25 جويلية والاعتصام، محطة واحدة على طريق المكر بالثورة

25 جويلية والاعتصام، محطة واحدة على طريق المكر بالثورة

أبى قيس سعيد إلا أن يضيف، لسجل مكره بالثورة التي لم يكن له يوما سهم فيها، إسفينا نكأ به جراح الشعب المكلوم، منذ أيامها الأولى إلى أن تمكن من التسلل إلى أعلى هرم السلطة، دون أي جهد منه وبلا ثمن ولا سند خارجي، حسب زعمه، حين أعلن “أنه لا يعترف ب 14 جانفي كتاريخ لذكرى الثورة وأنه يعتبر 17 ديسمبر هو التاريخ المناسب لذلك”، مما فتح على الناس، المتعبين بعبث تهارش الوسط السياسي، -مضاف إلى الهم اليومي الذي أرهق كواهلهم- متاهة أخرى تشغلهم عن قضيتهم المركزية، وذلك بصرف الانتباه إلى الخوض في صراع وهمي، في مزايدة رخيصة تخفي ذاك المكر، بإظهاره الحدب على الثورة، فانبرى يصحح تاريخها بإعلان 17 ديسمبر هو التاريخ المناسب لأن تاريخ يوم 14 جانفي هو تاريخ إجهاض الثورة، مبررا تدابيره الاستثنائية بالخطر الجاثم حين دفعت المليارات في عدد من الدول، ومنددا بمن “يدّعون الصدق وهم يمتهنون الفساد كالجراد”، وأن القضية ليست قضية حكومة بل قضية منظومة كاملة من اللصوص، ينهبون الشعب ويريدون العودة إلى ما قبل يوم 25 جويلية، وأنه لم يتأخر ولم يتقدم لحظة الأخذ على أيدي “العابثين” وإنما ترك الوقت للفرز حتى تسقط عن البعض آخر ورقة توت، معرّضا في كل ذلك بقيادات حزب النهضة ومن حالفها، وملقيا في روع الناس أن الإسلام السياسي علة كل مآسيهم، وأن خلاصهم من كل ذلك بتفويضه للقضاء عليهم وعلى من ينحو نحوهم، مع يقينه أن لا علاقة لخصومه أولئك بسياسة الإسلام، وأنهم يبذلون كل جهدهم للتبرؤ من تلك ” الشبهة”.
ماذا يخفي قيس سعيد؟
يدرك قيس سعيد يقينا أن 14 جانفي تاريخ “إجهاض” الثورة سابق لتولي أولئك السلطة حتى يخفي الملتفين عليها حقا، المستعمر وأذنابه، والساعين يقينا لإجهاضها، بل لقد استطاعوا أن يخدعوا جمهرة الناس بالمسارعة ولما سرى التململ بين الثائرين وأعلن الرفض لهذا التعيين دُسّ فيهم من ينادي بضرورة تطبيق الفصل 57، فعُيّن فؤاد المبزع رئيس برلمان المخلوع قائما برئاسة الدولة وأصبح من يومها عنق الثورة بأيديهم، لا يفسد عليهم تدبيرهم إلا رفض جمهور الناس لكل تصرفاتهم وعدم أنسهم بأي متسلط على رقابهم. يدرك قيس سعيد كل ذلك ويدرك أن تباكيه على “الانفجار الثوري انطلق من سيدي بوزيد، ولكن للأسف تم احتواء الثورة حتى يتم اقصاء الشعب عن التعبير عن ارادته وعن الشعارات التي رفعها”. هو للتضليل عن الهدف الحقيقي من الثورة وهو إسقاط النظام وعن شعارها المركزي “الشعب يريد إسقاط النظام” والذي غدا إيقونة الثورات في العالم كله، لا في تونس وحدها، ذاك النظام الذي تربى في سراديبه قيس سعيد حتى صار من عتاة منظريه، وأُتي به اليوم لتلافي ما عجز عن تلافيه كامل الوسط السياسي من إنقاذ النظام، بركوب صهوة الثورة وتبني شعارها منقوصا من لبه بترديد عبارة الشعب يريد، دون موضوع إسقاط النظام.
خصوم قيس سعيد لا يقلون عنه إثما
*** لم يوفر خصوم قيس سعيد شيئا من جهودهم في السير بالثورة نحو الهاوية والنيابة عن أعداء الأمة في تضليلها عن رسالتها في الحياة، بالدعوة إلى ما يسمونه بسيادة الشعب بدعوى إنقاذه من سلطة الفرد وعدم استئثاره بالسيادة دونه. فالفرق بين الفريقين هو في الآلية، ومن هو صاحب السيادة: الفرد أم الشعب، أي من له حق التسلط على خلق الله بما لم يأذن به خالقهم، يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز” إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( يوسف ـ 40). فبين الاعتصام الذي ” يكفله الدستور ” والاضراب عن الطعام الذي تفرضه ” الحالة الثورية ” من جهة، وبين حالة “الخطر الداهم”،و ” العمل بأحكام الدستور، واتخاذ تدابير يقتضيها الوضع، لإنقاذ تونس، ولإنقاذ الدولة التونسية ولإنقاذ المجتمع التونسي” من جهة أخرى، يجد التّنازع على الحكم بغير ما أنزل الله مراغما للتنافس على “إقصاء” الإسلام السياسي والتباهي بذلك، والسعي لنيل صكوك الرضا والدغم السياسي.
قيس سعيد والاختبار المشروط
أعطي قيس سعيد، أمام الاحتقان الذي بدأ يتلبد في سماء تونس والمنذر بهبوب العاصفة، بعد الفشل الفظيع لوسط سياسي فقد ماء وجهه أمام السيد الغربي ورسوب في اختبار ” الديمقراطية ” المستجلبة، فرصة ترويض الناس وإيهامهم بأن البركة تحت إبطه، فكانت تحركات 25 جويلية عسى أن ينجح في مراودة أهل تونس عن ثورتهم. وهو ليس في حيرة من أمره، إنه لا يلقي بالا لخصومه الداخليين مادامت الضغوط الخارجية لم تبلغ حدا حرجا، والأمر موقوف على إنفاذه خارطة طريقه، فاحتاج إلى مساحيق التجميل فكان اللعب على تاريخ “عيد الثورة ” عسى أن ينجده في اختباره أو هي الحالقة فلن يرحمه ما قدَّم، وله في من سبقوه دروسا. إلا أن ما لا يدركه من أضاعوا بوصلة التاريخ أن أمة الإسلام تتعثر ولكنها سرعان ما تنهض فتستعيد دورها. وسيظل تاريخ 14 جانفي 2011 معلما شامخا تستضيئ به الأجيال القادمة.
ــ حدث اكتشف فيه أهل تونس مكامن القوة فيهم ونفضوا عنهم أردية الخوف، وانكشفت أمامهم ذلة الحكام فلم يعودا يأبهون بهم
ــ حدث أبان لهم أن عدوهم الحقيقي هو الغرب الكافر المستعمر، وأن لا خلاص لهم إلا بفك قبضته عن رقابهم، وأن أعظم مآسيهم في غفلتهم عن كيده ومكره.
ــ حدث أسقط طاغية من أعتى طغاة هذا الزمان، حفز إخوة لنا في العقيدة فثاروا على جلاديهم ورسموا بذلك درب الفلاح للأمة قاطبة.
قال عز من قائل: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ *”(محمد ـ 7ـ8ـ9)
أ, عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
Share This