بالرغم من الضعف الشديد الذي طرأ على السياسة الفرنسية بعد الاتفاق الامريكي الروسي سنة 1961 على تصفية الاستعمار القديم في اسيا وافريقيا، والمتمثل في انجلترا وفرنسا، لا تنفك فرنسا عن العمل إلى الرجوع للتأثير الدولي وان كان بدرجة اقل من انقلترا، وذلك لبقايا نفوذ لا يزال لها في بعض الدول الافريقية ومن خلال توظيفها للاتحاد الأوروبي في القضايا الدولية،وبما ان فرنسا الكاثوليكية تكن العداء اللئيم للإسلام والمسلمين وأطماعها في بلاد المسلمين لا تتوقف، كان لا بد من معرفة واقع السياسة الخارجية لفرنسا، لمعرفة كيفية مواجهتها واتقاء شرها.
سياسة فرنسا الخارجية
إن سياسة فرنسا الخارجية مبنية على عاملين أساسين وهما: وضع فرنسا الدولي أي وضعها في أوروبا، ووضعها الإمبراطوري أي وضع مستعمراتها بالنسبة لها.
أما وضعها الدولي، فإنها بحكم موقعها الجغرافي في أوروبا تخشى دائماً ألمانيا، وتحسب حساباً لإنجلترا، ولذلك كان هاجسها هو هاتين الدولتين. فهي تخشى ألمانيا من أن تكتسح حدود فرنسا، وتخشى إنجلترا من أن تسيطر على أوروبا. ولذلك تركز كل أمورها، وترسم جميع سياساتها على أساس المحافظة على حدودها، وعلى أساس توازن القوى في أوروبا. وعلى هذين الأساسين: المحافظة على حدودها، وكونها يجب أن تكون هي قائدة أوروبا، قامت سياستها في أوروبا.
أما وضعها الإمبراطوري، فإن فرنسا قد اندفعت في العالم منذ القديم تستهدف الاستعمار، فوجدت لها مستعمرات في آسيا كسورية ولبنان، وفي أفريقيا، كشمال أفريقيا وعدة بلدان أخرى كالسنغال والصومال وغينيا وغيرها، وفي الشرق الأقصى كالهند الصينية. ولما وقعت الحرب العالمية الثانية وخرجت فرنسا محطمة الأضلاع، صارت تحاول الاستعانة بكل من إنجلترا وأميركا للمحافظة على الاستعمار. وبعد انتشار فكرة التحرر من الاستعمار، ظلت فرنسا تتشبث بالبقاء في المستعمرات من خلال الاستعمار السياسي والاقتصادي والثقافي.
طبيعة الاستعمار الفرنسي
تعتبر فرنسا دولة استعمارية لأنها قد اعتنقت المبدأ الرأسمالي فالنفعية جزء جوهري من حياة فرنسا ولذلك كانت حريصة على الاستعمار وحريصة على بقاء المستعمرات، والاستعمار الفرنسي كأي استعمار يعتمد في تركيز استعماره وفي تركيز نفوذه على القوة العسكرية والأعمال السياسية والعوامل الاقتصادية والتضليل السياسي والفكري، ولكن الاستعمار الفرنسي يزيد عن كل استعمار بأنه يجعل الناحية الثقافية والفكرية ركيزة أساسية لاستعماره أي ركيزة لفرض سيطرته على كل بلد لا سيما البلاد التي كانت مستعمرات له كتونس والجزائر والسنغال وغيرها، ولذلك فإن الاستعمار الفرنسي أفظع تأثيراً من كل استعمار.
مكمن ضعف فرنسا
تفتخر فرنسا على سائر دول أوروبا بأن الشعب الفرنسي هو الذي جاء بالأفكار العالمية كالحرية والعدالة والمساواة وبأنها منبت الرجال الأفذاذ في السياسة والفكر، وقد أثرت عليها أفكار الحرية تأثيراً كبيراً فأوجدت فيها التفكك بين رجالها وعدم الانضباط.
