النظام الدولى هو عبارة عن القواعد والنظم التي عادة ما تفرضها الدولة الاولى في العالم لإحكام سيطرتها ونفوذها على غيرها.
النظام الدولي الحالي هو أمريكي الهوى
فالنظام الدولي الحالي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية بالتوافق مع الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، أي الدول الفاعلة على المسرح الدولي والتي تشكل بمجموعها الموقف الدولي، ليصبح ميثاق هيئة الأمم المتحدة يمثل النظام الدولي الجديد لما بعد الحرب الثانية، وقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تكون هيئة الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عها تحت سيطرتها، وذلك حتى لا يضعف تأثيرها العالمي.
ولذلك نجد الولايات المتحدة هي الأكثر تسخيرا للأمم المتحدة ومجلس الأمن لخدمة مصالحها. فقامت بضرب العراق في العام 1991م، وقامت بعملية إنزال عسكري في الصومال لاحقا، ثم قامت باستصدار قرار بالحرب على أفغانستان، وفرضت من خلال مجلس الأمن العقوبات الظالمة على العراق، ثم احتلته, وهاهي تستصدر القرارات لمحاربة الإسلام باسم الإرهاب, وتقصف وتضرب في كل مكان، كل ذلك وغيره كثير تحت ما يسمى بالقانون الدولي والشرعية الدولية. في حين أنها لا تبدي عناية بأي قرار تسكت عنه لا يتماشى مع مصالحها أو مصالح حلفائها، فالقرارات المتعلقة بفلسطين ومنذ العام 1948 لم يتم تنفيذ أي منها.
الشرعة الدولية هي شرعة الأقوى
فالنظام الدولي يمثل الشرعة الدولية، والشرعة الدولية هي شرعة الأقوى، فهي إما شرعة الدولة الاولى إن كانت متفردة في الموقف الدولي أو شرعة الدول الكبرى إن كان لها من ينافسها على مركز الدولة الاولى.
ولسائل أن يسأل من جعل من الدول الاستعمارية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أصحاب قرار لصياغة قانون وإنفاذ آخر؟ فمن أعطى بريطانيا الحق بإقامة كيان يهود في فلسطين؟ ومن أعطى الولايات المتحدة الحق في أن تقرر أن هذا الشكل من الصدام المسلح المقاوم يسمى إرهاباً؛ فيجب إذاً أن يمنع ويحاصر ويقتلع من أعماق جذوره؟ ومن أعطاها صلاحية إصدار العقوبات على من لا ينصاع لرأيها في حل المشاكل؟ ومن أعطاها الحق في غزو العراق وتدميره؟ ولماذا لا تحاسب روسيا على استيلائها على جزيرة القرم وعلى إبادتها لأهلنا في سوريا؟ أم أنها القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية التي أعطتهم هذه المكانة وهذا الموقع؟
إيجاد المشاكل وإشعال الحرائق
والنظام الدولي يحقق لكل دولة شريكة في صنعه بقدر قوتها في الميزان الدولي، فإذا تغيرت موازين القوى تحصل إعادة نظر في النظام الدولي حسب التوازنات الجديدة، وغالبا ما تكون محاولة إصلاحية ترقيعية ولا تهدف إلى هدم النظام الدولي.
وهذه الدول و إن كانت تتظاهر بالسعي لحل المشاكل الدولية منيطة ذلك بمجلس الأمن الدولي . ولكنها في الحقيقة تتعمد إيجاد المشاكل وإشعال الحرائق، لتجعل من حلها وسيلة لكسب المنافع واستغلال الشعوب، وإيجاد السيطرة والنفوذ. فهي توجد المشاكل وتعقدها، حتى أصبح وجود العالم على هذا الحال هو نفسه مشكلة لا بد من حلها .
هدم النظام الدولي يحتاج لدولة ثورية
أما الدول التي لم تشارك في صياغة هذا النظام الدولي أو المتضررة منه أو التي لا تؤمن به كحال المسلمين، فليس لها إلا أن تعمل على تغييره، لأنه يعمل ضد مصالحها ولم يمنحها شيء من العدل الدولي. فهو نظام يؤمن مصالح الدول الكبرى لا غير. فإن كانت غير قادرة على تغييره، فعلى الأقل لا تمتثل لبعض قوانينه، ولا تضفي عليه الشرعية و القداسة.
