرون جهدهم في بلوَرة فكرة الفصل وكيفية تنفيذها، وكيف تكون العلاقة بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية، أي العلاقة بين الدولة والكنيسة، إنما كانت باعتبار الفصل فكرة مسلمة بها، والعقل إنما هو أداة لصياغتها وبلورتها ووضعها موضع التنفيذ.

فكانت فكرة فصل الدين عن الدولة بمثابة الصيغة الرياضية الخاطئة التي استلمها التلميذ من أستاذه، واعتبرها بديهة وصحيحة، ثم شرع في حل المسألة الرياضية.

ومن هنا قلنا إن عقيدة فصل الدين عن الحياة أو السياسة هي فكرة عقلية باعتبار أن العقل توصل لها، ولكنها غير مقنعة للعقل، لأن افتراض وجود خالق ثم افتراض عدم أحقيته في التشريع هو تصور قائم على باطل، وهو مخالفة للعقل السليم الذي يختبر المقدمات الفكرية التي تسبق الحلول الفكرية.

فمقدمة افتراض وجود خالق وجعل الموضوع متروكا لمن يشاء أن يقول فيه ما يشاء، أي أن يقول من يشاء بوجود خالق، وأن يقول من يشاء بعدم وجود خالق، ليس من العقل والتفكير في شيء، فهو ترك لمسألة أساسية مصيرية دون جواب.

ثم إن ترتيب وجوب فصل الدين عن الحياة أو الخالق عن إعطاء معالجات للمجتمع بناءً على  جواب فضفاض هو بمثابة “لا جواب” هو تمحل مخالف للعقل، فالعقل السليم يضع الحلول بعد الاهتداء لقواعد صحيحة ينطلق منها في المعالجة، وليس بناء على أسس هلامية مائعة.

فعقيدة فصل الدين عن الحياة  كانت بمثابة حل وسط بين من يريد هيمنة الدين بالكلية، وبين من يريد إقصاءه أو إلغاءه بالتمام.. ولم تكن نتيجة بحث مستنير مدقق في قضية وجود الخالق وعلاقته بالمخلوق.

ولما كانت عقيدة فصل الدين عن الحياة قائمة على الحل الوسط، وعلى نسبية الحقيقة المتمثلة بوجود خالق، ظهر أثر هذه العقيدة واثر الحل الوسط في كثير من المباحث الداشرة بين المفكرين.

وستكون هذه السلسلة لنقض الفكر الغربي في جوانب التصورات الأساسية المتعلقة بحقيقة الخلق والخالق وأحقية التشريع، وفي جوانب التشريع والقضايا الفكرية والقضائية والاقتصادية..

يتبع إن شاء الله.

أ, محمود رضا

CATEGORIES
TAGS
Share This