تمدّد دور الإمارات المشبوه في اليمن
كان التحاق الإمارات بالسعودية فيما سُمّي بعاصفة الحزم مُشابهاً لالتحاق بريطانيا بأمريكا في غزو العراق، وهدفه الرئيس هو منع السعودية وأمريكا من التفرد برسم مستقبل اليمن، والدليل على ذلك تعبير مسؤولين في الإمارات بعدم اقتناعهم بعاصفة الحزم، فقد جاء على لسان المستشار السياسي لولي عهد أبو ظبي الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله قوله بأنّ: “عملية عاصفة الحزم لا تعدو سوى مغامرة سعودية”.
وضعت أمريكا خطة واضحة للسعودية في اليمن تقوم على ثلاثة مرتكزات وهي:
1- إضعاف عبد ربه منصور هادي الذي يُمثّل ما يُسمّى بالشرعية، وقد تحدّث هادي مرّات عديدة عن عدم دعم السعودية لقواته، كما أشيع أكثر من مرة عن احتجازه في السعودية ومنعه من ممارسة مهامه.
2– إضعاف جماعة علي عبد الله صالح وتركها لقمة سائغة للحوثيين، وقتل صالح نفسه.
3– تقوية جماعة الحوثيين وعدم استهدافهم بضربات حقيقية، ومحاولة دمجهم في حل سياسي مع المكونات اليمنية الأخرى، ضمن مشروع سياسي أمريكي لليمن، مدعوم بحلول سياسية أممية يحملها المبعوثون الأمميون المتعاقبون لليمن.
أمّا خطة بريطانيا الموازية للخطة الأمريكية فقد استخدمت في تنفيذها دولة الإمارات وكانت خطة عسكرية بامتياز، وتقوم على المرتكزات التالية:
1– انتشار عسكري إماراتي مُكثّف في مضيق باب المندب باعتباره مفتاح السيطرة على البحر الأحمر،وبوصفه واحداً من أهم الممرات البحرية في العالم، بل هو شريان ملاحي دولي لا يمكن أن تستغني عنه كل القوى الدولية، وتشكّل هذا الانتشار على النحو التالي:
السيطرة على أرخبيل سوقطرة الاستراتيجي جنوب عدن قبالة المضيق.
السيطرة على جزيرة بريم (ميون) الواقعة في فوهة المضيق.
السيطرة على أراضي قرية ذوبان المطلة مباشرة على المضيق.
نشر 400 جندي إماراتي في ميناء مخا القريب من المضيق بعد تحويله إلى قاعدة إمدادات عسكرية بحرية رئيسية لخدمة الوجود العسكري الإماراتي في كل أنحاء اليمن.
التحكم بمدينة عدن نفسها من خلال إقامة حزام أمني محكم حول المدينة ومطارها.
السيطرة على مطار مدينة المكلا في حضرموت.
بناء قاعدتين عسكريتين في السواحل الإفريقية المقابلة لمضيق عدن في كل من مدينة عصب الإرتيرية ومدينة بربرة الصومالية التابعة لما يُسمى جمهورية أرض الصومال التابعة لبريطانيا.
2– تشكيل مليشيات عسكرية يمنية جنوبية تابعة للإمارات في جنوب اليمن أهمها مليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة محافظ عدن السابق ذي التوجهات الانفصالية عيدروس الزبيدي، ومليشيا جنوبية أخرى بزعامة الوزير السابق هاني بن بريك وهو ذو توجهات سلفية.
3– تشكيل مليشيا عسكرية شمالية بعد مقتل علي عبد الله صالح بقيادة ابن أخيه طارق صالح أطلق عليها جيش الشمال للعمل ضد الحوثيين كبديل عن جيش هادي.
وهذه الخطة التي يغلب عليها الطابع العسكري تهدف إلى إيجاد عملاء وقواعد ومليشيات تُعرقل تطبيق الخطة الأمريكية، فلم تُضيع الإمارات جهودها في قتال الحوثيين لأنّها تعرف أنّ أمريكا لن تُمكّنها من ذلك، ولم تدعم هادي لأنّها تعلم أنّه مُقيد من قبل السعودية، لذلك اختارت أنْ تستثمر في الجنوب لتكون نقطة ارتكاز لها تنطلق بعد تأمينه عسكرياً لصالحها نحو الشمال.
