…وتتواصل حملات “الشاهد” التضليلية
في فجر يوم الأربعاء قصد الموظف السابق بالسفارة الأمريكية بتونس والرئيس الحالي لما يسمى ب”حكومة الوحدة الوطنية” والملقبة ب “حكومة حرب” “يوسف الشاهد” سوق الجملة ببير القصعة متأبطا مكنسته, وهي سلاحه الفتّاك الذي سيقضي به على الفساد والمفسدين.. هذا السلاح كان قد قدمه للعموم في مفتتح حملته التي عنونها ب “مكنسة لكل مواطن ضد الفساد”, وهذا ما دفعه للاستيقاظ باكرا ومن ثمة مداهمة الفاسدين ومسكهم بالجرم المشهود, لتنطلق بعدها عاصفة التمجيد والإشادة بإنجازات رئيس الحكومة, ذلك البطل المغوار قاهر الفساد والفاسدين , والمحتكرين, والمختلسين, وكل أعداء البلاد والعباد..
لقد كانت زيارة “الشاهد” لسوق الجملة وما ترتب عنها من ملاحقات إذ حجزت الفرق الاقتصادية 12 طن من البطاطا, منها 5 طن بحضور “الشاهد”, فصلا جديدا من مسرحية انطلقت بتشكيل ما تسمى ب “حكومة الوحدة الوطنية” وقد جيء ب “الشاهد” وجوقته من أجل مهمة محددة وهي تنفيذ كل املاءات صندوق النقد الدولي دون زيادة أو نقصان, وحتى يتمكنوا من تمرير إجراءات وصفها هو نفسه بالمؤلمة, وصرف انتباه الناس عن أسبابها، لجئوا إلى الإيهام بوضع الإصبع على مكمن الداء أولا, والشروع في العلاج ثانيا, وكانت البداية باعتقال بعض رموز الفساد والأصح التضحية بهم، وبعدها انتقلوا إلى الفصل الثاني وبدأ الشاهد في “مراطون” الحملات, وآخرها حملة مكافحة الاحتكار. وكما ذكرنا سابقا بمجرد مغادرة رئيس الحكومة سوق الجملة بدأت الأخبار تتواتر عن اكتشاف أماكن تخزين البطاطا والبصل وغيرها من المواد الاستهلاكية الأساسية التي لامست أسعارها عنان السماء ولفح سعيرها الفئات المسحوقة، وبطبيعة الحال انطلق الحديث عن ارتياح الشعب لنتائج الحملة التي أفضت إلى “القضاء على المحتكرين” الذين لم يلتزموا بإتباع مسالك التوزيع الرسمية مما جعل جهود الحكومة المبذولة في تعديل الأسعار تذهب أدراج الرياح, وبالتالي لا تثريب عليها ولا يحق لأحد محاسبتها على ما آلت إليه الأوضاع من تردّي, فالغلاء وتدهور المقدرة الشرائية لم تكن الحكومة هي المتسببة فيه. وكأننا برئيس الحكومة وهو يحاور البائع في سوق الجملة يقول لنا: لا أنا ولا سياسة التداين والرضوخ لاملاءات صندوق النقد الدولي لنا دخل في هذا الغلاء المشط.. الكل يتحمل ما أنتم فيه إلا الدولة فهي من كل ذلك براء, والدليل على صحة قولي تجشّمي النهوض في وقت لا يجوز أن يستيقظ فيه مسؤول عادي في تونس, فما بالك برئيس الحكومة, وها أنا ذا أثبت للجميع أن الدولة قامت بواجبها وقدمت الحجج والبراهين عل تورطكم في غلاء المعيشة وضنك العيش, ومن أجل ذلك صغنا لكم قانون مالية لا يبقي ولا يذر, سيأتي على اليابس, وما تبقى لديكم من الأخضر. وما عليكم إلا تحمل ما وعدكتم به من ألم ومرارة, وحسبي فخرا أنني صارحتكم منذ أول إطلالة لي تحت قبة البرلمان.. نعم هذا ما تنطق به تحركات الحكومة خلال محاولاتها الكاذبة لمعالجة كل مشكلة, فهي تسارع مع كل كارثة إلى ذاك الحل السحري: ” تشكيل لجان”, وتهرع مع كل تجاوز من منظوريها إلى فتح تحقيق. والنتيجة دوما تمييع القضية إلى أن