نقض المفاهيم المؤسّسة لتقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة
-
فساد نظرة اللجنة لعلاقة الانسان بخالقه
ورد في تقرير اللجنة أن الانسان يتحمل “مسؤولية التصرف في الكون, وهو حر في هذا التصرف، بما في ذلك إفساده أو إصلاحه”.
هذه الفكرة تقوم على تصور فلسفي غربي معروف, اساسه الاعتقاد بان الانسان سيّد نفسه أو إله نفسه , وانه ينظم شؤون حياته دون الرجوع الى أي جهة أخرى ولو كان الخالق، إذا كان ممن يعترف بوجوده , من هنا جاء المثل المعروف ” دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”, وجاءت العقيدة العلمانية فصل الدين عن الحياة, وجاء نفي القدسية عن النصوص الدينية.
هذه الفكرة تتناقض بداهة مع أصل الدين الإسلامي القائم على أساس الخلق والتكليف. وقد أكّد الله عز وجلّ اقتران الاستخلاف في الأرض بتطبيق شرعه. {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} والعبادة بمفهومها الإسلامي تشمل الانقياد لأحكام الشريعة.
-
فساد تصور اللجنة لمفهوم الدّين
اعتمدت اللجنة في تقريرها على تعريف حرية المعتقد والضمير الوارد في اللجنة الأممية عدد 22 حول المادة 18 (1993), منبهة الى ضرورة احترام ديانة الأقليات ومحذرة من افراغ هذه الحرية من جوهرها.( ص36 ).
ويحق لنا ان نتساءل هل ان حرص اللجنة على المعتقد وعدم افراغ التدين من جوهره يقتصر على الأقليات فقط , ام انه يشمل أيضا دين أغلبية الناس ويضمن حقوقهم في العيش بالنظام الذي يرتضونه.
والإسلام دين، وهو عقيدة ونظام حياة يشتمل على تشريعات في كلّ المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك.
فإذا كان الاسلام هو دين الدولة، و دين أهل هذا البلد، فلماذا يقصى من الحياة ومن التّشريع؟ ولماذا تعمل اللّجنة على محو آثاره من المنظومة القانونية؟
-
في بيان بطلان تصوّر الإيمان الفردي
جاء في التقرير (ص8) “، أن “الإيمان في الأصل هو إيمان فردي”, وأن “الدخول في الإسلام كذلك يكون فرديا” , وان ” يرفض الايمان بالوراثة “.
كل هذه المقدمات جاءت لتخلص إلى أن الإيمان والإسلام هو اختيار شخصي متعلق بفردية الانسان, والمعنى الذي يقصده التقرير، هو أنّ الإسلام ليس مقوّما من مقوّمات الهويّة الجمعية، وأنّ أهل تونس يمكن أن يكونوا مسلمين بوصفهم الفردي، ولكن ليس بوصفهم الجمعي.
هذه الخلاصة التي يريد التقرير الوصول اليها تكذبها الوقائع التاريخية التي تشهد على ان العقيدة الإسلامية لم تكن هوية فردية بل كانت هوية جماعية لشعوب عديدة من أصول مختلفة انصهرت عاداتها وتقاليدها وأعرافها في بوتقة الإسلام وأصبح سلوكهم الجماعي محكوما بالإسلام حتى في فترات غياب السلطة المركزية.
-
حول عبارة “الإسلام دينها”
مع ادراكنا الكامل ان عبارة “الإسلام دينها” الواردة في الفصل الأول من دستور 2014 لا تكفي لتأكيد الهوية الإسلامية للدولة, وان الواجب كان التأكيد على تشريع الدولة لا على دينها, إلا أن إصرار اللجنة على تأويل العبارة بشكل تعسفي أمر يثير الاستغراب.
فقد أكّدت اللجنة في تقريرها ص (35) أنّ ما جاء في الفصل الأول من الدستور هي قاعدة وصفية لا قاعدة حكمية باعتبار أن أغلبية التونسيين مسلمون، “لكن ليس في هذا الفصل ما يخضع سلطة الدولة لأمر من فوقها، وليس فيه ما يقيّد مشيئتها في سنّ القوانين بغير إرادتها” (ص 132).
إنّ هذا التعسّف في تأويل العبارة الدستورية والتكلّف في إخراجها عن سياقها التاريخي والسياسي والفكري ليدلّ دلالة قاطعة على موقف أيديولوجي علماني هدفه أبعاد الإسلام عن كلّ عمليّة تشريع لسنّ القوانين.
-
في بيان مفهوم الاجتهاد المحرّف عند اللجنة.
من خلال الأمثلة الواردة في التقرير(ص 17- 20), يتبين ان اللجنة تفهم الاجتهاد على أنه “تعديل ألأحكام و”تقديم المصلحة العامة على النص من كتاب وسنة”.
وذلك من خلال التركيز على بيان اختلاف وقع بين الصحابة والعلماء, وعلى وجود اختلافات في القراءات و التأويلات”, والقول بأنّ العبرة ليست بما جاء به الإسلام إنما بما جاء من أجله (ص20).
أما علماء الأصول فقد عرفوا الاجتهاد في الاصطلاح الشّرعي على أنه “بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط، فالاجتهاد إذن هو عملية فهم للنّص، منه تنطلق وإليه تنتهي.
فالغاية من الاجتهاد هي استنباط الأحكام الشرعيّة , من خلال النصّوص الشرعية وليس من خارجها, كما أن مجال الاجتهاد يتعلّق بالظنّيات وليس القطعيات؛ وعليه، فإنّ عمل اللّجنة المتعلّق بمناقشة النصّ القطعي وإعادة قراءته بما يخالف مدلوله القطعي، يعدّ لاغيا، وغير معتبر من وجهة نظر اصطلاحية شرعية؛ “لأنّه لا اجتهاد مع النّص”.
-
حول مسألة الحريات واضطراب مقاييسها
بني التقرير على أساس فلسفي أيديولوجي مستمدّ من الفكر الغربي يركّز على الفرد، ويعتبر الحرّية أهمّ قيمة، وبناء عليه فإنّ مهمّة الدولة ووظيفتها الحفاظ على حرّية الفرد. (ص24).
كما اعتمد التقرير على المادة الرابعة لحقوق الانسان الفرنسي 1798 لتأكيد حق الدولة في فرض قوانين لتقييد حرية الافراد “لتمكين أعضاء الجماعة الآخرين من التمتع بحقوقهم” (ص 23 ).
وعند هذا الحدّ يحق لنا ان نتساءل, إذا كان لا بد من تقييد فعل الافراد من اجل الجماعة فكيف يقبل العقل الغربي وعقول أعضاء اللجنة قيودا وقوانين وضعية وفق التصور الغربي العلماني ويعتبرونها حرية وعقلانية, ولا يقبلون الضوابط الشرعية الإسلامية ويعتبرونها انتهاكا للحرية وفقدانا للوعي والقدرة على الاختيار !
-
حول مسألة المساواة