مولود سنة 2018.. ابن بار لصندوق النقد الدولي  “إستراتيجية لتطوير وحوكمة المنشآت والمؤسسات العمومية” 

مولود سنة 2018.. ابن بار لصندوق النقد الدولي “إستراتيجية لتطوير وحوكمة المنشآت والمؤسسات العمومية” 

كشفت وثيقة صدرت عن رئاسة الحكومة أنها  تعتزم تنفيذ “إستراتيجية لتطوير وحوكمة المنشآت والمؤسسات العمومية”، في سنة 2018, وقد دُعّمت الوثيقة بأرقام  تصف على حد قولها كارثية الأوضاع صلبها، في سابقة يبدو أنها مقدمة للتفويت في البعض منها .

حيث أشارت الوثيقة إلى أن هدف الإستراتيجية هو إعادة هيكلة المنشآت والمؤسسات العمومية البالغ عددها 104 تنشط في 21 قطاعا.

وقد ورد فيها ، ” إن تواصل العجز الهيكلي بعدد من المؤسسات العمومية (29 مؤسسة أموالها الذاتية سلبية) يفرض على الدولة، اليوم، إعادة هيكلة هذه المؤسسات وصياغة إستراتيجية جديدة للنهوض بأدائها كما يجعلها أمام ضرورة تحديد دقيق لدور الدولة باعتبارها مساهما رئيسيا في هذه المؤسسات.
وبلغت الأموال الذاتية لهذه المؤسسات، خلال سنة 2015، قرابة 2730 مليون دينار سلبي مقابل رؤوس أموال بقيمة 447,8 مليون دينار، خلال نفس السنة.

وذكرت الوثيقة أن هذه المؤسسات تعاني من إشكاليات على مستوى الحوكمة وغياب الرؤية الإستراتيجية وتدني الإنتاجية والإضرابات وارتفاع كلفة الإنتاج والإجراءات الإدارية المعقدة وصيانة الأسطول وهيكلة الشركات وارتفاع النفقات وسياسات الدولة لإصلاح التعريفة.

وأشارت إلى أن عددا من المؤسسات العمومية كبّد الدولة خسائر دفعتها لضخ دعم مالي وصفته بالقياسي, بلغ نحو 5851,5 مليون دينار سنة 2014، وزهاء 2609,2 مليون دينار سنة 2015.

     الملاحظ في هذه الوثيقة أنها بدت في غاية الوضوح بالنسبة لما يخص أهدافها, اذ تمثّل خطوة متقدمة في تمشي الحكومة نحو تنفيذ مخرجات التوافق بين ساسة البلاد حول تطبيق كل ما طلبه صندوق النقد الدولي بالحرف الواحد, وتمكين شركات كبار المرابين ووكلائهم من إحكام القبضة أكثر على عصَب الاقتصاد التونسي, وتيسير سبُل اخضاعه إلى المنظومة الإقتصادية العالمية.

ويُذكرُ أن الحكومة كانت قد التزمت مع صندوق النقد الدولي في رسالة توجه بها كل من يوسف الشاهد  ومحافظ البنك المركزي في ماي 2017 الى رئيسة الصندوق، بتنفيذ برنامج للتصرف الناجع في خمس مؤسسات عمومية  هي الخطوط التونسية والشركة التونسية للكهرباء والغاز والديوان الوطني للحبوب والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد والشركة التونسية لتكرير النفط.

محاور الإستراتيجية وتطابقها مع مطالب صندوق النقد بالأمس

اقترحت الإستراتيجية إصلاحات ترتكز على أربعة محاور تتمثل في الحوكمة العامة والحوكمة الداخلية والموارد البشرية والحوار الاجتماعي والوضع المالي.

محاور جاءت متوافقة حدّ التماهي مع ما ورد في الوثيقة التي أصدرها وفد صندوق النقد الدولي يوم 16 جويلية 2016 والتي تضمنت ثلاثة محاور أو مطالب أساسية, الأول يتعلّق بتشخيص الوضع الاقتصادي والمالي, والثاني “الآفاق والمخاطر” المحدقة بالوضع الاقتصادي التونسي, والثالث بعنوان “السياسات الاقتصادية الكبرى”. حيث تضمنت جملة من التوصيات المتعلقة بالميزانية, والسياسة المالية, إضافة إلى إصلاح المؤسسات والحوكمة. كما تضمنت ملحقا بعنوان “إستراتيجية الوظيفة العمومية: العناصر الأساسية”.

