هل تنفع الرقمنة والذكاء الصناعي زمن الغباء السياسي للحكومات؟

هل تنفع الرقمنة والذكاء الصناعي زمن الغباء السياسي للحكومات؟

مقدمة

كثيرا ما صارت الحكومات تحدثنا من حين إلى آخر عن أهمية التطوير والعصرنة وعن ضرورة اعتماد الرقمنة والذكاء الصناعي في سياساتها من أجل تحديث الإدارة وتطوير التعليم وإحداث نقلة نوعية في مختلف المجالات مواكبة للتغيرات العالمية واستجابة لما فرضته العولمة التي ارتمى الجميع في أحضانها من تحديات جدية تفرض على الحكومة تحقيق تلك القفزة التكنولوجية التي تمكنها من تسريع آدائها الحكومي ورفع نسب النموّ فضلا عن تيسير الخدمات للناس وتوفيرها بأسرع السبل وأنجعها.

شعارات تشد العقول وتلهب القلوب وتبهر السامعين والناظرين، ولكنها على أرض الواقع ليس لها أي صدى في ممارسات الحكومة التي يبدو أنها أدمنت الغباء السياسي. فهل ستنفع الرقمنة والذكاء الصناعي، في أنظمة لا تملك من أمرها شيئا بل تسير بجهاز التحكم عن بعد؟

الشاهد، نحو الإقلاع الاقتصادي…

أكد رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، في وقت سابق أن سنة 2017 ستكون سنة الإقلاع الاقتصادي لتونس. في الثامن والعشرين من شهر مارس لسنة 2018، أعلن يوسف الشاهد ضمن افتتاح الدورة الثانية لقمة تونس الرقمية عن تحديد موعد 16 أفريل من نفس السنة للانطلاق في استخراج مضامين الولادة عبر الأنترنت مجانا، واستخراج مضمون السجل التجاري عبر الانترنت وبواسطة وسائل الدفع الالكتروني للقضاء نهائيا على الطوابير وتسهيل الخدمات الإدارية لأبناء الشعب.

كما أعلن خلال نفس المداخلة عن اختيار نفس هذا الموعد للانطلاق في تحويل الأموال عبر الهاتف بين مختلف الحسابات البنكية والبريدية مهما كان مشغل الاتصالات ومهما كانت المؤسسة المالية بنكا أو بريد وستعمم حسب زعمه في موفى شهر جوان 2018 على كل المعاملات التجارية اليومية مما سيمكن من تقليص التعامل بالأوراق النقدية. هذا فضلا عن عدة وعود أخرى تكرس واقع نظام الربا المصرفي، بقيت جميعها بعد عامين كاملين مجرد حبر على ورق بل صارت محل تندر الخاصة والعامة ليتضاعف عدد طوابير الانتظار أمام مراكز البريد زمن انتشار الوباء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

طبعا المشكلة ليست في شخص يوسف الشاهد وإن كان طيّعا أمام أسياده، بل في طبيعية النظام الذي يستجلب أمثاله للحكم، ليُسيل الاستعمار لُعابه ببضع وعود زائفة ويُدغدغ مشاعره بعناوين خادعة وجذابة، تجعله يصدق الوهم ويخوض معارك بطولية ضد طواحين الهواء ظنا منه أنه يحسن صنعا. وقد دأب شياطين الإنس من أرباب الرأسمالية القيام بهذا الدور في نصب الفخاخ وإغراء من يدور في فلكهم ويقع في حبائلهم. قال تعالى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا.

الفخفاخ، عدول عن الإقلاع وبحث عن الطريق…

صحيح أن الله قد ابتلانا بحكم الصبيان والرّويبضات، ولكن إلياس الفخفاخ، كان أشد وضوحا ممن سبقه، فهو لم ينخرط في إطلاق وعود الإقلاع الاقتصادي كما فعل سلفه، وإنما اعتبر بأنه لا يمكنه الحديث عن الإقلاع في عهده،وإنما مجرد وضع البلاد في الطريق الصحيح سيكون إنجازا يحتسب له، ضمن اعتراف صريح ومباشر بجوابه للمقيمة العامة البريطانية التي استطاع كسب رضاها.

ولما ابتلانا الله بوباء الكورونا فضلا عن بلاء الحكومة، فقد طفق إلياس الفخفاخ يجذف هو الآخر في بحر الوعود الزائفة، حيث التصنيع والتكنولوجيا والذكاء الصناعي قد تقدم أشواطا كبيرة مقارنة بما كان عليه الحال في السابق، مما يطرح تساؤلات حول إن كان رئيس الحكومة يدرك جيدا مضامين العناوين التي يرفعها، أم أن العبرة فقط هو بالشعارات والعناوين التي توحي بالتحديث والحداثة.

