عشر سنوات انقضت على ثورة تونس في وجه الطاغية بن علي ولازال الفقر يفتك ب قرابة المليوني شخص مهددين بالجوع والمرض والتشرد وكل أشكال الإهانة البشرية بعد أن جازتهم الحكومات بوفاء متواصل لمنظومة الحكم الرأسمالية التي حرمتهم من عدل أحكام الله في ملكه وبين عباده.
أزمات بالجملة: اقتصادية, اجتماعية, مالية, صحية… نتيجة سياسات كارثية تعمّقت بتعاقب الحكومات المرتهنة, التي وضعت اليد في اليد مع الأجنبية المتورطة في تخطيط مسار البلاد والحكومات إلى أن أوصلتها محطّة العجز.
كشف تقرير نشره المعهد الوطني للإحصاء يوم الأربعاء 23 سبتمبر 2020 أن نسبة الفقر في تونس تتراوح بين 0.2 % و53.5 % وهو ما يكشف عن التفاوت الكبير بين مناطق البلاد وحرمان الغالبية الكبرى من السكان من أبسط حقوقهم في العيش الكريم.
سياقات سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية بالغة الهشاشة والضعف وقد بلغ الهوان ب”الدولة” مبلغا عظيما والموكلون على شؤون البلاد اليوم عاجزون تماما ولا قدرة لهم على الفعل.
وضع زاد من حدة غضب عامة الناس وتصاعد نسبة التشاؤم في المزاج العام لدى التونسيين، في حدود 75.6 بالمائة في شهر سبتمبر. هذه النسبة ترى أن البلاد تسير في الطريق الخطأ. وقد بدا التشاؤم ظاهرة عامة في البلاد سواء على مستوى الجهات او الفئات الاجتماعية او العمرية او المعرفية او على مستوى الجنس.
كل هذا وحكام البلاد في بحبوحة من أمرهم يعزلون حكومة ويصادقون على أخرى ويرفعون أجور الولّاة وينظرون في طلبات السفراء والغزاة..
في الأثناء وبعد أن صادق أسلافهم على دستور نوح فيلدمان وأرسوا أولى دعامات الحكم الغربي الرأسمالي, يبدو الوضع بالنسبة إلى الأحزاب الممثلة للمنظومة مجرد ملهاة يتقاطع فيها الكوميدي بالتراجيدي, وقريبا ستنفتح «السينما النيابية» على مصراعيها في باردو ليجدد النواب استعراضهم في الجلسات العامة وتسليتهم على أوجاع أهل تونس وسيواصلون تهافتهم لتحقيق مزيد من المكاسب والامتيازات والركض خلف بناء توافقات سرية وعلنية بحثا عن المزيد من الغنائم وتدعيما لحظوظ استمرار القبول لدى المسؤول الكبير.
وماذا بعد..؟
جاع الناس, فثاروا, أهينت الكرامات, فثاروا مرة أخرى, ولا تزال الثورة تتقد في النفوس والقلوب والأذهان..
جربوا كل الوصفات واستجلبوا كل النهاب والطغاة واستشاروا العديد من خبراء التمكين في النظام الرأسمالي, وطبقو جميع الإملاءات والوصفات, ليس سعيا منهم للنهوض بالبلاد أو للخروج بها من حال التردي والإنهيار, وإنما انصياعا لأمر المسؤول الكبير وصدّا عن سبيل الحكم بالإسلام الذي وحده لو طبّق لأعطى معنى للتغيير المنشود من قبل الشعب والأمة عامة. وكل الوقائع التي سردنا نماذج منها تبرهن لكل ذي بصيرة أن الأمل في الإنقاذ تحت مظلة هذا النظام بات سرابا وأن في ظل العبث الحكومي والسياسي الذي ينفذه ساسة الغفلة في تونس لا مجال للحديث عن تغيير نحو الافضل أو حتى مجرد تحسين الأوضاع المعيشية.
فما تم انتزاعه منا بقوة الحديد والنار والمكر الكبار لا يتم استرداده إلّا بالإرادة والثبات على مبدأ الاسلام نظاما للحياة. فلا حاضر ولا مستقبل لنا مالم نسترد دولة الاسلام التي تضع أسس النهضة جميعها وتقطع سبل العبث والتلاعب في وجه الخونة والمتخاذلين.
دون ذلك فان الصورة ستزداد قتامة والهوة ستزداد عمقا وستتواصل مظاهر البؤس والإستلاب والهوان ليؤكد في الأخير على مسؤولية الجميع في عدم الانجرار وراء العاطفة والخطابات الشعبوية والوعود الزائفة التي يلقيها المتحدثون باسم الديمقراطية التي جلبت كل فاسد وخادم لمصالح الغرب المستعمر وبالتالي ضرورة تحمّل مسؤوليتهم لإنقاذ أنفسهم والبلاد من مزيد الإنحطاط.
لقد كرست سياسات الحكم بأمر الغربي التي مضى فيها حكام تونس السابقون والحاليون مع المستعمر الأوروبي تحديدا واقعا من الارتهان والإذلال والصغار.. بينما نحن في بلد مسلم عزيز بدينه وربه.
واقع يَحمل الجميع على مساءلة الحكومة ومن يسيرون شؤون البلاد اليوم حول ما آلت إليه ومحاسبة كل من ضلع في خيانة الأمانة ومكن العابثين وأتباع الاستعمار من رقابنا.
فالدولة ليست مجرد مؤسسات ومباني صمّاء ولا هي أجناد من المضبوعين المجندين لخدمة دول الكفر والاستكبار العالمي, وإنما هي كيان تنفيذي وسلطة تنفيذية تمارس سلطتها بتنفيذ وتطبيق مفاهيم وقناعات وأحكام آمن بها الناس وارتضوها رضا تام، لا كما هو حال تونس والقائمين عليها وما يطبقونه من تشريعات مستوردة من خارج المنظومة التي يرتضيها أهلها بل من اصحاب نظرة عدائية استعمارية, منظومة مهما بدا في قوانينها وأحكامها من بريق فهي تصبّ في النهاية في صالح نظرة الغربي المهيمن للحياة وما يجب أن تكون عليه. وانه لمن عظيم الخَطب أن يحكم تونس رويبضات يشتّتون شملها بين أهواء حكام دول الغرب المستعمر فيحتطبون فصول دستورها مما جادت به وساوس شياطين زعماء الرأسمالية الجائرة من أحكام ويحرصون على ذاك طوال سنين حكمهم الصوري “من كل واد عصا”.
لتبلغ المأساة ذروتها وتوضع الخضراء بيد المستعمر طيعة بأكملها, ويبقى شعبها يعيش الضنك الذي أخبر عنه الله سبحانه وتعالى حين الإعراض عن ذكره, ولا حول ولا قوّة الا بالله العلي العظيم.
فمتى يعرف الرشد طريق أهل الحل والعقد في هذا البلد ليخلصوه من عبث خدام الرأسمالية؟