هل ستنتصر ثورة الشام؟!

هل ستنتصر ثورة الشام؟!

لا شك أن ثورة الشام التي انطلقت من مساجدها منذ أكثر من 6 سنين، مرت بتطورات ومنعطفات خطيرة وحُملت في مسيرتها الطويلة الكثير من الأفكار والأفكار المضادة والتي شوشت على الثوار أو رسمت لهم مسارات متناقضة عدة – حيث لم يتفقوا منذ البداية على مسار واضح محدد المعالم – فكان من الطبيعي جداً أن تتخذ الثورة مسارات عدة؛ منها ما هو صادق النية ولكنه طائش اكتفى بشعارات عاطفية رنانة، ومنها المخادع المضلل العميل للنظام الدولي، ومنها المسار الصحيح الذي يحقق النصر الحقيقي للثورة والذي إلى الآن لم يلق دعماً كافياً بل يتم تغييبه وتهميشه والمؤامرة عليه، لهذا كنا نرى في مسار الثورة حالات من المد والجزر؛ فتأتي أوقات يشعر فيها الناس أن النصر قريب بل قاب قوسين أو أدنى، وتأتي أوقات أخرى يسلم فيها الناس بهزيمة الثورة ونصر الطاغية عليها وهكذا.

أما الآن وفي ظل التطورات السياسية والميدانية والمحاولات الحثيثة من دول العالم أجمع للقضاء على الثورة في خطوات متسارعة من شأنها أن ترسخ الهزيمة النفسية في القلوب وتبث اليأس والقنوط وتقتل كل أمل وتفاؤل في قلوب الثوار أو من راودته نفسه بالتحرر والاستقلال من التبعية الحضارية للغرب الكافر، خطوات كان آخرها “وقف برنامج دعم المعارضة السورية المعتدلة”، سبقتها مواقف في السياق نفسه من قادة العالم الغربي ومحاولات النظام الدولي إنعاش النظام السوري وتعويمه على جميع المستويات، ولا ننسى الغربة التي بات يعيشها الثائر الصادق في ثورته وتصدر الانتهازيين وأمراء الحروب للمشهد السياسي والعسكري، إن هذا وغيره يرخي بظلاله الثقيلة ضارباً شعوراً عميقاً باليأس والإحباط في قلوب الناس فيسألون سؤالاً: هل ستنتصر ثورة الشام؟! هل ما نراه اليوم من تهجير وقتل وتدمير وخراب والانتصار العسكري للنظام وفوق كل ذلك فصائل تأتمر بأمر الداعم بل وتتآمر مع النظام واقتتال مرير بين المسلمين وغيره، هل ما نراه مؤشر على نهاية الثورة؟!

نقول لمن تسللت إلى نفسه الهزيمة واليأس حتى اختلطت عليه المسائل: إن النصر له معيار أساسي هو تحقيق الهدف أو الغاية التي تعمل الجماعة للوصول إليها؛ فمثلاً عندما نعلم أن قوى الاستعمار في العالم تريد من هذه الأمة أن تتخلى عن دينها وعقيدتها وأن تستبدل بها مناهج علمانية تنفي العبودية والخضوع لله وتكرس العبودية للغرب وأفكاره، فعندما نعلم أنهم لم يستطيعوا طمس عقيدة الأمة حتى بعد الاستعمار المباشر وسقوط دولة المسلمين فنقول إن هؤلاء قد انهزموا في المعركة؛ معركة المبادئ، معركة الحق مع الباطل، ولكن وفي الوقت نفسه استطاعوا أن ينتصروا في معركة أخرى هي المعركة العسكرية ونهب الثروات وسلب مقدرات الأمة وذلك عن طريق الاستعمار المباشر ومن ثم الاستعمار غير المباشر عن طريق حكام المسلمين العملاء الرويبضات الذين فعلوا في أبناء أمتهم ما كان يخجل الاستعمار الكافر أن يفعله في المسلمين، وهكذا معيار النصر والهزيمة.

