وزارة التربية تتاجر بأبنائنا ……ملفّ الأساتذة النوّاب نموذجا

وزارة التربية تتاجر بأبنائنا ……ملفّ الأساتذة النوّاب نموذجا

لم يعد خافيا على أحد أنّ قطاع التعليم بصفة عامّة والتّعليم العمومي بصفة خاصّة صار في انحدار شديد، ولعلّ أبرز مظاهر انحداره:
الوضعيّة التي آلت إليها حال المربّي (معلّما وأستاذا) من تهميش متعمّد من وزارة التربية وصل أحيانا إلى حدّ الازدراء بل تحريض الرّأي العام ضدّ المربين ممّا زاد في نسبة حوادث العنف المسلّطة على الأساتذة والمعلّمين. ثمّ إنّ الوزارة وهي تزعم انغماسها في إصلاح التّعليم، صارت خاضعة لشروط صندوق النقد الدّولي في عدم انتداب أساتذة للتعليم الثانوي والإعدادي.
فماذا فعلت الحكومة ووزارة التربية لسدّ الشغورات الحاصلة في التعليم الإعدادي والثانوي؟
لسدّ الشغورات لجأت الحكومة إلى تعيين أساتذة نوّاب من الحاصلين على شهائد الأستاذيّة في اختصاصاتهم. ويتمّ هذا التعيين بواسطة عقود يمضيها النائب مع المندوبية الجهوية للتربية لمدّة سنة دراسية كاملة. والنّاظر في تلك العقود يرى أنّها عقود سُخرة واستعباد تشغّل النوّاب بالأجر الأدنى مع خصم الضرائب (مع أنّ قانون المالية لسنة 2016 يعفيهم من خصم الضرائب). ويبدو أنّ السلطة رضيت بهذه الوضعية واستمرأتها، فهي تستغلّ 4 أساتذة (تصنّفهم نوابا) بأجر أستاذ تعليم ثانوي فصار الأساتذة عند السلطة صنفين: فمنهم أساتذة منتدبين يتمتعون بكامل الحقوق وأساتذة نوّاب (أنصاف بل أرباع) لا حقّ لهم في شيء، وتمارس عليهم كل أنواع الاستغلال.
تتحجج الحكومة ووزارة التربية أنّ الدّولة لا يمكنها الانتداب لأنّ التوازنات الماليّة لا تسمح. (هكذا !!!)
الوزارة تماطل وتسوّف رغم تدخل النقابة وتعدد الاحتجاجات:
وتدخّلت النقابة العامّة للتعليم الثانوي في ملفّ الأساتذة النوّاب وأبرمت اتفاقيتين مع وزارة التربية بتاريخ 3 جوان 2013 و1 أكتوبر 2013 من أجل وضع حدّ للنشغيل الهشّ، وإدماج الأساتذة النواب ولو على دفعات وبمقتضى هاتين الاتفاقيتين تم ضبط قائمة اسميّة بالأساتذة النواب الذين تعاقدوا مع وزارة التربية من سنة 2008 إلى 2013 من أجل تسوية وضعيتهم بالإدماج ولو على دفعات.

غير أنّ الوزارة ماطلت ومازالت تُماطل وتسوّف فلم تضبط إلى حدّ الساعة صيغة إدماج، تطمئن بها الأستذة النواب وتحفظ شيئا من حقوقهم. ومن مظاهر مماطلة الوزارة أنّها:
اتّفقت مع نقابة التعليم الثانوي منذ شهر أكتوبر 2016 على إدماج 800 من الأساتذة النواب ولكنّها لم تدمجهم إلا في شهر فيفري 2017.
مضت (في عهد ناجي جلول) تفاوض بعضا من الأساتذة النّوّاب بعيدا عن أنظار النّقابة تعدهم وتمنّيهم، ونجحت جزئيّا في صرف شقّ منهم عن المطلب الرئيس (الإدماج) إلى مطلب فرعيّ غير جدّي. ممّا أدخل البلبلة في صفوفهم وكثر القيل والقال بينهم ممّا يُنذر بفتنة تزيد من تشويه صورة الأستاذ.
هكذا تتناول وزارة التربية ملفّ بعض المربّين تتناوله كأنّها في صراع مع خصم يجب إزالته، ومن ثمّ تبيح لنفسها أن تتخذ كلّ الوسائل من أجل أن تربح الصّراع.
الأساتذة النّوّاب بشهادة الجميع بذلوا جهدهم وعرقهم لفائدة الأسرة التربوية فساهموا في إنجاح السنوات الدراسية، وقدّموا خدمات للمجتمع فبفضلهم تمكّن آلاف التلاميذ من مزاولة تعليمهم بشكل طبيعي بحيث لم يشعر أحد بالنقص الحادّ في الإطار التربوي (عدد الشغورات في 2016 بلغت 3000 شغور حسب تصريحات تلفزية للكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي) فساهموا في حماية التلاميذ من أخطار الظواهر الاجتماعية التي تتهددهم خارج أسوار المعاهد، وعملوا في ظروف صعبة وشاقة ومع ذلك رضوا بأقلّ القليل وصبروا آملين أن تُنصفهم الوزارة يوما.
الأساتذة النواب لم يعتبروا الوزارة خصما يجب الانتصار عليه فهم لا يطلبون إلا حقّهم في إدماج يحفظ كرامتهم، ولم يكن لهم من مطلب طوال هذه السنوات سوى إنصافهم بإدماجهم ولو على دفعات، فخاضوا نضالات ونشروا بيانات وطرقوا أبواب الوزارة التي صدّتهم وأغلقت الأبواب في وجوههم.
هذا ووزارة التربية لا تنفك تتحدّث حديثا عريضا عن إصلاح التّعليم. فهل هم جادّون حقّا في إصلاح التّعليم؟ أليس المربّي هو المحور الأساس الذي به تدور العمليّة التربويّة برمّتها؟؟؟ أليس تشغيل أساتذة بربُع الأجر إهانة للمربّي واستهانة بالتّعليم؟؟؟ بل هو إسقاط لهيبة المدرسة ومن ثمّ المجتمع والدّولة
قد تقول الوزارة ومن ورائها الحكومة التوازنات الماليّة لا تسمح لنا بانتداب أساتذة.
نقول أليس التعليم هو أولويّة الأولويّات؟ المعلوم بداهة أنّ التعليم ليس فقط أولويّة بالنّسبة إلى المجتمعات بل هو أمر حيوي مصيري لا مساومة فيه وفي ترقيته والنّهوض به، ممّا يعني أن المسألة ليست توازنات ماليّة أو معادلات حسابيّة إنّما هي الانسان أولا وأخيرا لأنّ المساومة فيها كما تفعل وزارة التربية اليوم هي مساومة على أجيال واستهانة بمصائرهم ومستقبلهم. ومن أوّل ما يجب أن توفّره الدّولة أيّ دولة تحترم نفسها التّعليم والصحة والأمن هذه هي الأمور التي لا يقوم مجتمع أو يستمر إلا بها فنحن نستطيع أن نستغني عن الرقص والغناء والكرة وغيرها من الأمور لكننا لا نستطيع أن نستغني عن التّعليم. ولذلك يمكن للحكومة أن تستغني عن بعض الأنشطة أو الوزارات غير ذات أولويّة من أجل أن توفّر تعليما يليق بأبنائنا وذلك بتوفير الإطار التربوي اللازم.
بقلم حافظ عبد اللاوي

CATEGORIES
TAGS
Share This