وضع النقاط السياسية على حروف العقيدة
أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون والذين يقتفون أثرهم بكتاب مهيمن على ما قبله ، ظهور رحمة بلا استكبار، وهيمنة قوامة وعدل بلا قهر ولا استعمار، وأمة شاهدة على الأمم بعقيدة راسخة وشريعة كافية وافية، قولا وفعلا، حكمها ناجز بعد التقرير، لا يقف عند البيان والتنظير، وجهادها ما يراه الأعداء لا ما يسمعونه.
والرسالة تقتضي فهم خطابها والوقوف على مرادها، ليتم تحقيق العبودية لله وحده لا شريك له في خلقه وتدبيره وأمره ونهيه سبحانه وتعالى عما يصفون وعما يشرعون من دونه.
إن متدبر القرآن الكريم للعمل به لا يغفل عن كونه خبر من قبلنا وفصل ما بيننا ونبأ من بعدنا، فيفهم أن الخبر والنبأ ليسا من التكليف بل من أخبار العقيدة وأنبائها، ويبرئ ذمته أمام الله سبحانه وتعالى بما خاطبه به تكليفا بالأمر والنهي فيما هو فصل بين الناس في الحكم بما أنزل والقضاء بما حد من حدود.
ولقد اختلط على كثير من المسلمين هذا الفهم المصيري لدينهم ولدولتهم الجامعة لقناعاتهم والمانعة لمكر أعدائهم، بفعل فاعلين دوليين وأتباع محليين، فصار المعروف منكرا والمنكر معروفا والمعلوم مجهولا، والمحجة البيضاء يخالطها سواد الكفر وتشريعه وأعوانه، وصار العدو وليا حميما والناصح الأمين عدوا لدودا، غريبا بين أهله، محل شبهة واستضعاف، فهانت الدماء والأعراض وضاعت الأموال والثروات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
من أجل ذلك نقدح زناد الفكر لنهضتك أيتها الأمة الكريمة، المغلوبة على أمرها لنضيء ما أظلمه الظالمون، ونضع النقاط على حروفها.
لقد أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام على عين الخالق المدبر وقاد جهادها، وأقام حدود الله فيها، ووزع أموالها بعدل الوحي وقسطاسه المستقيم، واتبعه على ذلك خلفاؤه الراشدون رضوان الله عليهم. وما تلك الأعمال إلا سياسة راشدة ورعاية شؤون واجبة الإتباع، ومحل قدوة للمسلمين. فكيف بنا في هذه السنوات الخداعات والحكام الخداعون والثقافة الخداعة أن تشهد أمة الخير ألا إلاه إلا الله وتحكم بغير شرع الله، وتشهد أن محمدا رسول الله ولا تقتدي بسنته وسبيله ودولته وحلاله وحرامه وحربه وسلمه؟ وكيف نردد أن السنة هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته فنرى في سكوته تقريرا ولا نرى في غزواته تشريعا واجب الإتباع، بإيجاد الكيان التنفيذي الذي يطبق الإسلام ويحمله بالدعوة والجهاد إلى العالم كافة؟ وكيف نفتح كل أبواب الفقه ولا نتكلم في فقه العزة، عزة الأمة المغصوب سلطانها، المنهدم ركنها وبنيانها، ونفرع في أحكام الطهارة ولا نتعرض لتطهير أراضي المسلمين من رجس أعدائهم، وكيف نحافظ على حدود الإستعمار ونضيع حدود الواحد القهار؟ وكيف نتفقه في أحكام المسبوق في صلاته ولا نتفقه في أحكام الأمة المسبوقة في عزتها ومكانتها و قيادتها؟
ذلك شأن من يفصل العقيدة الإسلامية عن مقتضاها السياسي وتطبيق نصوصها قرآنا وسنة على أرض الواقع سمعا وطاعة، وتعبدا وتقوى، كشأن من يفصل الروح عن جسدها أو من يترك حروف العقيدة بلا نقاط لتبقى مبهمة جامدة لا تحرك ساكنا، ولا تحق حقا ولا تبطل باطلا.
إن الترابط العضوي بين العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية المنبثقة عنها ونظام الإسلام اللازم للحياة الإسلامية في دولة إسلامية، يفترض أيضا ألا يكون الولاء السياسي والعمل السياسي لغير العقيدة ونصوصها المؤسسة لهذه الحياة الإسلامية المتميزة عن غيرها.