في ظل عتمة جائحة الكورونا التي أصابت الكرة الأرضية والتي لم تستثن تونس وسائر بلاد المسلمين وفي الوقت الذي انكبت جل قيادات العالم ونخبها بل وعامتها في البحث عن الحلول الممكنة للتخفيف من وطأت هذا البلاء واستقراء الواقع لاستخلاص الدروس للتوصل إلى حلول آنية واستراتيجيات مستقبلية تقيها وخيم العواقب والتخفيف من الآثار السلبية قدر المستطاع، والإعداد لغد تأمن فيه صروف الدهر، حتى بات الحديث عن تشكل أقطاب سياسية جديدة والحديث عن تحالفات جديدة فرضتها الأحداث وكذلك ظهور بوادر فكرة الانعزال من جديد قد تفضي إلى تفكك كيانات سياسية خالها بعض سطحيي التفكير أنها صلبة البنيان ثابتة الأركان حتى عدت لديهم المثال الذي يجب أن يحتذى لمن أراد البحث عن الانتماء إلى عصبة الحمية التي تقيه غائلة العدوان ويجد فيها أسباب الأمن والمنعة. فلقد طفا الحديث اليوم عن بديل عن الاتحاد الأوروبي لفقده لأسباب وجوده أو عن ضرورة الحلف الأطلسي وبحث كل دولة من دوله عن مقومات دفاعاتها الذاتية… في هذه الأحوال العالمية المضطربة والغير مستقرة وتحت تهديد صار غير خاف، من قبل الدول الكبرى وهي تسعى لتثبيت هيمنتها على العالم أمام دول أعطت من نفسها أسباب الهيمنة عليها، لم يجد حكام تونس وفي تعاملهم مع هذه الجائحة التي انضافت لجملة الأزمات التي ترزح تحتها البلاد، أكثر من أن يجمدوا على نفس المقاربات الفكرية والسياسية رغم ثبوت فشلها كحلول ومعالجات لمختلف القضايا، ولم يستخلصوا درسا من التاريخ ولا من الحاضر… فيقول رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ أنه ” لا خيار لنا الآن غير التعامل مع صندوق النقد الدولي، رغم إقراره أن تونس وصلت إلى مستوى غير معقول من المديونية التي تناهز 80 بالمائة من الميزانية وكاشفا عن حجم التبعية حد ارتباط هذه العلاقة بقيام الدولة بوظيفتها وتوقف خلاص أجور الموظفين على هذه الصلة بل وطال الأمر تعهدات الدولة المالية والتزامتها الدولية، ليبرر بذلك استعداده للخضوع للشروط التي تطرحها منظمة النهب العالمية بل ويعزو فشل دولة الحداثة في أداء مهامها إلى عدم الإيفاء بهذه الشروط من قبل.
يبلغ العجز بالعاجز أن صار يعد أسباب هلاكه قارب نجاة له، فيصبح حصوله على قرض شهادة تميز تثبت نجاحه وقدرته على القيادة… فحصول حكومة انتخابات 2019 على قرض ال ” 50 مليون اورو ” من ايطاليا، المنكوبة والباحثة عمن ينجدها، أصبح قضية سياسية بين ساستها، لم يشعر الحكم في تونس بالإهانة والصغار عندما تتبجح الوكالة الايطالية للتنمية والتعاون تقول في بلاغ لها أن ايطاليا قدمت هذا القرض عن طريق صندوق الودائع والقروض في إطار دعم المؤسسات التونسية.
