1/2	منظومة الحكم في الإسلام :  ما هي ملامح قانون الأحزاب في دولة الخلافة..؟؟

1/2 منظومة الحكم في الإسلام : ما هي ملامح قانون الأحزاب في دولة الخلافة..؟؟

حدّث أبو ذر التونسي قال : ما فتئت الحكومات المتعاقبة على السلطة في تونس بعد الثورة تتشدّق بالمرسوم عدد 87 المؤرخ في 24/09/2011 والمتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية باعتباره مرسوما ثوريا و فتحا سياسيا مبينا وانقلابا على (فرمان) 03 ماي 1988 الذي جرّم العمل الحزبي و علّقه رأسا بوزارة الدّاخليّة و ضيّق الخناق على الكتل و الأحزاب و الجمعيّات تأسيسا و تسييرا و تمويلا و عضويّة ومبادئ…ففي حقبة (التّحوّل المبارك) المظلمة استحال النّشاط الحزبي ـ معارضة وموالاة ـ ديكورًا ديمقراطيًّا لشرعنة النظام القائم دوليًّا وتبييض جرائمه وتعويمها محلّيًا، بما انحطّ بأكذوبة التّعددية إلى حضيض الدّوران في فلك التجمّع الدستوري الديمقراطي: إذ أصبحت الأحزاب السّياسية مجرّد خلايا تجمّعية تؤثّثها جوقات من المنافقين والمتزلّفين الذين يسبّحون باسم (صانع التّغيير) وأصهاره صباح مساء، ناهيك وأن بعض (أقطاب المعارضة) رشّحوا منافسهم بن علي لرئاسيّة 2009 وقدّموه على أنفسهم في الانتخابات ثمّ ناشدوه علنًا بأن يترشّح لرئاسيّة 2014…ورغم أنّ المرسوم عدد87 لا يكتسب مصداقيّته المفترضة إلاّ بمقارنته بسلفه قانون 1988 بوصفه (عمشة في دار العميان)، إلاّ أنّه يشاركه شحنة الحظر والتضييق والتكميم والقبضة الحديديّة وإن كانت مقنّعة مدسوسة في دسم الثورجية والشعبويّة والأدلجة والدّيماغوجيا: فهو لم يطرح على نفسه تجاوز هذه الحال من الدّونية السياسية ونقضها، بل حُبّر بمداد استعماري وصيغ بدهاء وخبث ومكر للالتفاف على استحقاقات الثورة والحيلولة دون العمل السياسي على أساس العقيدة الإسلاميّة وإغلاق منافذ الوسط السياسي في وجه أي نفس إسلامي وفتحها على مصراعيها أمام البيادق والعملاء ووكلاء الاستعمار يرتعون فيها ويرهنون البلاد والعباد والمقدّرات…من هذا المنطلق خضع هذا المرسوم الجديد لحملة تسويق عصماء، فنُسب إلى (الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي) وعُدّ تقدّميًا حداثيًا مطابقًا للمعايير الدوليّة، خاضعًا لمواصفات الديمقراطيّة والتعدّدية والحرّيات، قاطعًا مع الاستبداد والديكتاتورية وما إلى ذلك من المصروف اللّغوي…وبما أنّ الأشياء بأضدادها تعرف فإنّنا نعتزم في هذه الأسطر محاكمة هذا المرسوم الاستعماري بالرجوع إلى المادّة 21 من مشروع دستور دولة الخلافة وإلى الأحكام الشرعية المتعلّقة بالحزبية والتحزّب عسانا نلمس عبر المقارنة رُقيّ النظرة الإسلامية للأحزاب السياسيّة، ونكشف تهافت المرسوم عدد 87 وحقول الألغام الاستعماريّة الكامنة في تلافيف ألفاظه ومصطلحاته…فما هي ملامح قانون الأحزاب في دولة الخلافة..؟؟ وكيف يبدو في ضوئها (مرسوم الثورة) المنظّم للأحزاب في تونس..؟؟

