..وماذا عن الانتصاب الفوضويّ للدّولة..؟؟

..وماذا عن الانتصاب الفوضويّ للدّولة..؟؟

من حين إلى أخر تقوم السلطات المحلية مدعومة بقوات الأمن بحملات لإزالة ما تسميه الدولة بالانتصاب الفوضوي, ويعود سبب هذه التسمية إلى عدم التزام التجار المنتشرين على قوارع الطرقات بقوانين الدولة ويسببون أضرارا جسيمة للاقتصاد, فهم غير معنيين بدفع الضرائب لخزينتها وفي حلّ من كل التزام تفرضه الدولة على باقي التجار المنتصبين وفق القوانين والتراتيب الجاري بها العمل (وفق الرواية الرسمية طبعا)..هذا وقد شهدت مدينة أريانة مؤخرا حملة واسعة نفذتها مصالح الشرطة البلدية مدعومة بعدد كبير من قوات الأمن وعقب هذه الحملة أدى الرئيس “قيس سعيد” زيارة غير معلنة وكالعادة كانت عدسات المصورين وكاميرات القنوات التلفزية حاضرة هناك وكان وصولها قبل وصول الرئيس وفي ذلك دليل على سرية الزيارة.

لم يخالف الرئيس ما دأب عليه منذ استفراده بالسلطة وإقصاء كل منازعيه عليها, فقد اجترّ سردية سيادة القانون ووجوب المحافظة على الدولة وحتمية القضاء على المتربصين بها دون أن ينسى اتهام الأشباح التي لا يراها إلا هو بالمارقين والمجرمين..هذا وقد أشاد بالحملة التي قضت حسب قوله على ظاهرة الانتصاب الفوضوي متوعدا بحملات مماثلة في كامل مدن البلاد وملاحقة كل من تسول له نفسه التنكيل بالشعب والعبث بقوته.

لاح “قيس سعيد” وكأنه يحتفل بالنصر المبين الذي حققته الدولة بطرد بعض باعة الخضر والغلال والملابس المستعملة وغيرهم ممن أجبرتهم لا مبالاة وتقاعس الدولة عن القيام بواجباتها على اتخاذ الأرصفة والشوارع محلات للتجارة لكسب قوتهم وقوت عائلاتهم, والانتصاب الفوضوي الذي يتباهى الرئيس بمحاربته بسبب أنه هو الأخطر والأكثر ارتكابا للجرائم، بل هو الخطر الوحيد الذي يهدد الناس والجرم الفريد المرتكب في حقهم, و الحقيقة أن الانتصاب الفوضوي الأكبر والفعلي الذي يسعى الرئيس الحالي وكل من حكم تونس قبله إلى المحافظة عليه وحمايته بشتى الطرق, هو الدولة بحالها التي هي عليها اليوم, نعم هذه الدولة عنوان للانتصاب الفوضوي وهي دولة مارقة لا شرعية ولا مشروعية لها فهي تطبق على المسلمين نظاما وضعيا يخالف عقيدتهم, فالنظام الوضعي هذا ليس من جنس عقيدة أهل تونس ولا يمتّ لهم بأية صلة, نظام فصل أهل البلاد عن دينهم وعن أحكامه البينة في جميع مناحي الحياة, فهم يعبدون الواحد الأحد, يصلون ويصومون ويحجون, وكثير منهم يؤدي الزكاة كما أمر ربهم ولا يشركون به شيئا, لكن هذه الدولة تخضعهم في معاملاتهم وعلاقاتهم أن يحتكموا لغير ما انزل من يصلّون ويصومون له ويزكون ويحجون التزاما بأوامره, فهذه الدولة جعلت الحرام حلالا, إذ أباحت الربا وأجازت بيع الخمر ولم تحرم الزنا إلا في حالة خالف فيها الزاني القانون الجزائي الذي وضعته الدولة. كما مكنت عدونا من ثروات المسلمين وفتحت له جميع الأبواب على مصارعها لينهب ويستحوذ على خيراتنا دون أن يرفّ له جفن، جعلوا كلمة المستعمر الكافر هي العليا يعمل فينا بطشا وتنكيلا, والدولة ممثلة في رئيسها وأعوانه يوفرون له الحماية, ومن يحاول أن يستنهض همم الناس ويحثهم على مقارعة هذا المستعمر وقطع دابره من بلادنا تكال له التهم ويلقى به في غياهب السجون, خاصة في فترتي حكم “بورقيبة” و”بن علي”.