والشعب الفرنسي منذ أن أخذ الحرية فكرة له تأصل فيه التفكك فصار أقرب لأن يكون مجموعة أفراد من أن يكون أمة أو شعباً أو جماعة ولذلك قلما وجدت فيه حكومات قوية وقلما ساده حكم قوي ، ومن أجل ذلك سهل على إنجلترا استخدام فرنسا عدة مرات ، المرة تلو المرة ، ولذلك فإن فرنسا من بعد ذهاب نابليون حتى الآن أي منذ أن تأصلت فيها الحرية ظلت سائرة في ركاب إنجلترا ، وحتى حين خرجت للاستعمار في أمريكا وآسيا وافريقية إنما أخرجتها إنجلترا لتتقوى بها وإن كان التزاحم بين الدولتين كان أبرز ما يكون في التاريخ وبناء عليه فإن المرء لا يستطيع أن يحكم على الشعب الفرنسي بميزة واحدة تزيد عن ميزة الحرية ، فالحرية الفكرية أوجدت الفلاسفة والشعراء والمفكرين وغيرهم ، والحرية السياسية أوجدت الكرامة والعزة والثقة بالنفس فأوجدت الحشد الكبير من الرجال الأفذاذ ، والحرية الشخصية جعلت من باريس موطن عهر وفجور واندفاع مع الشهوة واللذة ، والحرية هي التي أوجدت الثغرات في فرنسا لاندساس الأجانب فيها ولا سيما الإنجليز. لذلك تعتبر الحرية بمعناها المطلق هي أساس البلاء في فرنسا.
ولا يستطيع المرء أن يقول أن في فرنسا أحزاب كذا وأن الحزب الفلاني هو كذا أو الحزب الفلاني هو كذا فإنه من العسير بل من المتعذر على شعب هذا شأنه أن توجد فيه أحزاب بالمعنى الحزبي ، وإنما توجد فيها مجموعات من الأفراد تسمي نفسها أحزاباً ومن هنا كان من الصعب أن يوجد فيها حكم قوي ، أو حكم مستقر، فإن كل فرنسي حاكم بنفسه وكل فرنسي يطمح أن يكون حاكماً ومن هنا لا يستطيع المرء أن يقول أن سياسة فرنسا الداخلية هي كذا وسياسة فرنسا الخارجية هي كذا فالسياسة الداخلية تكون حسب مزاج الحكام وحسب فهمهم للحرية والسياسة الخارجية تكون حسب قدرة فرنسا على الفتح والتغلب.
خطوط عريضة حول السياسة الفرنسية
وإذا كان لا بد أن تعطى فكرة عن سياسة فرنسا الخارجية فإنه يلاحظ أن سياستها مبنية على أساس إيجاد نفوذ لها في الخارج سواء أكان ذلك بمستعمرات أم بالنفوذ الثقافي أم بالنفوذ الاقتصادي ، وأعمالها السياسية ضد الدول الكبرى إنما تتناول إبراز شخصيتها والمشاركة في المجد والتسلط.
وتتسم سياستها بالبراغماتية، فقد ساندت المخلوع بن علي إلى اخر لحظة من حكمه ثم تظاهرت بعد هروبه بدعم ثورة الشعب التونسي عليه ثم انقلبت على الثورة بعد امتصاص الصدمة، كما تحالفت مع بريطانيا لإسقاط القذافي ودعمت المجلس الوطني الليبي ثم انقلبت علي عملاء بريطانيا ودعمت حفتر عميل أمريكا، وفي نفس الوقت ترقب الوضع الجزائري بحذر وتحرم على مسؤوليها اعطاء أي تصريح حول الوضع حتى لا تستفز الشعب الجزائري الكاره لها و لعملائها.
وفرنسا لا تحسن المداورات السياسية بل تغلب عليها المجابهة في أغلب الأحيان،وقد برز ذلك في مواجهة شيراك لجورج بوش الابن أثناء حرب الخليج.
كيفية مواجهة السياسة الفرنسية
ولذلك فإن طريق السير في مواجهة أعمال فرنسا السياسية هو عدم جرح كبريائها وعدم تمكينها من أخذ زمام المبادرة وعدم اعتبارها دولة كبرى إلا بمقدار ما تقبلها الدول الكبرى في السياسة الدولية، وعدم تمكينها من استخدام اوروبا في اعمالها السياسية و ذلك بعزل المانيا عنها.
أما مقتلها في مستعمراتها فيكون بتجريدها من عملائها واستهداف أهم أفكارها وتحطيم الزعامات التي تعتمد عليها في تسويق حضارتها وثقافتها بحملات اعلامية مركزة، وبكون كذلكبقلع نفوذها الاقتصادي والسياسي، وهو ما ستعمل عليه دولة الخلافة فور قيامها.
قال تعالى: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
د, الأسعد العجيلي, عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير – تونس