أما الدولة التي ترى نفسها أنها قادرة على تغيير النظام الدولي فهي دولة ثورية، لأنها تعمل على هدم النظام الدولي، أي تعمل على تغيير ميزان القوى، حيث أن مجرد خروجها على الشرعة الدولية يضعها في مواجهة الرأي العام العالمي والدول الكبرى. ولذلك فإن هدم النظام الدولي لا يتم في الغالب إلا بحرب مدمرة، لأن هدمه يعني ضرب مركز الدولة الأولى في العالم ومصالحها الحيوية، بالإضافة إلى مصالح الدول الأخرى المستفيد منه. فألمانيا حاولت مرتين لتغيير النظام الدولي لكنها فشلت بالرغم القوة الهائلة التي حشدتها، ما يدل على عتو الدول التي تحرسه.
لذلك يتوجب على الدولة التي تعمل على هدم النظام الدولي أو الخروج عليه، أن تبدأ أولا بتعريته من الشرعية، ثم تهيئ نفسها للصدام مع القوى الهائلة التي تحرسه.
استراتيجية الخلافة في مواجهة النظام الدولي
لن تستقيم أمور المجموعات البشرية: الأفريقية والآسيوية والمجموعة اللاتينية وغيرها إذا بقي العالم على هذا الحال. ومن هنا تبرز مدى أهمية دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ومدى ضرورة عودتها ورجوعها، فكم من المشاكل تنتظرها لتحلها، وكم من القضايا الكبرى مرهون حلها بعودتها, فدولة الخلافة ستعمل على إنشاء رأي عام عالمي ضد هذه المنظمة, وذلك بفضحها وإظهار عوارها لكافة أهل الأرض، وبيان واقع الدول الاستعمارية التي تقف وراءها, كما ستعمل على إنشاء جماعة دولية بديلة مع ترك مطلق الحرية لكل الدول للاشتراك فيها متى أرادت وأن تخرج منها متى شاءت, وأن يكون لهم من الحقوق والواجبات ما للمؤسسين سواء بسواء, وأن لا يفرض على أي أحد تنفيذ المقررات بالقوة، ويكون عملها النظر في الأعراف الدولية ومخالفتها, حين فض المنازعات الدولية, ويترك تنفيذ قرارات الجماعة للرأي العام والعامل المعنوي لأنه أبلغ من العامل المادي لأن قراراتها تستند إلى أعراف تركزت بين المجموعات البشرية فلا يجرؤ أحد على مخالفتها, وبذلك تكون الجماعة الدولية جماعة دولية بحق، لا عائلة دولية معينة يطلق عليها زوراً وبهتاناً أنها أسرة دولية. وبهذا ستفقد أميركا وباقي الدول الاستعمارية الرأسمالية أداة من أهم أدواتها للهيمنة على العالم والتحكم في السياسة الدولية، ما سيعين على التخلص من نفوذها ودحرها وتخليص العالم من شرها.
حشد كل القوى الروحية و المادية في المعركة
وإن من أكبر عوامل النجاح الذي تملكه دولة الخلافة القادمة قريبا بإذن الله, فبالإضافة إلى الأعمال السياسية العظيمة و القوى الهائلة التي يمكن حشدها، فإن تطبيق الإسلام وظهور ثماره محسوسة لدى الناس, سيوجد دعاية له وللدولة التي تحمله ويسهل أعمال الدعوة له ويسهل عمل دولة الخلافة في الساحة العالمية ويوجد لها التأثير والسمعة الطيبة والاحترام والتقدير, وقد كانت الخلافة الإسلامية في ما مضى من التاريخ صاحبة اليد العليا في علاقات الدول طيلة اثني عشر قرناً، ومثل ذلك الواقع الدولي يجب أن يعود اليوم، بحيث يكون الإسلام أساساً للعلاقات الدولية، بدلاً من منطق الاستعمار والاستغلال وشريعة الغاب.
وكما أطاحت الخلافة الراشدة الأولى بدولتي الفرس والروم فكذلك الخلافة الراشدة الثانية التي بشر بعودتها رسول الله صلى الله عليه وسلم ستطيح بأمريكا وأوروبا وتأتي على بقية معاقل الشيوعية إن كان هناك لها بقية.