يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمۡ هُزُوٗا وَلَعِبٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَٱلۡكُفَّارَ أَوۡلِيَآءَ

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمۡ هُزُوٗا وَلَعِبٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَٱلۡكُفَّارَ أَوۡلِيَآءَ

حين يبلغ البهتان مداه، وحين يصل الاستخفاف بالعقول إلى منتهاه، فليس غريبا أن تطالعنا وكالة الأنباء الإيطالية بنبإ إنشاء تونس، (هكذا) رسميًا، منطقة البحث والإنقاذ البحرية الخاصة بها (SAR)، وهي منطقة البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط في إطار مكافحة الهجرة غير النظامية. وبموجب هذا الإعلان تكون السلطات التونسية قد وسعت “مجالها الحيوي البحري” حين ألغت مفهوم المياه الإقليمية لدى قوات الحرس البحري التونسي من أجل إيقاف عمليات الهجرة غير النظامية باتجاه “إيطاليا”. ولترسيخ تونس “سيادتها” على قرارها هذا أبلغتنا، وكالة الأنباء الإيطالية، أن السلطة التونسية قد أخطرت المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة بقرارها، موضحةً حدود هذه المنطقة، والتي تجاوز مجال تدخل حرسنا البحري المياه الدولية.

تتوالى علينا هذه الأنباء من الضفة الشمالية للبحر المتوسط أمام صمت ميب للجهات الرسمية في بلادنا وتواطئ مخز للإعلام الرسمي والخاص، إلا نتفا ترشح بها وسائط التواصل الاجتماعي. وهكذا وبكل سهولة، وبحكم قانون الهزيمة السياسية والحضارية، يتحول موضوع هجرة ضحايا الاستعمار إلى بلاد “التمدن والتحضر”، من قضية أوروبا الاستعمارية، تتراوح حلولها التي تداولها مسئولوهم بين توطين المهاجرين على الأراضي الأوروبية، بحيث يتوجب على الـ27 دولة كل عام، وكجزء من “التضامن”، أن تستقبل عددا معينا من طالبي اللجوء من خلال “إعادة التوطين”. أو تقديم مساهمة مالية، أو دعما ماديا وبشريا للبلدان التي تتعرض لضغط عمليات التوافد، وبين تفويض معالجة ملف اللجوء إلى الدولة الأوروبية الأولى التي يصل إليها طالب اللجوء، يتحول الوزر الاستعماري إلى خيار تونسي حين تذكرنا وكالة الأنباء الإيطالية بتصريح وزير الدفاع التونسي عماد مميش، في نهاية شهر ماي الماضي، حيث أكد من خلاله أن تونس تستعد لإضفاء الطابع الرسمي على منطقة البحث والإنقاذ الخاصة بها، دون أن ينسى التأكيد على أن ذلك سيكون “جزءًا لا يتجزأ من السيادة الوطنية”، لتجيير كل الضغوط التي سلطت على الجانب التونسي، خلال مفاوضات “الأليكا” من أجل الإعلان عن هذه المنطقة، لتصبح بلادنا تؤدي دور مقاول المناولة، بتحميل العبء الإنساني والسياسي والأخلاقي إلى البحرية التونسية”. إلا أن المفارقة المهزلة، والسلطة التونسية تخفي عنا توسيع “مجالها الحيوي” تجاه بلاد “الرومان والوندال” حين تدفع بحرسنا البحري إلى مياه الشمال، مادّة يدها لتلقّي التجهيزات والتمويل من الاتحاد الأوروبي، “للعمل في البحر”، لا تخجل من اعتبار وسائل الإعلام الإيطالية كل ذلك انتصارا سياسيا لرئيسة حكومتهم “جيورجيا ميلوني”، وهوانا وذلا تحت أقدام الغزاة المستعمرين مقابل ثمن بخس ينأى عنه الحر الكريم، في حين أن هذه السلطة عجزت عن فتح شريان حياة البلاد الرئيسي، معبر رأس جدير، المغلق منذ مارس الماضي بحجة الاستجابة “لطلب من السلطات الليبية”، وذلك لعجز السلطتين على طرفي الحدود التي فرضتها الهيمنة الاستعمارية الغربية على بلادنا وقرارنا، على توفير الحد الأدنى من الأمن في بلادنا التي أكره الناس فيها على الإحساس فيها بالغربة عن بعضهم البعض، فما استطاعت السلطتان أن تضبط تحركات الفصائل المسلحة وتركتها نهبا للتأثير الخارجي والتدخل السياسي لمن فرض وجوده العسكري على أراضينا، واتخذ له فيها قواعد عسكرية، كقاعدة “الوطية” مثلا، وباتت السلطة في تونس وليبيا تداري فشلها في التصدي لهذا العدوان بالتذرع بالخلافات الإجرائية بينها، كالتفتيش المشترك ومنع بعض البضائع والسيارات من التنقل بين البلدين، أو مواصلة العمل بنفس الإجراءات المعمول بها قبل غلق المعبر يوم 18 مارس الماضي. والخطير في الأمر هو المدى الذي بلغه عجز القائمين على شؤون بلداننا على الفعل، أمام حجم التدخل الأجنبي، أنه لم تشفع تدخلات رأسي السلطة في القطرين عن معالجة أمر هيّن كفتح المعبر.

وعلى هذا يكون الإعلان عن إنشاء السلطة في تونس منطقة للبحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، وتحميل البلاد عبء مكافحة الهجرة غير النظامية نيابة عن أوروبا الاستعمار، وذلك تحت عنوان توفير خدمة البحث والإنقاذ البحريين لفائدة جميع مستعملي البحر من التونسيين وغير التونسيين، واعتبار ذلك واجبا تفي الدولة به بالتزاماتها وتعهّداتها الدولية في المجال، من جهة وعجز هذه السلطة، ونظيرتها في ليبيا عن فتح معبر، هو الرئة المحورية للبلدين، كاشف عن عجز خطير، وأن الأمر في بلداننا بيد غيرنا فلا غرابة أن تكون الحياة السياسية في تونس، وفي ليبيا على هذا الحال من التشظي والتفكك، وأن تتعطل شرايين الحياة في البلدين، وأن يُحال الآلاف من الليبيين والتونسيين إلى البطالة”، بل أحيلت مدن الحدود من الجانبين على مظاهر جلية للبطالة بتوقف حركة التجارة وتعطل حركة المسافرين، مما وفر مجالا خصبا للقلق والاضطراب وهيأ كل ذلك لمزيد من التدخل الأجنبي باللعب على مصائب الناس، ومما زين للوسط السياسي تبرير ارتماء الجميع بين أيدي العدو بحثا عن الحلول “السهلة” المفضية إلى الانتحار السياسي بالإعراض عن شرع الله سبحانه وتعالى، وقد أنذرنا بقوله جل وعلا: وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ (124)ـ طه ـ

CATEGORIES
Share This