هذا بيان للنّاس: نداء إلى أهل تونس، بلد الزّيتونة أعرق جامعات العالم

هذا بيان للنّاس: نداء إلى أهل تونس، بلد الزّيتونة أعرق جامعات العالم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

هذا بيان للنّاس

نداء إلى أهل تونس، بلد الزّيتونة أعرق جامعات العالم

“أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَار

مُنذ أن دخل الاستعمار تونس، ركّز على التّعليم لما له من أثر في بناء الشّخصيّة، فتولّى المستشرق الفرنسي “لويس ماشويل”، إدارة التعليم العمومي في تونس، ووضع مشروعا للتّعليم يهدف إلى مزيد من التحكّم بالبلاد والعباد فكريا وسياسيا. وذلك عن طريق تكوين نخبة من التّونسيين متشبّعة بثقافة الغرب، فرنكفونيّة المنهج ولائكية المعتقد.

ثمّ خرجت جيوش الاستعمار بعد أن ضمنت تبعيّة الحكّام لها ولمشاريعها، فتبنّى بورقيبة مشروع الفرنسيّ “جان دوبياس” (Jean Debiesse) لإصلاح التعليم (بزعمه)، وقد كلّف محمود المسعدي كاتب الدولة للتربية القومية بداية من جانفي 1958 بنسج مناهج التعليم على المنوال الفرنسي وتطبيق مخطّط الفرنسي جون دوبياس الذي وصف اللغة العربية «بالعجز وأنها ليست لغة علوم ولا تصلح لتعليم العلوم الدقيقة»، واتّهم التعليم الزيتوني بالثقل وضعف الأداء… فكان الهدف الحقيقي حينها لإصلاح التّعليم المزعوم، تغريب المجتمع في تونس إمعانا في فصله عن دينه وعن أمّته لضمان استمرارية الهيمنة الثقافية والفكرية الغربيّة على المجتمع وخلق “نخب” علمانيّة مُوالية للغرب المستعمر تخدم مصالحه على المدى الطويل وتنفث سمومه في عقول الناس ليسهل ترويضهم… وهذا ما تحقّق، إذ أغلقت جامعة الزّيتونة -أعرق جامعات الدّنيا- التي تخرّج منها الآلاف من العلماء الأفذاذ، وشُرّد (الزّواتنة) وفُرض التّعليم العلماني…

 ولكنّ هذا المنهج التّغريبي بان عواره وشهد الجميع تدنّي مستوى التّعليم، فتجدّد حديث الإصلاح مرّة أخرى وجاء الإصلاح المزعوم في بداية حكم بن علي الذي عُرف بمشروع تجفيف المنابع (أي تجفيف منابع الإسلام) الذي نفّذه وزيره “محمد الشرفي” أحد أفراد النّخبة العلمانيّة اليسارية التي خرّجها “إصلاح التّعليم التغريبي”؛  ففي سنة 1991م وبعد عقود من التّغريب والعلمنة، عمد الشرفي هذا إلى المنظومة التعليمية السّابقة ليُعزّزها بإزالة أيّ أثر بقي من الإسلام، مُتستّرًا بالشّعار المسموم (من الهويّة الوطنية إلى الهويّة الكونية).

ويتكرّر الفشل ويزداد الانهيار حتّى تحوّل التّعليم من حال الأزمة إلى مولّد لأزمات، وبعد أن كانت المدرسة فضاء للتربية صارت فضاء لتدمير القيم، وتخلّت السّلطة عمّا بقي من دورها، فأهملت التّعليم إهمالا تاما؛ أهملت المؤسّسات التي تداعى الكثير منها حتّى صار خبر انهيار سقف قسم على رؤوس التّلاميذ خبرا عاديّا، وأهملت المدرّسين فتركتهم في أسفل سلّم التّأجير، مع أنّ المدرّس معلّما أو أستاذا هو القائم بالعمليّة التعليميّة برمّتها ولكنّه مع ذلك يتعرّض للإهمال بل الإذلالحتى تجرّأ عليه الصعاليك، كلّ ذلك في سياسة مُمنهجة تدفع الناس دفعا نحو التعليم الخاص ليصبح التعليم مصدر دخل ونهب للنافذين وحيتان الأموال وتتخلى السلطة عن دورها في الرّعاية وتصبح مجانية التعليم مجرّد شعار دعائيّ أجوف. هذا مع عدم مبالاة بالحالة المعيشية التي وصل إليها الناس. 