تضمن الملحق بيانا لكيفيّة هيكلة أو “إصلاح” الوظيفة العمومية من خلال إعادة النظر في هيكلة الأجور, والتراتيب الخاصة بالمنح بهدف التقليص منها تدريجيا, كما أوصى أعضاء الوفد حينها بمراجعة آليات الإنتداب في الوظيفة العمومية, ووضع خطة لتقليص حجم الانتدابات والتحكم في كتلة الأجور, لتحقيق تقليص سنوي خلال السنوات الأربع التالية (ابتداء من سنة 2017 إلى موفى سنة 2020) لتصل نسبة كتلة الأجور من اجمالي الناتج المحلي الخام إلى حدود 12 بالمائة بدلا عن 14 بالمائة سنة 2016.

فمن بين الإصلاحات التي تسعى الحكومة لانجازها وبشكل فوري كما قالت سابقا وزيرة المالية المُقالة لمياء الزريبي, تسريح 10 آلاف موظف على الأقل في العام الحالي عبر التشجيع على التقاعد المبكر وبرامج التسريح الطوعي, مع بلوغ عدد العاملين في القطاع العام حوالي 560 ألف موظف وزيادة الأجور في السنوات الأخيرة التي اوصلت تكلفة الأجور إلى 14.4% من الناتج المحلي الإجمالي, ما يجعل يقيننا في كون هذه الخطوة تمثل مطلبا من مطالب صندوق النقد الذي يطالب دائما بتخفيض الإنفاق العام وترشيد النفقات, وهو ما كانت الوزيرة السابقة قد تعهدت به بقولها أن الحكومة تعهدت بخفض تكلفة الأجور إلى 14% على الأقل بنهاية 2017 على أن تبلُغ 12.5% في 2020.

إنّ الهدف الأساسي من “استراتيجيّة هيكلة الوظيفة العمومية” تقليص دور الدولة ومسؤوليتها في التشغيل، وفتح المجال في المقابل للقطاع الخاصّ, وتوفير خدمة لأباطرة المال من المستثمرين ذوي الروابط القوية بدوائر الحكم في الداخل والخارج, فيتم الإنتقال بالدولة من دور الإشراف الغائب في أغلب حاجيات الرعية إلى الدولة المساهمة (L’Etat actionnaire) التي تكتفي بالشراكة مع القطاع الخاص, الذي تتكفل بكل أعبائه وخسائره, واليوم وبتطبيق هذه الإستراتيجية وهذا التمشّي, تنتقل مباشرة إلى دور المتفرج لا أكثر. وكل ذلك تحت عناوين الإصلاح وتحسين جودة الخدمات وضمان النجاعة.

 

 “الويلات الكبرى” في ميزانية 2018…الجباية والوظيفة العمومية والصناديق الاجتماعية

كانت وكالة “رويترز”  قد نقلت تصريحات عن الوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى, توفيق الراجحي قال فيها إن الحكومة تتجه نحو إقرار جملة من “الإصلاحات” قال إنها تأخرت وإنها ضرورية لتوفير موارد إضافية لميزانية الدولة.

وقال إن الحكومة تسعى لإقرار حزمة إصلاحات ستشمل الجباية والوظيفة العمومية والصناديق الاجتماعية. لخفض العجز في الميزانية إلى 4.9 % في 2018.

وأنّ ”ميزانية العام المقبل ستكون ميزانية إصلاحات كبرى تأخرت كثيرا، أهمها الإصلاحات الجبائية التي تهدف لرفع موارد الدولة، إضافة إلى إصلاحات في الوظيفة العمومية“.

وذكر أن الحكومة تجري مناقشات مع اتحاد الشغل بهدف الاتفاق على الترفيع في سن التقاعد .

وتابع أن ”الحكومة ستُقر مساهمة بنسبة 1% على المداخيل السنوية لتمويل الصناديق الاجتماعية “.وسترفع ضريبة القيمة المضافة بنسبة 1%.