فقد تولى رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ يوم الثلاثاء 14 أفريل 2020 بقطب الغزالة برواد من ولاية أريانة تدشين الدورة الأولى للمعرض الافتراضي الوطني للعلوم والتكنولوجيا والإبداع للتصدي لفيروس « كورونا » المستجد ويتضمن مختلف المبادرات البحثية والعلمية التي تم تطويرها بكفاءات وخبرات تونسية للتصدي للوباء.

وثمن رئيس الحكومة في كلمة ألقاها بالمناسبة جهود الوزارات المعنية بالبحث والصحة وتكنولوجيات الاتصال والتحول الرقمي وغيرها بوضع إمكانياتها البحثية والعلمية لإيجاد حلول تطبيقية مجددة واستغلال الذكاء الاصطناعي للتوقي من فيروس “كورونا” المستجد مشيرا إلى أهمية هذه المنصة التونسية في المساعدة على إيجاد الاكتفاء الذاتي في مجالات حيوية على غرار الصحة والفلاحة والصناعة وغيرها.

وشدد رئيس الحكومة في جانب آخر على ضرورة توحيد الجهود لمكافحة الوباء والاعتماد على القدرات الذاتية والكفاءات التونسية في الداخل والخارج لإيجاد حلول عملية مبتكرة في المجال الصحي لافتا الى “أهمية أن تكون لتونس سياسة عمومية ذكية ينخرط فيها الخبراء والأكاديميين والطلبة وأصحاب الافكار المجددة والمبتكرة لكسب معركة النماء وتطوير النظم الاقتصادية والاجتماعية في كافة المجالات بدون استثناء”.

هذا ويهدف المعرض الافتراضي الذي انتظم ببادرة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وبالشراكة مع وزارات الصحة وتكنولوجيات الاتصال والتحول الرقمي والصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة بحسب المعلن إلى النهوض بالثروة الفكرية والقدرات التونسية في مجال العلوم والتكنولوجيا والتجديد وذلك بدعم وتشجيع الباحثين والمخترعين وحاملي الأفكار المجددة ومبدعي الحلول التكنولوجية لتقديم المشاريع ذات القيمة المضافة العالية في علاقة بفيروس “كورونا” المستجد القابلة للتطبيق والاستغلال استجابة لحاجيات المجتمع في هذا الظرف الخاص.

بهذه العناوين الكبيرة الخادعة المفعمة بمعاني التعويل على الذات، يقوم وسائل الإعلام نيابة عن الحكومة بحشد الطاقات وشحذ العزائم ليعمل خيرة أهل البلد على عين الاستعمار، فتُسرق الأفكار وتُخترق الأوساط العلمية ويُنتقى الأكفأ والأقدر وتُشترى بعض الذمم بإشراف غربي مباشر، وتبقى دار لقمان على حالها لا قدرة لها على التغيير أو التطوير، إذ كيف لمن لا يعبد الطريق أن يتحدث عن السيارة ذاتية القيادة وأنترنت الأشياء والذكاء الصناعي، اللهم إذا كان يساير الاستعمار في مغالطة نفسه وشعبه؟

هكذا تتحقق السيادة والريادة…

لقد جاءت هذه الحكومات لتؤكد للعقلاء من أهل البلد، أن أنظمة الغباء السياسي والتبعية للغرب لا تنقذها وتصلحها إجراءات الرقمنة والعصرنة واستيراد تكنولوجيات الذكاء الصناعي، بل لا بد من تغيير المنظومة الفكرية والتشريعية لتنبثق من عقيدة أهل البلد، عقيدة الإسلام العظيم، حيث الإحسان والإبداع أمر متأصل نابع من رغبة في تشييد حضارة الإسلام ولا يخضع لإرادة الغرب ولا يقف عند شروطه وحدوده.

إن الحديث عن السيادة والريادة، لا يمكن أن يكون تحت سقف نظام صنعه الاستعمار على عينه، ليختار فيه حكامه ومسؤوليه الصغار، بل لا بد أن يكون ذلك ضمن إرادة الأمة وسلطانها، وأن تحتضنه دولة تفجر الطاقات وتحرص على تخير الكفاءات في المواقع الهامة وعلى دعم البحث العلمي والتصنيع والتطوير لراب الصدع الذي خلفته الأنظمة الحالية، وتضييق الفجوة العلمية الرهيبة التي خلفها التسول على أعتاب الأمم الأخرى بأسرع وقت ممكن، حتى نضمن الاكتفاء الذاتي ونحقق الأمن القومي، ولا يكون ذلك إلا بدولة الخلافة الراشدة التي وعدنا بها رب العالمين وبشرنا بها المصطفى الكريم صلوات ربي وسلمه عليه إلى يوم الدين.

المهندس وسام الأطرش

CATEGORIES
TAGS
Share This