قالوا إن الانتصاب الفوضوي لباعة الخضر والغلال والملابس وكل ما يحتاجه الناس في حياتهم يضر بالاقتصاد ويسبب الركود لتجارة المحلات الملتزم أصحابها بالقانون ويؤدون واجباتهم بدفعهم الضرائب والانخراط في كل ما تفرضه الدولة. فإن هذه الدولة باتباعها غير شرع الله واتباعها لوسواس الغرب وكهنة معبد الديمقراطية عجزت تمام العجز عن رعاية شؤون الناس وإشباع جوعاتهم, بل كانت هي سبب معاناتهم ومردّ ضنك عيشهم, فقد بلغ بها الحال إلى عدم قدرتها على توفير الدواء والماء والغذاء..وما تعيشه البلاد هذه الأيام من فقد مادة الخبز وعدم توفر الأدوية الضرورية والانقطاع المتكرر للماء الصالح للشراب وانعدامه تماما في كثير من المناطق, يكفينا مؤونة توضيح أنها دولة تمارس الانتصاب الفوضوي ولا تؤدي ما عليها من واجبات, فالنظام الديمقراطي الذي تطبقه هذه الدولة بطبعه لا يرعى شؤون الناس البتة وكل ما يحتوي عليه هو التداول السلمي على السلطة عن طريق الانتخابات وغالبا ما تكون الانتخابات في هذا النظام موجهة بشكل أو بآخر, حيث يساق الناس إلى النتائج التي تخدم أرباب المال والنفوذ وتراعي مصالح المستعمر وأذياله. أما محاسبة الحاكم فهذا ضرب من ضروب المستحيل في هذا النظام الفاشل المتداعي, ولدرء هذه الفضيحة أوهموا الناس بأنهم قادرون على محاسبة الحكام بل يمكنهم معاقبتهم بعدم انتخابهم في الانتخابات القادمة وبهذا يكونون هم أصحاب القرار, وتكون السلطة ملك أيدهم ولا يملكها غيرهم.

يعيث الحكام فسادا لمدة قد تطول وقد تقصر, ولا يمكن محاسبتهم إلا عبر صناديق الاقتراع, هذه الصناديق جعلت منها الديمقراطية ونظامها مفرخة للفاسدين والمفسدين ومصنعا للعجزة والضعفاء والجبناء والمتآمرين والمتواطئين, وهذه الأنواع كلها تمكنت من أن تحكم تونس في ظل دولة مارست الانتصاب الفوضوي طيلة ستة عقود, “بورقيبة” “بن علي” وكل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة, وصولا إلى ما نعيشه اليوم بقيادة الرئيس “قيس سعيد” المستميت في الذود عن الدولة وعن نظام بهكذا عجز وجور, والمتمسك بانتصابها الفوضوي متوهما أنه يحاول أن يوهم الناس أن خصومه يتربصون بالدولة ويسعون إلى إسقاطها بمؤازرة جهات خارجية والحال أنه وخصومه والجهات الخارجية همهم وديدنهم هو حماية هذه الدولة ونظامها من السقوط, والصراع يتمحور فقط حول من يجلس أمام العربة ويمارس البيع والشراء وينجح في إيهام الناس بأنه  ليس راعيا للانتصاب الفوضوي..

CATEGORIES
Share This