ولا يضير الحكم في تونس تبعة القرض الذي خصصه صندوق النقد الدولي لبلدنا والمقدر بـ743 مليون دولار تحت عنوان مواجهة جائحة “كورونا”. والذي يأتي ضمن سياسة هذا الغول الوحشي الناهب في الهيمنة على الدول التي استطاع أن يسجنها في خططه وأحابيله والحيلولة دون انعتاقها من قيوده. فهل استسهال معالجة أزماتنا بمثل هذه الحلول التي لا تعدو إلا أن تكون قيدا آخر يلفه هؤلاء الرويبضات حول أعناقنا والحال أن وزير المالية يعترف خطورة الوضع المالي قبل الحصول على هذه القروض المكبلة، هو الحل العملي والمعقول لأزمة كالأزمة الصحية عند من يعقل؟
أين ذهب القرض الذي استخلصه الشاهد رئيس الحكومة السابق من الدوائر المالية الاستعمارية والمقدر ب225 مليون دينار أثناء الحملة الانتخابية والواجب تسديده تاريخ 15 جويلية 2026؟
هل أن اقتراض 400 مليون أورو (1250 مليون دينار) من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية هو التصرف السليم لحكومة تدرك حجم الدين الموضوع على عاتقها؟ أم ما لجرح بميت إيلام؟
وإذا كانت دائرة المحاسبات قد كشفت أنّ تونس عليها أن تسدّد، بداية من سنة 2021 وحتى سنة 2025، دفعات قروض بقيمة ألف مليون دولار، سنويا. وأنها ستواصل سداد القروض المتحصل عليها مع موفى 2016، الى حد 2055، علما وان التزامات الدولة بلغت بعنوان الاقتراض الخارجي، للفترة2011-2016، فقط، زهاء 38 مليار دينار، أفلا يدفع هذا الوضع إلى الوقوف والتدبر؟ أتكون المعالجة بمزيد الاقتراض؟ فحق أن نتساءل عن الواقع الحقيقي للقروض التي يكبل بها هؤلاء الرويبضات البلاد والعباد حتى يوغلوا في هذه السياسة غير عابئين بالنتائج الكارثية التي ستتحملها الأجيال اللاحقة، وعن الأوضاع السياسية التي ستفرض عليهم
لنا أن نتساءل عن نفسية هؤلاء المسؤولين وهم يمضون هذه العقود. هل تصرفهم تصرف ملوك ملكوا رقاب الناس فلا يسألون أم الزمن دان لهم فسيتداركون أمرهم؟ أم أنهم أمنوا المساءلة فتركوا الحبل على الغارب، فعالجوا عجزهم عن الرعاية الحقة فلجؤوا إلى الحلول السهلة، كونهم سوف لن يكونوا في السلطة ساعة حلول آجال سداد تلك الديون فلا تعنيهم عاقبة جرائمهم؟
اليقين في أمرهم أنهم لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا، فهم العبيد الذين لا اعتبار عندهم إلا لمصالح أسيادهم الذين يقررون فعليهم الإمضاء حيث يؤمرون. فلا سلطان لهم على ما حبا الله سبحانه به بلادهم من خيرات فعجزوا عن حراستها وشكره جل وعلا بوضعها في مواضعها، حيث ارتضاها.
فتقاريرهم وتقارير خبرائهم ودروس التاريخ عن نتائج مثل هذه السياسات التي لم تزد منتهجيها، على مر التاريخ، إلا خزيا ولعنا ومقتا من شعوبهم، ومع ذلك لم تردعهم عن سلوك نهجهم واتباع خطاهم مع يقينهم أن العاقبة واحدة، فلا هم بلغوا بشعوبهم شواطئ الأمان ولا نعموا بحميد الذكر. هل خاضوا هذه الغمار خوض المنتحرين اليائسين أم سلكوا سبيل الحاقدين فاغتالوا شعوبهم ورضوا أن يأكلوا من زاد اللئام الذين لا يزيدهم خضوعهم لهم إلا أن يحتقروهم ويلقوا بهم في مستنقع النفايات بعد قضاء وترهم منهم. لم يحترموا أنفسهم كالكرام ولا نأوا عن الصغار أمام من يستعبدهم ولم يكونوا ككرام خيل العرب:
كان من عادة العرب فى الجاهلية إذا تكاثر الخيل واختلط عليهم الأمر وأصبحوا لا يفرقون بين الخيل العربي الأصيل و الهجين جمعوا الخيل كلها فى مكان واحد ومنعوا عنها الأكل والشرب وأوسعوها ضربا وبعد ذلك يأتوا لها بالأكل والشرب فينقسم الخيل إلى فريقين ، فريق يهرول إلى الأكل والشرب لأنه جوعان وفريق يأبى أن يأكل من اليد التي ضربته وأهانته، هنالك يفرقوا بين الأصيل من الهجين