هل عادت الأعمال الإرهابية مع السنة الانتخابية ؟
يبدو ان تونس دخلت مبكرا في الأجواء الانتخابية قبل بداية السنة الإدارية الجديدة, كما يظهر ان “بارونات السياسة” بدؤوا بتحريك بعض الدمى في محاولة مبكرة لتحديد محاور الصرع في الحملة الانتخابية كما هو مقرر لها, ولكي يتم إخراج المشهد السياسي المعد سلفا دون أي خروج عن السيطرة.
فبعد ان تم إعادة تحريك ملف الاغتيال السياسي ل”شكري بلعيد” و”محمد البراهمي” بمشاركة واسعة من المنصات الإعلامية المعروفة بولائها للمستعمر الأوروبي ووكلائه في الدولة العميقة , جاءت عملية التفجير الأخيرة بشارع “الحبيب بورقيبة” رغم إخراجها السيئ , لتعكس رغبة واضحة من صناع الإرهاب في محاصرة أي تحركات شعبية غير محسوبة قد تقود البلاد في حال انتشارها الى وجهات غير محسوبة, فكان لا بد من وضع حد للتحركات الشعبية التي أعقبت مقتل الشاب “ايمن العثماني” بنيران أعوان الديوانة والتي بدأت تكبر في الزمان والمكان حتى بلغت شارع “الحبيب بورقيبة” وسط العاصمة.
أجواء انتخابية أم إرهابية
فالأجواء الانتخابية المقبلة في تونس لا يُراد لها ان تكون منبرا للصراع الفكري والطرح السياسي, ولا لتقييم الحالة التي وصلت اليها البلاد كما يحصل عادة في الدول المستقلة ذات السيادة , لأنه لو كان الامر كذلك لتحولت هذه الانتخابات الى محاسبة شديدة للحكام على سياساتهم الفاشلة والتي يشهد عليها انهيار قيمة الدينار, والارتفاع المشط للأسعار, وتفاقم الدين الخارجي, واختلال الموازنة العامة, وزيادة العجز في الميزان التجاري, وتدني الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وضياع هيبة الدولة وسيادتها امام التدخلات الفاضحة والمهينة للسفراء الأجانب في تونس , وهجرة الشباب وخيرة الخبراء و والكفاءات ….. ولو كانت هذه المواضيع هي المتداولة في الحملات الانتخابية لكانت دافعا جماهيريا نحو تغيير هذا النظام السياسي وزمرته العلمانية التابعة والعميلة للغرب , ولكان الاهتمام منصبا عن البديل لإخراج البلاد من التخلف والتبعية والاستعمار والرفع من شان الاقتصاد والخدمات العامة.
لذلك كان لابد من سياسة لمنع التفكير في هذه المواضيع وصرف الاذهان عن هذه القضايا حتى يبقى الهاجس الأمني و”العمليات الإرهابية ” سيفا مسلطا على الرأي العام , ولكي لا يتعدى التفكير موضوع لقمة العيش ولو كانت ملوثة بالذل والاستكانة , ولو تمّت مصادرة بقية الحقوق التي تعارف الناس عليها كحق ابداء الرأي وحق المحاسبة. ولعل تصرّيح المدير العام لشركة “سيغما كونساي” يُغني عن أي تعليق عندما عبّر في إحدى اللقاءات الإعلامية عن استيائه من نتائج سبر للآراء كان فيه الاهتمام بالوضع الاقتصادي والتشغيل متقدما على الاهتمام بالناحية الأمنية , واعتبر ذلك علامة خطيرة وانه يجب أن يكون الاهتمام بالأمن في صدارة مشاغل الناس.
الحصاد الإرهابي
بهذه السياسة التي تعتمد على الاعمال الإرهابية للوصول الى نتائج سياسية وبزرع الخوف والموت الذي تُزهق به النفوس البريئة وتُسال به الدماء الطاهرة تمت إعادة صياغة الدستور إبان أشغال المجلس التأسيسي , وتمّ تغيير الخارطة السياسية في المحطة الانتخابية الثانية سنة 2014 بشكل مختلف تماما عن انتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011, وليس من المستغرب ان تشهد السنة الانتخابية القادمة مزيدا من الاعمال ذات الصبغة الإرهابية لتكون وقودا لوسائل الإعلام التابعة للمستعمر والدولة العميقة لإشعال الراي العام ضد التيار الإسلامي وحركة النهضة , ومحاولة دفع الناخبين نحو تأييد الأحزاب العلمانية وهي الوكيل التقليدي للمستعمر. ولعل الحالة المزرية التي عليها الأحزاب العلمانية من التشظّي والانقسامات الداخلية والسياحة الحزبية والبرلمانية وقضايا الفساد يزيد من حاجتها لإضعاف خصومها بالأعمال الإرهابية لتجنب خسارة انتخابية محتملة كما حصل في الانتخابات البلدية الأخيرة.
إن أزمة النخب العلمانية في تونس هي أنها أصبحت مكشوفة أمام الناس سواء من حيث تبعيتها الفكرية والسياسية للمستعمر , أو من حيث عداؤها لعقيدة الامة والذي طالما حاولوا إخفاءه , وان عزلتهم الفكرية والحضارية عن الجماهير الشعبية هي التي جعلتهم وصولهم الى الحكم مرهونا بدبابة المستعمر او عن طريق الدعم الخارجي السياسي والإعلامي والمالي. وما الاعمال الإرهابية الموقوتة إلا أحد الأساليب الدعم المكشوف التي لم تعد تنطلي على المتابعين للأوضاع في تونس. وسنرى في قادم الأيام كيف سيكون التعامل الشعبي مع المحطة الانتخابية القادمة في ظل استمرار الانكشاف السياسي والفكري لأحزاب الحكم.