تفاقم الوضع الوبائي في بلادنا كلّ يوم ليعمّ جميع المناطق، ومنها ما تجاوز عدد المصابين فيها 400 إصابة لكل 100 ألف ساكن، وصارت أقسام الإنعاش والأوكسجين بالمستشفيات عاجزة عن استقبال المرضى. نظرا للارتفاع الكبير في نسب الإصابات التي فاقت الخمسة آلاف إصابة في اليوم الواحد وفاقت 100 وفاة في بعض الأيام ما نتج عنه تصنيف عديد المعتمديات بالمناطق الخطيرة والخطيرة جدّا.
تدل هذه المؤشرات على خطورة الوضع الصحي الراهن ودقته لا سيما السلالات المتحورة التي ظهرت بتونس مؤخرا ومنها الهندية التي تتميز بسرعة الانتشار إذ أن الفرد الواحد المصاب يمكن أن ينقل العدوى إلى ما بين 5 و10 أشخاص آخرين.
الوضع الوبائي خطير جدا وتونس تقترب جدا من بعض السيناريوهات الأوروبية وعدد حالات الوفاة الذي ناهز 15 ألفا قابل للارتفاع.
فماذا أعدّت السلط في تونس لهذا الوضع؟
صراعات على المناصب لا تكاد تنتهي: الوضع الوبائي يتفاقم ويزداد معه العراك والخصومات بين السياسيين مسؤولين وغير مسؤولين. فلم يثن عدد الإصابات وعدد ضحايا الوباء والوضع الصحي الكارثي هؤلاء عن “معركتهم”. فبدل توحيد الجهود وتركيز الاهتمام على إنقاذ البلاد والعباد من وباء يهدد حياة الملايين. تتواصل التجاذبات السياسية من أجل خدمة المسؤول الغربي الكبير ومن أجل الحكم بأمره وتحوّز المناصب والصلاحيات..
ترسانة من الأعذار والتعلّات الواهية: تزعم السّلطة أنّها تتابع الوضع عن كثب، فاتّخذت لجنة علميّة، تتابع وتقيّم ومن ثمّ تأخذ الحكومة الإجراءات المناسبة، بزعمهم، والحقيقة أنّ تلك الإجراءات غير قابلة للتّطبيق، فالحجر الصّحّي الشّامل الذي قد يكون حلّا ناجعا غير ممكن لأنّ الحكومة عاجزة عن ضمان معيشة النّاس، فلجأت إلى الحجر الموجّه، وهو كذلك إجراء غير قابل للتطبيق، لأنّ الحكومة لم تعدّ للأمر عدّته، فخذ مثلا وسائل النّقل تجد النّاس فيها أكداسا واظر إلى الإدارات المكتظّة بروّادها. فكيف السبيل إلى التّباعد الجسدي ووسائل النّقل محدودة بل نادرة؟ وكيف السبيل إلى التباعد الجسدي وأوقات الإدارات العموميّة محدودة ممّا يضطرّ معه النّاس إلى التكدّس والالتحام؟ وعن المستشفيات حدّث ولا حرج حيث موطن الجراثيم والأوبئة، فحالتها منهارة ورغم ما زعمته السلطة من توفير مستشفيات ميدانيّة محدودة العدد والإمكانيّات. فالازدحام في الإدارات ووسائل النّقل ساهما بدرجة كبيرة في تفشّي العدوى، “. نعم هكذا يقولون ويروّجون
لائحة اتّهام للنّاس: الحكومة ولجانها تحمّل المسؤوليّة للنّاس يقولون: “إن لم يلتزم كلّ مواطن تونسي بالإجراءات الوقائية المعروفة وتحمل مسؤولية ضمان سلامته وسلامة أقاربه للحدّ من انتشار عدوى الفيروس فإنّ وزارة الصحة أو الحكومة لن تستطيع فعل شيء من شأنه أن يقي الجميع من الجائحة”. ولكن هل الإجراءات قابلة للتّطبيق؟ من فتح أبواب الجحيم على الشّعب التّونسيّ، كنّا في مأمن إلى غاية 27 جوان 2020، يومها خرج الفخفاخ ووزراؤه مبتهجين بالنّصر على كورونا، وفتحوا الحدود فدخل القادمون من مناطق الوباء من إيطاليا وفرنسا وأوروبا والصّين وأغلبها مناطق موبوءة، لكنّ الحكومة فتحت الباب، يذكر الجميع أنّ حالات العدوى الكبيرة كانت في مصنع للنّسيج بحامّة قابس جلب تقنيّان ايطاليّان الفيروس فانتشر في العاملات ومنه إلى أهاليهنّ، ثمّ تواترت العدوى وتفشّت، ويذكر الجميع تباكي الحكومة على القطاع السّياحي، وكان قرار فتح الحدود في جزء هامّ منه محاولة لإنقاذ أصحاب النّزل، فلم تنتعش السياحة وازداد انتشار الوباء،… تخرج أحزاب الحكم والمعارضة في مسيرات “حاشدة” بحراسة الأمن فينتشر الوباء… تسمح الحكومة في زمن الوباء بمباراة نهائي الكأس، فتخرج الجماهير للاحتفال.. وبعد كلّ ذلك توجّه الاتّهامات إلى النّاس بأنّهم لم يتّبعوا تعليمات غير قابلة للتنفيذ أصلا.