أما ثورة الشام فلا بد أن نذكر في البداية السبب الرئيسي لضعف الثورة والثغر العظيم الذي دخل منه أعداؤها واستطاعوا من خلاله ضربها ضربات موجعة، هذا الثغر الذي لطالما عمل حملة الدعوة من شباب حزب التحرير على سده وتنبيه الثورة والثوار على خطره وتقديم الخطط الواعية والدعم الصادق لتحصين الثورة من الانحراف وسد هذا الثغر كي لا تؤتى الثورة منه، ألا وهو غياب الرؤية والمشروع السياسي الواضح الذي يستحق النصر، وبالتالي غياب القيادة السياسية التي تقود الثورة إلى النصر على طاغية الشام وتحصِّنها من أي انحراف أو اختراق وتمنع انزلاقها في أنفاق مظلمة (كان أولها نفق المال السياسي وآخرها نفق الهدن والمفاوضات).

وفي المقابل أيضاً لا بد أن نذكر السبب الرئيسي لقوة الثورة، نقطة القوة والتي استدعت كلاب العالم ومكر شياطين الإنس والجن وعلى رأسهم أمريكا أم الشرور وقد اتخذوا قرارهم بالقضاء على الثورة ووأدها منذ اليوم الأول؛ لما استشرفوه من مستقبلها والذي سيشكل انعطافاً تاريخياً سيضع نهاية للقرن الرأسمالي الأسود ويزيل بلا شك بنيانهم الهزيل وانتفاش الباطل المبني على الاقتصاد الوهمي. إن نقطة القوة هذه هي العقيدة الإسلامية التي اتخذها المسلمون في الشام مرجعية لهم وقيادة فكرية لتحركاتهم مع كل ما يعتريها من تشويش وخلط وإبهام، ولكن تمسك هذه الأمة بدينها وعقيدتها والتي تشكل وحدها البديل الحضاري لمبدئهم العفن بعد سقوط المبدأ الاشتراكي، إن هذا التمسك العجيب بعقيدة الإسلام هو السبب الرئيسي لصمود الثورة وتصدرها لصف أهل الحق في المعركة الأزلية بين الحق والباطل، فشعر أهل الباطل جميعاً أنهم معنيون في هذه المعركة…

وعلى ضوء هذا نجيب على السؤال المطروح فنقول:

إن ثورة الشام طرأ عليها نصر وهزيمة؛ أما الهزيمة فكانت في معارك عسكرية جُرّت إليها الثورة واضطرت إليها بفعل فاعل، وكان الشيطان قد وعدها بالدعم والسند للمواجهة العسكرية وما وعدها إلا غروراً، ولفراغ الثغر الذي ذكرناه سابقاً مع غياب الوعي السياسي وقعت القوة العسكرية للثورة في فخ المال السياسي ومن ثم الهدن والمفاوضات مما سبب الهزائم العسكرية تلو الهزائم، ولأن الفصائل حاولت تحويل الثورة من ثورة أمة إلى ثورة فصائل ظن الناس أن النظام انتصر وأن الثورة انتهت والسلام!

ولكن الحقيقة أن النظام لم يصل إلى هدفه وغايته حتى بعد استرجاع المناطق عسكرياً؛ فالهدف الحقيقي ليس هدفاً عسكرياً، وبالتالي لا نستطيع أن نقول إن النظام انتصر؛ فغاية النظام ومن خلفه أمريكا والمجتمع الدولي هي عودة المسلمين إلى حظيرة الطاعة وتمكين الخوف واليأس من قلوبهم وإجبارهم على التبرؤ من دينهم وعقيدتهم وخصوصاً بعد أن أذاقوهم تجارب سوداء عبر مناهج معلبة أرادت تشويه الدين والعقيدة في قلوب الناس وعقولهم، ولكن ما جرى ينبئ بهزيمة نكراء لأهل الباطل مجتمعين.

أما نحن أيها المسلمون الصابرون المرابطون، فاعلموا أننا حرقنا المراكب وليس لنا عودة عن هذا الطريق إلا إلى الجحيم والعذاب الأليم، فكما يقال (أنصاف الثورات مقابر الشعوب)، فعلينا بسد الثغر وتدارك الأمر فلا زال في هذه الثورة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ومنهم الكثير لا تعلمونهم الله يعلمهم، فلا بد أن نسد هذا الثغر بتعيين قيادة سياسية ترضي الله ولا ترضي غيره وتحمل مشروعاً سياسياً واضحاً مستنبطاً من كتاب الله وسنة نبيه e فنستنزل بذلك نصر الله فنكون أحق به وأهله إن شاء الله.

محمد بيطار

CATEGORIES
TAGS
Share This