أيّها الأهل في تونس:

هذا هو حال التّعليم اليوم في تونس التي فصلها الغرب المستعمر عن الأمّة الإسلاميّة، وفصلها عن ثقافتها الإسلاميّة، بدعوى الحداثة والتّحديث. هذا حالنا اليوم بعد إصلاحاتهم المزعومة لأكثر من نصف قرن؟ والنتيجة أنّ الحالة كارثية بكلّ المقاييس؛ فأنتم ترون أنّ أبناءكم يحتلّون مؤخرة الترتيب في التقييمات العالمية، وأنّ جامعاتكم ومدارسكم خارج التّصنيف العالمي، تتقدم عليهم جامعات كثيرة في دول إفريقية أخرى. ولم يعد خافياً عليكم أنّ مدارسكم التي تموّلونها من عرق كدّكم ومُعاناتكم، تُلقي بعشرات الآلاف من أبنائكم سنوياً في الشارع، ممّن هم في سن تتطلب الإحاطة والرعاية والتأطير؛ فيُلقى بهم لتستوعبهم البطالة والمخدرات وقوارب الموت والجماعات الإجرامية المنظّمة ومافيا الحروب الدولية… وكلّ ذلك بسبب فساد التّعليم، سياسة ومنهجا وغاية، وبسبب إصرار أشباه الحكّام العلمانيين على التّبعيّة الذّليلة للغرب ومناهجه.

أيّها الأهل في بلد الزّيتونة:

لقد بان لكلّ ذي عينين أنّ مقولات إصلاح التّعليم منذ بورقيبة إلى اليوم ليست إلّا تنفيذا لأجندات غريبة غربيّة لا هدف لها إلّا الاستعمار والهيمنة على الشّعوب، ومعلوم أنّ الهيمنة الفكريّة والثّقافيّة هي أخطر أنواع الاستعمار. ولا يزال المستعمر إلى اليوم يتدخّل في تعليمنا وثقافتنا بأشكال مختلفة، وما أمر الاستشارة المزعومة التي أطلقها الرئيس قيس سعيّد ببعيد، فهي لم تشذّ عن مسارات الإصلاح المزعومة منذ بورقيبة، فمحاورها الخمسة لم تتطرق إلى الغاية من التعليم والأساس الذي يقوم عليه، وكانت الأسئلة كلها تتناول الوسائل والأساليب في العملية التعليمية من مثل هل نجعل المحاضن والكتاتيب إجبارية أم لا؟ وما هو عدد ساعات التمدرس؟ وهل توافق على حصص الدعم؟ وهل تفضل إبقاء تجربة المدارس والمعاهد النموذجية؟ وحتى عندما تناولت محور “برامج التدريس ونظام التقويم والزمن المدرسي” لم تتعرض لفحوى هذه البرامج والأساس الذي تقوم عليه، ما يدعو إلى التساؤل: من أشرف على وضع أسئلة الاستشارة؟ وعلى أيّ أساس فكريّ وُضعت؟ هل وُضعت على أساس الإسلام؟ والجواب قطعا لا، فما الذي سيتغيّر إذن؟ من سيشرف على تنفيذ مُخرجات الاستشارة؟ أليست هي المجموعة العلمانيّة ذاتها التي تُقدّس الغرب تقديسا، التي أشرفت على تنفيذ “الإصلاحات” السّابقة، وهو ما يؤكد أنّ عملية الإصلاح لن تخرج عن عملية ترميم وترقيع للمنظومة التعليمية السابقة في إطار المبدأ الرأسمالي العلماني الحداثي الذي لم ينتج في تونس إلّا العقم والفشل. 

أيّها المسلمون في بلد الزّيتونة أعرق جامعات العالم:

لا شك عندنا أنّكم ترغبون في رؤية نهاية أنظمة التعليم العلمانية الحداثية الفاشلة في بلادنا الإسلامية، وتتشوّقون لنموذج تعليم مشرق، وإننا في حزب التحرير ولاية تونس نقدم لكم نظاما تعليميا من الطراز الأول، ينهض بالمجتمع ويصنع حشدا من القادة والعلماء والمفكرين والمبدعين، وهو مفصل في مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير وفي كتابه “أسس التعليم المنهجي في دولة الخلافة” سواء من ناحية الأهداف والمناهج الدراسية أو من ناحية طرق التدريس وأساليبها، وقد تم تبنيه استنادا للأدلة الشرعية، ومن أهم مميزاته:

  • أنه نظام تعليمي يستند إلى سيادة الشرع وسلطان الأمة دون غيرهما، فلا تعبث بمناهجه الدوائر الغربية، ولا ترسم أهدافه نخب علمانية حداثية منبتّة عن الأمة، بل توضع السياسات التعليمية وأهدافها وفق منهجية تحافظ على هوية الأمة وعقيدتها الإسلامية لتخريج شخصيات إسلامية بعقلية ونفسية إسلامية، وإعداد أبناء المسلمين ليكون منهم العلماء المختصون في كل مجالات الحياة، كالعلوم الإسلامية (من اجتهاد وفقه وقضاء وغيره)، والعلوم التجريبية (من رياضيات وإعلامية وكيمياء وفيزياء وطب وغيره).

