ويل لهذا العالم ما أظلمه، ما أقساه، ما أغدره. ما أحقده على الإسلام والمسلمين، لا قتل إلا في المسلمين، لا اضطهاد إلا للمسلمين، لا ملاحقة ولا استهداف إلا للمسلمين و لا استهزاء في بلدنا إلا من أحكام الدين،أو بعد هذا الهوان من هوان؟ أو بعد هذا النكال من نكال؟ أو بعد هذه الحسرات من حسرات؟ لا تمر لحظة من زمن إلا و تسمع من هنا أو هناك استخفافا بالمسلمين، و حربا على مشاعر المؤمنين، و معارضة للمعلوم بالضرورة من أحكام الدين.
قال الله تعالى: “وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ” اجتمعوا اثر مبادرة رئاسة الدولة، حول المساواة بين الذكر و الأنثى في الميراث، و ختموا رمضان بتقديم تقريرهم، و قاموا بنشره على شبكة الأنترنات تحت عنوان:” تقرير لجنة الحريات الفردية و المساواة” و لم يكتفوا بمسألة المساواة في الميراث بين الذكر و الأنثى بل اقترحوا العديد من الإقتراحات تشيب من أجلها الولدان، الواحدة منها تكفل لصاحبها رفقة أبي جهل… بل فرعون و همان و قارون.
تضمن هذا التقرير على مقترحات ستعرض على مجلس نواب الشعب من أجل المصادقة عليها، و كل المقترحات معلّلة بنصوص قانونية و دستورية و باجتهادات بين قوسين سموها شرعية، أما ما قدّم من تعليلات دستورية فليس المقام مقام الخوض فيها و شهادة أدخرها عند الله أنّي لم أرض بهذا الدستور العلماني بمجمله فلا يسعني أن أناقشه تفصيلا، و لكن لا أستغرب في مشروعية اقتراحاتهم من الناحية القانونية و الدستورية، فالعلمانية تآزر بعضها بعض، فكل ما ورد في تقريرهم هو نتاج طبيعي لهذا الدستور، الذي أعلى قيم الحرية و المساواة فوق قوانين شريعتنا.
أغلب المقترحات التي قدمتها اللجنة و حاول بعض شياطين الإنس إلباسها لبوسا شرعيا خابوا و خسروا… فالكل يعلم أن ما ورد في تقريرهم هو إذعان لما ورد في إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،التابع للأمم المتحدة و المعروف باسم:” اتفاقية سيداو”، فكل ما ورد في تقريرهم لا يمت للإجتهاد بصلة، فالمجتهد يدرس الواقع ثم ينظر في النصوص الشرعية و من ثم يطلق الحكم على الحادثة و ليس العكس، فما قاموا به لا يعدو أن يكون لييًّا لأعناق النصوص، كما سنُبيِّن إن شاء الله.
أما المقترحات فعلى رأسها المطالبة بالمساواة في الإرث بين الذكر والأنثى، في الحالات الأربعة المعروفة، بدعوى الاجتهاد، أو بدعوى التجديد وتغير الظروف، أو بدعوى إنصاف المرأة ورفع الظلم عنها(يعني ربي ظلمها و هم سينصفونها)، دعوى باطلة ضالة مضلة مرفوضة شرعا قطعا كتابا وسنة وإجماعا، و قد استندوا في دعاويهم إلى بعض المسائل الإجتهادية في الميراث مثل ميراث الجد، و المسألة العمرية و غيرها، ليجعلوا من علم الفرائض، عِلمًا اجتهاديا لا نصوص فيه، في مناقضة تامة لآيات محكمات بيِّنات وأحاديث صحيحة بيّنت لأصحاب الفروض فروضهم و بيّنت قسمة الحكيم الخبير في المواريث، إلى أن وصل بهم الإسفاف أن نسبوا حديثا نبويا إلى الجاحظ ألا و هو لفظ ” الملك العضوض” في الحديث الذي بشرنا فيه نبينا بأن بعد الملك الجبري الذي نعيشه تحت إمرة هؤلاء السفهاء ستكون خلافة على منهاج النبوة، و عند التطرق إلى مسالة توريث الذكر مِثْلَيْ الأنثى لا يذكرونها في صيغة آية فلا يقولون قال الله تعالى:” للذكر مثل حظ الأنثيين” بل يقدّمها على أنّها قاعدة فحسب و من ثمّ يحاولون إبطالها بدعوى أنّها تناقض مقاصد الشريعة الإسلامية.
مقترحات أغلبها لا يحتاج لكثير نظر لإبطالها فهي مسائل قطعية معلومة من الدين بالضرورة للصغير قبل الكبير، و منها مقترح إلغاء عقوبة الإعدام في مناقضة صريحة لقول الله تعالى:” و كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌۚفَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُۚوَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “.
من المقترحات أيضا إلغاء المنشور المتعلق بغلق المقاهي خلال شهر رمضان، و إلغاء العقوبة المسلطة على الأشخاص الذين يناولون مشروبات كحولية للمسلمين و الإكتفاء بقانون 18 فيفري 1998 الذي يمنع بيع الخمور للقُصَّر و قوات الأمن و الحرس و الجيش عندما تكون بالزي الرسمي، محتجين في ذلك بتناقض المنظومة القانونية التونسية فالدولة هي التي تنظم إنتاج الخمور ثم تعاقب مستهليكيها.
