هلّا آن الأوان لتنتفض المرأة الفلاحيّة في الريف؟
مع الفجر والفجر لا يشعر.. راقبتها إلى أي تعبُر, قبل انبلاج الصباح؟ إلى أين هذا المسرى المبكر؟
هكذا تستفتح المرأة الريفية فصولا من المعاناة والمكابدة الملازمة لجسدها المنهك طوال النهار.. فلاحات شابات وأخريات متزوجات تغادرن منازلهن من قبل شقشقة الضوء ولا تدري الواحدة منهن هل تعود الى مسقط راسها ام يتخطفها الموت في الطريق.
حياة شاقة, ورعب ورهبة يصاحبانها من أن تطأ قدماها تلك الشاحنة المتهرئة التي ستنقلها وزميلاتها إلى مصيرهن المحفوف بالمخاطر, فتتسارعن إليها باندفاع برغم ما تبدو عليه الشاحنة المكشوفة من عطب, فمبلغ همهن هو الظفر بمكان عليها حتى لا تفوتها عروض الشغل البسيطة وتمضي الساعات الطوال في جني الزيتون أو جمع الفلفل أو وما يقسم الظهر من عمل يطول الانحناء فيه لساعات متواصلة على مدى حصتي النهار بفاصل صغير للفطور.
أعمال مضنية يحملونها ويستحملونها دون مبالاة ببرد الشتاء القارص وأمطاره ولا قرّ الصيف وشمسه الحارة, مقابل مبلغ زهيد لا يتعدى عدد أصابع اليد, دنانير لا تسمن ولا تغني من جوع أفواه صغار مفتوحة ولا تحقق ابسط أحلامهم في مواصلة تعليمهم او لباس يقيهم شر تقلبات الطقس.
تبدأ قصة معاناتهن منذ أن تطأ أقدامهن الشاحنة أو وسيلة النقل, حيث يعمَد السماسرة وأصحاب وسائل النقل الى سكب المياه او فضلات الحيوانات في العربة لإجبار النساء على البقاء واقفات لنقل اكبر عدد ممكن منهن, ويا ويل من تبدي امتعاضا أو استنكارا, فهي مهددة بالطرد أو الإنزال, ولا يتورع صاحب الشاحنة عن دفع الراكبات ليتيسر له غلق الباب مما يتسبب لهن الكثير من الاحراج والسخط على فقرهن وكرامتهن المداسة…
مظالم كثيرة تتعرض لها المرأة الريفية واستهانة كبرى بإنسانيتها وكينونتها, فالمعاملة التي تتلقاها وكأنها “عبدة” في سوق النخاسة تهضم حقوقها وتمس كرامتها من قبل رؤساء الأموال وأرباب الأعمال تحت مرأى ومسمع الدولة المصانة دون أن تحرك ساكنا أو تضع حدا لهذا التجاوز الخطير والاستغلال المشط في حق أولائك النسوة الكادحات, حتى الأجر الذي تتقاضاه لا يصلها كاملا ليبقى “للمستكرشين” وسماسرة العرق نصيب منه..بلا رقيب ولا حسيب.
هذا هو حال المرأة في الريف.. لا تُعطى حتى ربع أجرها مقارنة بأجر الرجل وثقل الأعمال التي تحمل على عاتقها, والغريب العجيب في حال النخبة المتسلّقة المتملّقة في هذه البلاد تراهم يتشدقون بحقوق المرأة ومكانتها في تونس ليلا نهارا على المنابر وفي الساحات أمام القريب والبعيد فاتحين عينا على المرأة المقربة من أرباب المال, مغمضين أخرى عن العاملة الكادحة مهضومة الجانب
أليست هي ذاتها المرأة التي يتحدثون عنها أم أن المرأة الريفية ونصف المليون عاملة في القطاع الفلاحي ليست ضمن حساباتهم, أو هي مجرد رقم لا يبرز إلا في مناسباتهم الانتخابية وما عدى ذلك فلتبقى في غياهب النسيان بعيدة عن مقولات “المرأة الفاعلة” و”المرأة نصف المجتمع” و”المرأة الحرّة”… تتجرع ألوان الذل والمهانة تعيش واقعا مُعَتَّما لا يصله ركب النور.
كل المنابر التي تتخذ من ذكر المرأة وسيلة لاستدرار الأموال, وأصحاب الإعلام المحايد حدّ لا يهتم إلا بالمرأة “الحداثية” والتي تجلب لمشاهديها “الامتاع” ليضخوا المزيد من الارباح ..
تستخدم الكاميرات لأجل الجمال المسبوغ بالألوان البراقة الفاتنة.. ولأجل الرقص والغناء والأجساد العارية والمشاهد المحِطّة بصورة المرأة وكينونتها تصرف الدولة الأموال الطائلة وتُطنِب في الاهتمام وجلب الانظار..
أما “الغلبانة” المتدثرة بثياب بالية والمنكبة من الفجر حتى المغيب على وجهها في حقول الشرف والكدّ لتسد الشيء الزهيد من حاجياتها وحاجيات أسرتها, وتوفر الأمن الغذائي لبلدها.. بينما تمتلئ هي وجعا وألما من رأسها حتى |أخمص قدميها.. فهم ينظرون إليها نظرة دونية ويسدلون الستار عن واقعها المرير…
فهلا آن الأوان لهؤلاء المعذبات في الأرض أن ينتفضن من حالة الخضوع والخنوع والصمت, وتخرجن من مناطق المنسيّات, فتطالبن بحقهن الذي اقره رب العباد من غير منة ولا فضل من احد, وتثرن عن كل الذين استغلوا ضعفها واهانوها فهي درة مكنونة وعرض يجب ان يصان.
نزيهة بن سالم