تضمحل وتتلاشى. كذلك هو الشأن بالنسبة للحمالات التي يقوم بها رئيس حكومة الحالي -المعلن في الإعلام فقط- وهو في هذا المجال أخذ المشعل على المخلوع ” بن علي” الذي أرهب العقول والعيون بزياراته الفجائية والتحامه بالطبقات السفلى, ورصده للتجاوزات والخروقات من قبل الموظفين والمسئولين, مع إبراز غضبه وعدم رضاه عن الإهمال الذي تمكن من معاينته شخصيا وبشكل مباشر، وفي الأخير أفاق الناس على حجم الفضاعات التي ارتكبها “بن علي”. ورغم الكم الهائل من الزيارات الميدانية التي قام بها إلّا أنه في النهاية قال “غلطوني”.. ونفس الشيء فعله “بورقيبة” الذي يعد “رائد الزيارات الميدانية”, حيث جاب البلاد من شمالها وجنوبها, وها هي الآن تعاني الويلات شبرا شبرا, وها إن الأمطار تكشف في كل المرة أن هذه الدولة التي لها من العمر ستة عقود تقتصر كل انجازاتها على زيارات وحملات لا تنتج رعاية حقيقية ولا تحقق للناس عيشا كريما ولو في حده الأدنى, لأنها وببساطة شديدة تشكو فقرا فطريا على مستوى رعاية شؤون الناس, والمتسبب فيه عاهات مستديمة على مستوى نظام الحكم أساسا. مما نتج عنه عوز كارثي من حيث توفر رجال دولة بالمعنى الحقيقي. فرجل الدولة في مفهومهم الحداثي هو السياسي الذي له القدرة على حيازة رضا الناس ولو عن طريق الدجل والتزييف, وتلبيس الحق بالباطل. وهذا ما برع فيه باني دولة الحداثة وورثه عنه “صاحب الهيبة ” الباجي قائد السبسي”, وها هو يدرب على إتقانه لصاحب المكنسة الموظف السابق بالسفارة الأمريكية ورئيس الوزراء الحالي “يوسف الشاهد”.
إن الفساد الذي جندت له الدولة كل أبواقها وطاقاتها الدعائية, هو نتيجة لفسادها هي. فالرشوة والمحسوبية والاحتكار كلها مفاسد تفشت وتغلغلت في المجتمع لأنها وجدت البيئة الحاضنة، المتمثلة في القوانين التي كالمستنقع, لا يتواجد فيها غير الطفيليات والحشرات الضارة. بل أكثر من ذلك, توفر الحماية للفاسد والمفسد, ولا أدل على ذلك من الحصانة التي يتمتع بها القابضون على السلطة. فرئيس الدولة فوق المحاسبة, وليفعل ما بدا له, فلا حسيب ولا رقيب, وذلك مكفول برأس الفساد ومنبعه, ألا وهو دستورهم الموضوع حسب أهواء حماة القلعة الرأسمالية التي تأوي كبار المرابين والمتحكمين في أقوات الناس, من الداخل والخارج, وعليه فالحملات التي يقوم بها “يوسف الشاهد” هي من قبيل ذر الرماد على العيون, وتضليل الناس ليس إلا، ولكن فاته أن الرماد الذي في حوزته آخذ في النفاد بسبب ارتفاع منسوب الوعي لدى كثير ممن يحاول استغفالهم وخداعهم بما حفظه من أباطيل من جاءوا به. هي مسألة وقت لا غير ويسترجع الناس ثورتهم المنهوبة تماما كما نهبت ثرواتهم التي سيستردونها هي أيضا بعون الله ومعها كامل سيادتهم التي يكفلها نظام ينبثق عن عقيدتهم, ألا وهو نظام الإسلام الذي ساد به المسلمون العالم بفضل ما فيه من عدل ورحمته.. عندها لن نجد من يأتي بمثل أباطيل “الشاهد” ومن على شاكلته, وحتى وإن وجد لن يدوم بقاؤه طويلا, لأن في الإسلام محاسبة, نعم محاسبة, وما على “الشاهد” إلا الاطلاع على مناقب الفاروق عمر رضي الله عنه, عمر الذي ادعى “الشاهد زورا أنه على منهجه.
حسن نوير