تصف الحكومة هذه الإجراءات بالمؤلمة وكأن ما سيصيب البلاد جراء تلك الإجراءات ليس إلا جرحا سطحيا بسيطا سرعان ما يلتئم وتختفي أعراضه, بينيما هو في الحقيقة شرخ نازف ستكون نتيجته الحتمية حال تواصله ضربا للبلاد وما فيها من كينونة اقتصادية في مقتل, فما تحاول الحكومة الغارقة في الخيانة التلطيف من وصفه حقيقته تنفيذ لتوصيات صندوق النقد الدولي, وتكملة للوفاء بالتعهدات التي قطعها له رؤساء الحكومات التي تعاقبت على تونس منذ الثورة وآخرهم يوسف الشاهد, ومن لم تكفه تصريحات لمياء الزريبي ويوسف الشاهد وما كشفه توفيق الراجحي الوزير المكلّف بمتابعة هذه التعهدات, فما عليه إلّا أن يعود إلى تصريح رئيس الدولة الباجي قايد السبسي منذ أيام في حوار صحفي متلفز قال فيه حرفيا “احنا إلي مشينا لصندوق النقد الدولي”, بما فيه من امتهان وإذلال للشعب الذي صبر على خيانة من بايعوا الغرب ومؤسساته الاستعمارية الناهبة على السمع والطاعة وكل بطانة السوء من ساسة اليوم, في تونس وتقديمها لقمة سائغة  أفواه المستعمرين والقاتلين الاقتصاديين, أولائك الذين لا يعرفون مصدرا للرفع من موارد الدولة غير جيوب البؤساء والمعدمين من ضحايا تلك القسمة الضيزى التي تمّت بينهم بين مسؤولهم الكبير.

       هكذا تقدم كل حكومة، يوسّد الأمر إليها في ظروف وأوضاع تُدفع البلاد نحوها دفعا، نفس الحجج والذرائع من مثل أن “المجموعة الوطنية” تتحمل وطأة مؤسسة خاسرة وآيلة إلى الإفلاس فتقدم نفس الحلول والمعالجات: التفريط فيها لجهات خاصة ولا يكون ذلك إلّا للرأسمال الأجنبي. ألم يقم المخلوع وفي اطار ماسمّي حينها ب “سياسة تحرير السوق” والتنازل عن الأنشطة التي تشهد تنافسية كبيرة (هكذا)، بالتفريط و خوصصة شركات قطاع الإسمنت (البالغ عددها 7 مصانع) عام 1998.

 فتم “خوصصة” والتفريط في أربعة مصانع منتجة للإسمنت الرمادي، وهي:

      1 ـ  “الإسمنت الصناعي التونسي” لفائدة المجمع الإيطالي (CLACEM).

      2 ـ  “إسمنت جبل الوسط” للمجمع البرتغالي(CIMPOR).

      3 ـ  “إسمنت النفيضة” للمجمع الإسباني (UNILAND).

      4 ـ مصنع “إسمنت قابس” الذي اقتناه المجمع البرتغالي (SECIL)

 كما تمّت خوصصة مصنع (SOTACIB) -وهو مصنع موجود بجهة فريانة ويقوم بإنتاج الإسمنت الأبيض- وذلك لفائدة المجمع البرتغالي (MOULINS) .

        وبالتالي لم تعد تملك الدولة سوى مصنعين فقط لإنتاج الإسمنت الرمادي الأول بالشمال (إسمنت بنزرت) والثاني بالشمال الغربي (إسمنت أم الكليل) بعد عملية الخوصصة التي استمرت بين 1998 و2005. ومن الطرائف التي يتناقلها عمال شركة “الإسمنت الصناعي التونسي” ( جبل الجلود) والمسلم للمجمع الإيطالي(CLACEM) من قبل المخلوع، أن هذا المجمع لم يقم حين تسلّمه الإشراف على المصنع إلا تهيئة المطعم  حتى يتسنى للعمال تناول الغداء في ظروف طيبة، وتهيئة “الأدواش” وإلزام العمال بالإغتسال عقب كل يوم عمل، ليتضاعف الإنتاج بعد ستة أشهر فقط.

  فهل فساد المؤسسة مسوِغ للتفريط فيها للقوى الإستعمارية، أم البحث عن أسبابه وإصلاحه ومحاسبة المسؤولين عنه واستبدالهم هو الإجراء الذي سيتخذه كل عاقل مخلص؟

هكذا تُستباح البلاد وتُقدّم وما حوت للناهب الأوروبي لتُعصَر جيوب المتعبين والمفقرين من سواد العامة, حينما تُوَسّدُ القيادة لغير أهلها, وحينما يقفز على منصة الحكم دمى تحرّك برنّة هاتف يُنادي من وراء البحار.

أحمد بنفتيته

CATEGORIES
TAGS
Share This