🔹 كانت تونس عضوا في المنظمة العربية للدول المصدّرة للنفط OAPEC، ولكنها صارت بفضل العملاء دولة مستوردة للنفط منذ أكثر من 20 سنة إذ تستورد من أرضها المنتجة حوالي ثلثي احتياجاتها من الطاقة ونصف استهلاكها من الغاز.
🔹 جميعنا يعلم مدى جاهزية تونس لإنتاج وتصدير الغاز الطبيعي والنفط خاصة بعد الإعلان عن مشروع حقل “نوارة” الذي يعتبر الأكبر حجما في قيمة الاستثمارات حيث بلغت قيمته الاستثمارية 1.25 مليار دولار.
🔹 منذ أيام قليلة وتحديدا يوم 16 أفريل 2020، تحدث رئيس غرفة التجارة التونسية البريطانية مهدي بن عبد الله بوصفه مديرا سابقا في شركة بريتش غاز (شال حاليا) ضمن حوار مباشر عبر تطبيقة “زووم” حول أزمة الكورونا، عن ضرورة استغلال وضعية هبوط أسعار النفط في تونس بزيادة عدد صهاريج التخزين، وقد تحدث من قبله المدير السابق لشركة بتروفاك البريطانية في تونس “عماد درويش” عبر قناة التاسعة يوم 17 مارس 2020 بشكل كاريكاتوري زاعما أنه لا يمكننا الإستفادة من وضعية هبوط أسعار النفط المتوقعة نظرا لعدم قدرتنا على تخزين النفط في تونس وامتلاء كل الصهاريج الموجودة لدينا.
🔹 هذه التصريحات المتناقضة ظاهريا تأتي تزامنا مع مشروع توسيع ميناء الصخيرة البترولي الذي سبق وأن تحدثنا عنه بشيء من التفصيل، ضمن مشروع طاقي أكبر يعد لكامل شمال إفرقيا. وأشرنا إلى علاقة شركة “ترابسا” بالموضوع ومدى ضبابية الأرقام المعلن عنها رسميا من قبل السلطة في تونس، فيما يتعلق باحتساب كميات الإنتاج بصفة عامة والكميات المصرح بها من قبل “ترابسا” بصفة خاصة.
🔹 اليوم 20 أفريل 2020، تصدر وزارة الطاقة بيانا رسميا تحت عنوان: حول عدادات الإنتاج: هل يمكن سرقة النفط في تونس؟
ومن أهم ما جاء في هذا البيان الغريب في توقيته وأسلوبه الحريص على ادعاء الشفافية:
” إن شركات النفط لا تملك علاقة مباشرة مع المشترين ولا نقاط بيع أو شحن بل تسلم إجباريا منتوجها إلى خزانات الدولة في الصخيرة التي تشبه بنكا لإيداع الإنتاج، وهذه الشركات تمتلك عدادات خاصة بها تعطي قيمة تقديرية لأن ما يتم استخراجه هو خليط من النفط والغاز والماء والوحل يذهب إلى خزانات ترسيب.
ومن هذه الخزانات تبدأ العملية حيث يسلك النفط الخام أو الغاز نحو الاستهلاك المحلي أو التصدير مسلكا يستحيل فيه سرقته أو التفويت فيه أو التلاعب بكميات الإنتاج كما سنبينه”
ثم أضاف البيان “تتم عمليات النقل عبر أنابيب مؤسسة عمومية هي ترابسا أو الشاحنات الصهاريج، وهنا تملك الدولة عداداتها الخاصة بها لاحتساب كميات النفط الخام وهي عدادات جبائية تجارية مستقلة خاضعة للتعيير والمراقبة الدورية والتشميع من خبراء المعهد الوطني للمترولوجيا”.
🔹 قد يتطلب الرد على بيان اليوم تقارير مفصلة تنسف ما جادت به قريحة الوزارة التي تداول على تمثيلها (لا تسييرها) عدد لا بأس به من الوزراء بعد الثورة، أين تم اغتيال الشفافية وتفريق دمها على قبائل التعديلات والتحويرات داخل الوزاة المليئة بالأسرار، ليس آخرها إلحاق صفة “الإنتقال الطاقي” لها، بما يوحي بأن مسار هذا الإنتقال جاهز في ذهن واضعيه ولا يتطلب ذلك إلا احتكار هذا المسار واقتسام الأدوار بين الناهبين الحقيقيين وموظفيهم الأوفياء من أشباه خبراء الطاقة الذين يقولون نصف الحقيقة لصالح أسيادهم، ويقبضون الثمن في الكواليس مقابل السكوت عن النصف الآخر، وأحيانا مقابل إغراق الناس بتفاصيل حول قضايا فساد في مجال الطاقة، تخدم الجهة التي تريد تصفية خصومها في هذا المجال.
أما السيد الوزير الحالي منجي مرزوق، فهو من أكثر المدافعين عن استخراج الغاز الصخري الذي تطالب شركة “شال” بالمضي قدما في استخراجه، وحضوره في القمة السنوية الأخيرة للغاز والنفط يؤكد ذلك، فضلا عن جهوده في هذا الملف خلال استلام نفس الوزارة في وقت سابق.
🔹 وبالعودة إلى الرد على بيان الوزارة، حسبنا في هذا السياق أن نذكر الجميع بجزء بسيط مما ورد في تقرير الفساد المالي لهيئة الحقيقة والكرامة في ديسمبر 2018، حيث جاء فيه ما يلي:
لم تخضع 4 خزانات من جملة 15 خزانا للنفط الخام لعملية التحقق الدوري. وقد تراوحت مدة تجاوز صلوحية شهادة التحقق الدوري بين 11 و15 سنة للخزانات المذكورة.
ولوحظ كذلك أن شركة Trapsa تتولى ضبط الكميات المنقولة من النفط من قبل حريفين عبر أنبوبهما الخاص إلى قاعدة الصخيرة والملخزنة لدى الشركة، باعتماد عدادات قيس أحجام السوائل غير الماء لم تخضع لعملية التحقق الدوري المذكورة.
ومن شأن هذه الإخلالات أن تؤدي إلى عدم احتساب كميات النفط بالدّقة المطلوبة وإلى فوترة كميات تقّل عن الكميات الحقيقية. وبينت الشركة في إجابتها ” أنها قامت بمراسلة الحريفين المعنيين، وهما بصدد شراء التجهيزات الضرورية.”
كما تبين أن حسابية المواد في موفي سنة 2010 لم تكن شاملة لكل الكميات الراجعة إلى Trapsa من النفط الخام، حيث لم يتم إحتساب حصتها من مكثفات حقلي مسكار وصدربعل ومن النفط من نوع “رمورة”…
نكتفي بهذا القدر، وهذه الإشارات العابرة التي تؤكد أن أمر الطاقة في تونس ليس بأيدي أهل البلد وأن استعادة الثروات هو أمر مستحيل عقلا وشرعا في ظل النظام الرأسمالي العلماني في تونس، وسيكون لكل حادث حديث بإذن الله.