كما تنصّ المقترحات على السماح للمسلمة بالزواج من غير المسلم، و عدم تجريم اللواط و السحاق و التعدي على الأخلاق الحميدة، و الاكتفاء بخطية مالية قدرها 1000 دينار لكل من يأتي على مرأى الغير عملا جنسيا، بينما يعاقب بالسجن مدة عامين و بخطية قدرها عشرة آلاف دينار مع الحرمان من مباشرة الوظائف العمومية و حق الإقتراع، كل من يتعرّض أو يحاول أن يتعرّض لممارسة حرية الإبداع الأدبي و الفني و البحث العلمي و عرض الأعمال الأدبية و الفنية و العلمية و نشرها (الفصل 135 مكرر) و لا يحق لأي كان أن يتعرض لحرية الفنون تحت أي عنوان سياسيا كان أو إيديولوجيا أو أخلاقيا أو دينيا حسب الفصل 79، حتى لو رسم نبيُّك صلى الله عليه و سلم أو جسّد المولى عزّ و جل فلا يحق لك الإعتراض لأنّك مواطن ديموقراطي و حضاري و منفتح، و إلا تعرّض نفسك للعقوبة.
ليس هذا فحسب ففي التقرير مقترحات أخرى تثلج الصدر، و تنبأ كل من يقرأ بين السطور أن نهاية النظام الرأسمالي أصبحت وشيكة فَمِنْ إفلاسِ القوم تنبع هذه المبادرات، و كأني بها رقصة الديك المذبوح، فمن المقترحات أيضا رفع القيود الدينية على الحقوق المدنية، و التخلي عن المهر لأنّه يُخلُّ بكرامة المرأة حسب قولهم، و ثالثة الأثافي، و الطامة الكبرى هو اقتراح إلغاء العدّة بالنسبة للمطلقة و الأرملة، بدعوى أن العدّة فقدت مبررتها، فالعدّة حسب قولهم جُعلت من أجل براءة الرحم من الحمل كي لا تختلط الأنساب و مع تقدم الطب الحديث و وجود التحليل الجيني يمكن معرفة نسب الطفل أهو من الرجل الأول أم من الثاني، ظلمات بعضها فوق بعض و جهالة بالشرع، فعلّة اشتراط العدّة ليس كما ذكروا عدم اختلاط الأنساب، و إلا لَمَا فُرضت العدّةُ على المرأة العجوز التي يئست من المحيض؟ فعدم اختلاط الأنساب هي من حكم هذا التشريع الرباني العظيم وليس علّة للحكم متى انتفت انتفى الحكم، فالقوم لا يفرّقون بين العلّة الشرعية و هي الباعث للحكم و الحكمة من التشريع، فتراهم كلّ مرّة يتشدقون بمقاصد الشريعة دون أن يفقهوا أنّها لا يمكن بحال أن تحلّ محل العلل، أمّا التحليل الجيني و التقدم الطبي و كل الخاصيات الفيزيائية المقاسة تخضع لهامش خطأ مهما كان صغيرا و لو واحد على مليون، ممّا يجعل العدّة هي الطريقة الوحيدة و المقطوع بصحتها من أجل التأكد من عدم اختلاط الأنساب.
من المقترحات أيضا إلغاء صفة رئيس العائلة التي يمتاز بها الرجل و أن يحمل الطفل عند ولادته إمّا لقبي والديه (الإثنين معا) أو لقب أحدهما الذي يختارانه، و أن يكون للأبناء الشرعيين و الغير الشرعيين نفس الحقوق فيرث ابن الزنى أباه بمجرد إثبات نسبته إليه.
هذا غيض من فيض، فما ذكر في التقرير لا تسعه خطب ولو اختصروا القول و جمعوها في قول واحد لكان أبين و أبلغ: لا نريد الإسلام لا لأحكام الإسلام حتى الفردية منها، فلم يبقى إلا تجريم الانتساب إلى الإسلام و لكن ” يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ “
أيها المسلمون: أرأيتم بغياب الإسلام عن الحكم و عن التشريع كم أجلبنا من نكبات وكوارث؟ أرأيتم يا صمام أمان الدنيا، كيف هو العالم بدونكم، وكيف أنتم بذهولكم عن شريعتكم و عن دينكم، ضعتم وضاع كل شيء، وغاض الخير من الأرض،أرأيتم كيف جرأتم الكافر على أطفالكم ونسائكم وشبابكم وأرضكم وكرامتكم. أرأيتم تجرأ عليكم الداني والقاصي، اليهودي والنصراني و العلماني، ولكأنما يتبارون فيما بينهم، أيهم يتجرأ علينا أكثر، وأيهم يعارض أحكام ديننا أكثر، فنطق فينا الرويبضات كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه و سلم
أيّها المسلمون: بالرغم من كل الأسى و اللوعة، بالرغم من هذه المبادرات التي تفوح منها رائحة الحقد و الكره لديننا، بالرغم من ذلك كلّه، إلا أنّها بشرى خير و دلالة على أن القوم قد أفلسوا و ارتبكوا، كيف لا و أصوات الهتافات المنادية بقلع الإستعمار و تغيير النظام قد صدّعت رؤوسهم، كيف لا يترنحون بعد فشلهم في حمل الناس إلى صناديق الإقتراع ليختاروا من يطبق عليهم النظام العلماني، كيف لا ترتعد فرائصهم و الأصوات التي تنادي بتطبيق الشريعة و إزالة حدود الإستعمار بين المسلمين تعلو كل يوم أكثر من سابقه كيف لا و الأمة تردّد حديث نبيّها صلى الله عليه و سلم :” ثم تكون خلافة على منهاج النبوة” و قوله صلى الله عليه و سلم :” الإمام جنّة يتقى به و يقاتل من ورائه”، فيا أحباب محمد صلى الله عليه و سلم ابشروا وأملوا، و تذكروا قول مولاكم عزّ و جل:”ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ..إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون”.