تعريف الحزب السياسي

يعرّف المرسوم 87 الحزب في فصله الثاني بأنّه (جمعيّة تتكوّن بالاتفاق بين مواطنين تونسيين تساهم في تأطيرهم وترسيخ قيم المواطنة فيهم، ويهدف إلى المشاركة في الانتخابات قصد ممارسة السلطة في المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلّي)…وهو تعريف سطحي مائع يقزّم الحزب السياسي وينحدر به إلى حضيض الجمعية الظرفية الجزئيّة، ويقصر عضويّته على المواطنين التونسيين مهما كانت عقيدتهم، ويضيّق نشاطه السياسي ويحصره في التداول على السلطة داخل الحدود الجغرافية للوطن مع إعادة إنتاج المنظومة الوطنية القديمة وترسيخها في الشعب، فإذا بالحزب وفق هذا المرسوم مجرّد جمعية هشّة منزوعة الدسم ليس لها برنامج مخالف لما هو موجود، توظّف من طرف السلطة لتكريس واقع التّشرذم والتبعيّة والانحطاط وفصل الدين عن الحياة والتمكين للاستعمار… في المقابل فإنّ الاصطلاحات والتعاريف الشرعيّة يجب أن تكون دقيقة جامعة مانعة منطبقة على واقع ما تعرّفه شرعًا: من هذا المنطلق فإنّ تعريف الحزب في الإسلام يجب أن يقع التنصيص فيه على انّه تنظيم تكتّلي كلّي يتسم بالديمومة والاستمرارية، وأنّه مقصور على المسلمين دون غيرهم حتى وإن كانوا يحملون التّابعية لأنّه لا يجوز شرعًا لغير المسلمين إنشاء أحزاب سياسية… وأنّه يستهدف العمل السياسي في كلّيته أي مزاولة كلّ النشاطات السياسية بما في ذلك الوصول إلى الحكم حتى لا يقع الإلتباس بالتنظيمات الدّائمية التي تستهدف العمل الثقافي أو الفنيّ أو السياسي جزئيًّا… أمّا أهمّ ما يجب التنصيص عليه في هذا التعريف فهو أن يكون هذا التنظيم الدائم قائمًا على أساس الإسلام وأنّه يحرم التّنظّم على أساس لا يقرّه الشرع مثل فصل الدين عن الحياة أو القوميّة أو الوطنيّة…

الأهداف والبرامج والأساليب

فيما يتعلّق بتسيير الأحزاب من حيث أهدافها وبرامجها وأساليبها، فقد نصّ الفصل الثالث من المرسوم 87 على أن تحترم الأحزاب السياسية في نظامها الأساسي كما في نشاطها وسيرها (مبادئ الجمهوريّة وعلويّة القانون والدّيمقراطيّة والتعدّدية والتداول السلمي على السلطة والشفافية والمساواة وحقوق الإنسان وحياد الإدارة ودور العبادة)…وهذا معناه أن تكون هذه الأحزاب من جنس النظام القائم وتُسخّر من أجل إعادة إنتاج المنظومة الديمقراطيّة ومشتقّاتها ـ أفكارًا وأجهزة ـ وأن تقصقص أجنحتها وتُفصل عن امتدادها الطّبيعي في المجتمع ـ أفرادًا ومؤسّسات ـ بما يضعفها ويهمّشها ويصنّفها ضمن (الأحزاب الصّفراء) ويقطع أمامها طّريق التغيير على أساس الإسلام وهذا بيت القصيد… هذا التلميح الخجول يبدو أنّ الفصل الرّابع من المرسوم قد تجاوزه: فقد نصّ صراحة أنّه (يحجّر على الأحزاب السياسية أن تعتمد في نظامها الأساسي أو في بياناتها أو في برامجها أو في نشاطاتها الدعوة إلى العنف أو الكراهية والتّعصب والتمييز على أسس دينيّة أو فئويّة أو جنسيّة أو جهويّة) وعدم التمييز على أساس ديني يعني منع قيام أحزاب سياسيّة على أساس العقيدة الإسلاميّة…ونحن وإن كنّا نلتقي مع الفصل في نبذ العنف والكراهية والتّعصب في المطلق، إلاّ أن ترجمة ذلك سياسيًّا يعني نبذ الجهاد أو الدّعوة إليه ونبذ العمل على نصرة الإسلام والمسلمين ونبذ معاداة اليهود وسائر الكفرة المحاربين ونبذ التغيير على الحكّام الكفرة بالقوّة وهي كلّها أحكام شرعيّة واجبة…فهذا الفصل وسلفه يندرجان في إطار دسترة وتقنين حظر الإسلام والحيلولة دون عودته إلى الحياة وهذا التفاف وقح على استحقاقات الثّورة وحرب صفيقة على الله ورسوله…في المقابل فإنّ الأحزاب في دولة الخلافة يجب أن تكون أهدافها وبرامجها وأساليبها قائمةً على أساس الإسلام، فلا تتضمّن مثلاً دعوة عصبيّة إلى عرق أو لغة أو جهة، ولا تخالف نصًّا قطعيًّا أو تنكر معلومًا من الدّين بالضّرورة…كما يجب أن تخلو ممّا يستحقّ العقوبة في تبنّيات الخليفة لأنّ ذلك يتعارض مع وجوب طاعة الحكّام، وهذا ليس فيه إجبار على اعتناق رأي الخليفة فالحزب من حقّه الاختلاف مع تبنّيات الخليفة…ويجب أن تكون وسائل الحزب سلميّةً لقوله صلّى الله عليه وسلّم (من حمل علينا السّلاح فليس منّا)، كما يحرم استخدام الوسائل المادّية (تدمير ـ تخريب ـ ترويع…)في محاسبة الخليفة أو التغيير عليه إلاّ إذا ظهر منه الكفر البواح الخالص فيصبح الخروج عليه بالحديد والنّار واجبًا…ويشترط أن يكون الحزب علنيًّا في أهدافه وبرامجه وقيادته، وذلك للتّأكد من عدم تعارضها مع الشّرع، وبما أنّ أمير الحزب هو المسؤول عن أيّ مخالفة فيجب معرفة شخصه ليتحمّل مسؤوليّته…