وللتمويه والتعمية على السعودية وأمريكا أعلنت الإمارات عداءً سافراً لحزب الإصلاح الإخواني اليمني الذي تُعاديه السعودية، وطمأنت أمريكا بأنّها تقف معها بكل صلابة في محاربة (الإرهاب) نفسه الذي تُحاربه أمريكا وكيان يهود، ووقفت بلا مواربة وعلى المكشوف ضد قضايا الأمة الإسلامية وإلى جانب أعداء الإسلام في كل مكان، سواءً أكانوا نصارى أم روساً أم بوذيين أم هندوساً، وهكذا التصقت بأمريكا، ووطّدت علاقاتها بكيان يهود، واشترت أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات، ومنها منظومة صواريخ الباتريوت بملياري دولار، وطوّرت المعاهدة الأمنية بينها وبين أمريكا المُوقّعة عام 1994 إلى اتفاقية دفاعية تمنح أمريكا وضعاً استراتيجياً مُريحاً في الخليج، وتُدخل الإمارات في عداد الدول المحظية لدى أمريكا، وقدّمت مساعدات بمئات الملايين من الدولارات لعملاء أمريكا كالسيسي في مصر وحفتر في ليبيا، وبهذه الأعمال القذرة اعتُبرت الإمارات أمام الرأي العام الدولي والأمريكي غربية الهوى، حليفةً لقوى الاستعمار، وبدت وكأنّها أمريكية التبعية، فأصبحت تعمل بحرية في اليمن، وباتت تبني نفوذاً بريطانياً جديداً فيه من دون أية عوائق أو قيود، خاصةً بعد تكبيل السعوديين لأيدي عبد ربه منصور هادي، ثمّ بعد ضعف جماعة علي عبد الله صالح وهزيمتهم أمام الحوثيين.
إنّ خطةً مُحكمةً وذات أبعاد دولية كهذه لا يُعقل أنْ تكون منْ صنع دولة صغيرة كالإمارات لا يزيد تعدادها عن المليون نسمة، فلا بُدّ أن تقف وراءها دولة عظمى، فكل هذا الانتشار العسكري، وزرع كل هذه القواعد العسكرية، وتمويل كل هذه المليشيات، ومع كل هذه التعمية لا يمكن أنْ يكون وراءه دولةٌ صغيرة كالإمارات، بل لا بُدّ أنْ يكون نفوذاً لدولة كبرى هي بريطانيا التي ترعى الإمارات فعلياً.
وهكذا تمدّد الدور الإماراتي في اليمن خلال العامين الماضيين بسرعة خاطفة فأصبح أتباعها أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزهم في حل مستقبلي، وأصبح وجودها العسكري قوة يُحسب لها ألف حساب في أية تسوية سياسية لليمن، وانعكس ذلك على النفوذ البريطاني في اليمن، فتحولت لندن إلى عاصمة لاجتماعات القوى الرباعية، وتم اختيار مبعوث أممي بريطاني لليمن، وأصبحت بريطانيا بفضل الإمارات دولة راعية للحل السياسي في اليمن، فتقدمت السعودية بطلب رسمي لبريطانيا لمساعدتها في إنهاء الأزمة اليمنية وفقاً لما ذكرته صحيفة رأي اليوم التي تصدر في لندن.
وهكذا تتصارع أمريكا وبريطانيا وتتنافسان على اليمن بأدوات محلية، فتقوم السعودية والإمارات بالأعمال العسكرية المكلفة نيابةً عن أمريكا وبريطانيا على الأرض لا لشيء إلا لمد النفوذ الأمريكي والبريطاني في اليمن، بينما يدفع الشعب اليمني ثمن ذلك النفوذ كلفةً عالية من دماء أبنائه وقوت أطفاله، وبينما تُدمّر بلاده ويجوع أبناؤه، وتستوطن الأمراض الفتّاكة في كل بقاعه ليبقى النفوذ الأمريكي والبريطاني مستوطناً في اليمن.
( مقال مأخوذ عن جريدة الراية التابعة لحزب التحرير)