وضعت الحملات الانتخابية أوزارها وانقشع نقعها ولم يبق من أثارها سوى صدى الجلبة التي أحدثها الراكضون نحو قصر قرطاج وكرسيه الوثير يتردد في الأرجاء يتصيد صوت هنا وصوت هناك. خفتت أضواء وسائل الإعلام المسلطة على المتسابقين ووعودهم وبرامجهم التي اعتبرها الكثيرون افتراضية ولا أساس لها استنادا إلى محدودية صلاحيات الرئيس وانحصار مهامه في مسائل لا تتعدى أصابع اليد الواحدة لهذا رأينا كل رئيس مفترض يحاول الالتفاف على هذا العائق بحشر كل القضايا في زِقّ الأمن القومي الذي هو من أوكد مهام الرئيس. فالتعليم والصحة والفلاحة والصناعة وحتى الحفر في الطرقات جعلوها من الأمن القومي وبالتالي هي من مهام الرئيس وكل ما وعدوا به ليس من باب المغالطة أو الضحك على الذقون كما يتهمهم الصائدون في الماء العكر ولو أنهم ومنتقدوهم هم الماء العكر ذاته. وهناك من تجنب وضع كل الأشياء في سلة الأمن القومي ولوح بتعديل الدستور في صورة جلوسه على كرسي الرئاسة من خلال دعوته إلى استفتاء حول منح الرئيس نصيبا أوفر من الصلاحيات كان الدستور الحالي سحبها منه وفي كلتا الحالتين سواء الأولى أو الثانية الغاية هو إضفاء المصداقية على ما وعود اللاهثين خلف كرسي الحكم وانتزاع اقتناع الناخبين ببرامجهم ومن ثمة اصطياد أصواتهم يوم التوجه إلى الصناديق. وما يعنينا في هذا كله هو هل ما جادت به حملات المترشحين للرئاسة وعدا حقا أم شيء يناقضه تماما؟ وهل هم صادقون في ما قدموه للناس أم هي مجرد دعاية ما تلبث أن تتلاشى فقاقيعها فور الانقضاض عن الغنيمة؟ أسئلة لا تطلب الإجابة عليها الكثير من العناء. فهي معلومة بداهة منذ أن منح الاستعمار الوكالة ل ” بورقيبة” لبناء ما يسمى بدولة الاستقلال أو ما بات يعرف ب” الجمهورية الأولى” واليوم هاهم يبشروننا بأننا نعيش في رحاب “الجمهورية الثانية” ومن بين بشائرها ما سمعناه من الشركاء المتشاكسين أثناء حملاتهم الانتخابية الذين أجمعوا على أمر واحد وهو تقديم الوعود والتي هي في الوقت ذاته وعيد وتوعد. وعود للمسؤول الكبير ووعيد لنا وتوعد.
الوعيد الأولوالأكبر
لم يفوت أي متهافت على كرسي الرئاسة أدنى فرصة تتاح له إلا وعبر عن عزمه وحرصه على محاربة الإسلام والتصدي لكل من يحمل أفكاره ومفاهيمه ويعمل على وضع أحكامه موضع تطبيق، وجعلوا من الفرية التي ابتدعها شياطين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مطية ليحولوا دون وجود الإسلام في الحياة وفصله عنها كليا.فأمريكا وأشياعها جعلوا للإسلام تسميات وأصناف عدة أخطرها حسب وساوسهم هو الإسلام السياسي والحال أن محمد صلى الله عليه وسلم جاء بإسلام واحد لا ألوان لا تصنيف فيه هو عقيدة ينبثق عنه نظام فيه معالجات لجميع مشاكل الحياة أما السياسة فهي جزء منه يضبطها حكم شرعي شأنها شأن باقي المسائل. وما تصنيفهم ذاك إلا لعرقلة العمل على أيجاد دولة تحمل الإسلام إلى الخارج وتطبق أحكامه في الداخل والحيلولة دون قيامها ليخلوا لهم العالم ويتحكمون في مصائر الشعوب حسب ما تمليه عليهم أطماعهم ومآربهم. لم يقدروا على مواجهة الإسلام بوصف مبدأ وعجزوا عن محاججة أفكاره مفاهيمه أختلقوا هذه التصنيف بعد أن عرفوا السياسة بأنها كذب ونفاق وتجاوز للقيم الفضلى وهي عكس الدين وخاصة الإسلام الذي قالوا انه قائم على السماحة والتسامح ونحو ذلك،لهذا لا يجوز تدنيسه بالسياسة والمكان الوحيد لتطبيق الإسلام هو دور العبادة التي يعملون على تحييدها وإبعادها عن الخوض في الشأن العام باعتبار الخوض فيه من المدنس والإسلام مقدس ولن يقبلوا بتدنيسه بأي حال من الأحوال. لكن العكس هو الصحيح فتغييب الإسلام عن الحياة يجعل كل شيء مدنس وكل ما يسنونه من قوانين وتشريعات رجس وشر مستطير لهذا فوعدهم بمحاربة الإسلام أو ما يسمونه هم بالإسلام السياسي هو وعيد وإنذار بسوء المآل وما نعنيه اليوم من ضنك مرده صدهم عن سبيل الله وتعطيلهم لأحكامه وتغييبها
الوعيد الثاني
بجرعات زائدة من الحماس يتحدث كل متهافت وطامع في كرسي الرئاسة عن التزامه في صورة تسلله إلى سدة الحكم باحترامه المطلق للمواثيق الكونية وتنفيذه للقانون الدولي بحذافيره دون زيادة أو نقصان وأنه سيصون العهود والاتفاقيات المبرمة بين تونس وباقي الدول لاسيما الاستعمارية منها وأذرعها المتمثلة في المنظمات الدولية يتقدمها صندوق النقد والبنك الدوليان. والقانون الدولي هذا لا يعد كونه مصيدة نصبتها القوى الاستعمارية ليقع في حبائلها الضعفاء والأغبياء ويبذل الخانعون والخونة الوقوع فيها و يذرفون الدموع إن لزم الأمر على أعتاب كل مسؤول كبير ليتفضل عليه بالوقوع في تلك المصيدة لأنها بالنسبة إليهم عز وفخر وعنوان للتقدم ويشعرون وهم مقيدون بشراكها بنخوة احترام علوية القانون وفي المقابل هي عصا تلوح بها القوى الغاشمة في وجوه الشعوب التي ترنو إلى الانعتاق من ربقة النظام العالمي و التخلص من شروره أما المواثيق الكونية لتي عبر المتهافتون عن استعدادهم لتضحية بكل غال في سبيلها فهي مواثيق تناقض أحكام جملة وتفصيلا من أبرزها الشذوذ الجنسي والمساواة التامة بين المرأة الرجل وعدم تجريم المجاهرة بالفاحشة وكل ما هو متعلق بوجهة نظرة الغرب للحياة ونمط عيشه. المتهافتون وعدونا بهذا وهم في الحقيقة يتوعدوننا لأن كل ما يخالف عقيدتنا أو لم ينبثق عنها يعني وبصفة آلية أننا سنبقى ولفترة طويلة بين مطرقة المسؤول الكبير وسندان أذياله منهم من يتهافتون اليوم على الرئاسة لخدمته هو وإذلالنا نحن وهاهم يتوعدوننا.