  • أن الأساس الذي يقوم عليه منهج التعليم هو العقيدة الإسلامية فتوضع مواد الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي لا يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس. ومعنى جعْلِ العقيدة الإسلامية أساساً لمنهج التعليم هو أنّ المعارف المتعلقة بالعقائد والأحكام يجب أن تنبثق من العقيدة الإسلامية لأنها إنما جاءت بهما، أما المعارف غير المتعلقة بالعقائد والأحكام فإن معنى جعْل العقيدة الإسلامية أساساً لها هو أن تُبنى هذه المعارف والأحكام على العقيدة الإسلامية، أي أن تُتخذ العقيدة الإسلامية مقياساً، فما ناقض العقيدة لا نأخذه كالقول بأن أصل الإنسان قرد، وما لم يناقضها جاز أخذه كعلوم الطب والفيزياء والرياضيات وهكذا.

  • أما النقطة الثالثة الجوهرية: هي وجود نظام الخلافة، وهو نظام سياسي من الطراز الأول؛ فنظام الخلافة له رؤية سياسية واضحة ومستقلة، يجعل من التّعليم مصنعا لرجال دولة من الطّراز الرّفيع وتربة خصبة تنتج شخصيّات قويّة تتطلّع للقيادة ولا ترضى بالتّبعيّة المهينة. فدولة الخلافة ستولي قطاع التعليم اهتماما خاصا، ويرجع ذلك بالأساس إلى أنّ الإسلام يعدّ العلم والإيمان توأمين، وأنّ التعليم من الحاجات الأساسية للجماعة التي يجب على الدولة توفيرها مجانا وبأعلى مستوى إلى جانب الرعاية الصحية والأمن، كما تضمن إشباع الحاجات الأساسية من مأكل ومسكن وملبس لكل فرد من أفراد الرعية. لذلك فإن دولة الخلافة ستعيد هيكلة أولوياتها وفقاً للأحكام الشرعية، لتسريع التقدم العلمي، وسوف ترصد عوائد ضخمة من الملكية العامة وما تحت يدها (مثل المعادن والطاقة والزراعة والثروة الحيوانية) وغيرها، من أجل بناء نظم فرعية تدعم قدرتها في التمكن من أعلى مستويات المعرفة، ومن أهمها.

أولا: بناء نظام تعليم يقوم على رؤية شاملة من المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية إلى التعليم العالي بحيث يتم الارتقاء بالشخصية الإسلامية لتصبح قائدة في حراسة القضايا المصيرية للأمة وخدمتها والقدرة على وضع الاستراتيجيات، وبذلك ينشأ جيل يمزج بين الصفة القيادية وإخلاص المؤمن، ويتمتع بمجموعة متنوعة من المهارات ومجالات الخبرة التي تحتاجها الأمة في معترك الحياة.

ثانيا: بناء نظام البحث والتطوير، للقيام بالبحث والاختراع والتطوير في تكامل بين الجامعات ومراكز البحوث التابعة للدولة، بحيث تكون كلها تحت إدارة الدولة إشرافا وتشجيعا وتمويلا.

ثالثا: بناء نظام صناعي استراتيجي يدار بشكل مستقل من قبل الدولة، لتطوير القدرات العسكرية بالوسائل الحديثة وتوفير الحاجات الأساسية للأفراد. وتشكيل سلاسل صناعية متكاملة من الصناعات الثقيلة مع إشراف الدولة عليها وتأمين كل الإمدادات اللازمة لهذه الصناعات بما في ذلك المواد الخام، والتكنولوجيا، والخبرة، والهندسة، والتمويل. 

أيّها المسلمون:

إن نظام الخلافة الذي يتبنى وجهة نظر الإسلام المتميزة عن التعليم قادر اليوم أن يؤسس نظاماً تعليمياً نموذجياً من الطراز الأول، نظاما يمزج بين طلب العلم والوفاء بالقضايا الحيوية ومصالح الدولة والأمة على حد سواء، ويضمن في الوقت نفسه الاكتفاء الذاتي في كل ما تحتاجه الأمة؛ ما سيضع حداً لهذا الانفصال بين أنظمة التعليم في بلادنا واحتياجات مجتمعاتنا الصناعية والزراعية والتقنية وغيرها وهو الأمر الذي أدى إلى الاعتماد على الدول الأخرى. وهذا، إلى جانب الاستثمار المكثف لدولة الخلافة في مجال التصنيع لاستيفاء احتياجات المجتمع بشكل مستقل ولجعل الخلافة قوة عالمية عظمى، ما يمكّن الدولة من الاستفادة من مهارات أبناء الأمة المتميزة وعقولهم لتطوير الدولة، بحيث لا يتم إهدار طاقاتهم الثمينة أو أن تقوم الدول الأجنبية بسرقتها.

فسارِعوا أيها المسلمون إلى وضع هذا النموذج الرائع موضع التطبيق والتنفيذ بالتلّبس فوراً بما أوجبه الله عليكم من العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة إذ هي العلاج الشرعي الوحيد لكل قضاياكم.

قال الله تعالى:)الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(.

18 جمادي الأولى 1445 الموافق لـ02نوفمبر2023 حزب التحرير/ ولاية تونس

CATEGORIES
Share This