شروط العضويّة : المرسوم87

فيما يتعلّق بمعايير تأسيس الأحزاب والإنتماء إليها حدّد مرسوم 87 جملة من الشروط الواجب تحقّقها في العضوية: فقد اهتمّ الفصل السادس بقيادة الحزب تأسيسًا وتسييرًا ونصّ على أنّه (يشترط في مؤسّسي الحزب السياسي ومسيّريه التمتّع بالجنسيّة التونسية وبحقوقهم المدنيّة والسّياسية كاملة) وهذا حقل من الألغام: فشرط الجنسيّة التونسية جاء مطلقًا غير مقيّد بمدّة معيّنة، وهذا باب مشرّع على التّجنس والتجنيس حسب الطّلب، وعلى تمكين الأجانب غير المسلمين من تأسيس أحزاب في الوسط السياسي التونسي بمجرّد استخراج وثيقة الجنسيّة، ناهيك وأنّ (فرمان) بن علي سيّئ الذّكر كان يشترط الأقدميّة في الجنسيّة 10 سنوات بالنّسبة للمؤسّسين و خمس سنوات بالنّسبة للمنخرطين…كما أنّ شرط التمتّع بالحقوق المدنيّة والسياسيّة مبني على حيف فظيع في حقّ شريحة المخالفين للقانون وهي شريحة كاملة العضويّة في المجتمع مافتئت تنمو وتتّسع في ظلّ ظلم الرأسماليّة: فهو يحرمهم إمّا من التمتّع بحقّ من حقوقهم إذا كانوا مواطنين في دولة علمانيّة، أو من الاضطلاع بواجب مفروض عليهم إذا كانوا رعايا مسلمين…ففي الحالة الأولى مضاعفة العقوبة غير مبرّرة ناهيك وأنّ السجين مثلاً يكون قد سدّد دينه تجاه المجتمع بمجرّد خضوعه للعقاب البدني…وفي الحالة الثانية فإنّ اقتراف ذنب ما لا يسقط عن المرإ التكاليف الشّرعية: فالسّجين يبقى مطالبًا شرعًا بالصّلاة والصيام ومشمولاً بفرض الكفاية الوارد في قوله تعالى (ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)…هذا دون أن ننسى إمكانيّة استغلال هذا الشرط في إطار المزايدة والابتزاز والضغط لاسيما في الديكتاتوريّات وديمقراطيّات العالم الثالث…أمّا الفصل السّابع فقد اهتمّ بالأعضاء المنخرطين ونصّ على وجوب تمتّعهم بالجنسيّة التونسية دون تقييد ذلك بأقدمية معيّنة أيضًا، كما نصّ على عدم جواز الانخراط في الأحزاب السياسية بالنسبة إلى ( العسكريّين ـ أعوان الأمن الدّاخلي ـ أعوان الديوانة ـ القضاة ـ الولاّة ـ المعتمدين والمعتمدين الأُول ـ الكتّاب العامّين للولايات ـ العُمد)…وفي كلّ هذا أيضا ما فيه من حيف تجاه هذه الشرائح الاجتماعية التي قد تعدّ بالملايين في بعض الدول، وحرمان لها من حقّها في إبداء الرّأي أو الاضطلاع بالواجب، وتهميشها وتشييئها وسلبها إنسانيّتها وتحييدها قسرًا بوصفها رصيدًا سياسيًّا وانتخابيًّا معطّلاُ قادرًا ـ لو استُغلّ ـ على قلب الموازين السياسيّة ،وهذا لوحده ينسف مبدأ الأغلبيّة في المنظومة الدّيمقراطيّة من أساسه…

بسّام فرحات

CATEGORIES
TAGS
Share This