آخرها انقطاع الماء, التواتر السلس لجرائم الدولة

آخرها انقطاع الماء, التواتر السلس لجرائم الدولة

تكاد تكون موجودة في كل فصل من فصول دستورهم الوضعي الهجين. وبها يتباها دراويش الديمقراطية ومشعوذوها من دون أن يكون لها أي أثر أو وجود على أرض الواقع . فقط هم يستحضرونها كلما بانت للناس سوءة من سوآت هذه الدولة وانكشف قبح نظامهم. إنها كلمة حق. فالعمل قالوا عنه حق يكفله الدستور والحقيقة أن هذا الحق مسلوب من مئات الآلاف وبرعاية الدولة و بتخطيط منها. الصحة أيضا  ذكروا في دستورهم أنها حق والواقع يؤكد أن هذا الحق صعب المنال على ما يناهز نصف أهل تونس.

التعليم كذلك, أكد دستورهم أنه حق ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحرم منه طفل في تونس والواقع يقول أنه في كل سنة ينقطع عن التعليم 100 ألف تلميذ بسبب العجز عن توفير مصاريف الدراسة وبسبب تدهور البنية التحتية للمؤسسات التربوية وكذلك بسبب بعد الشقة عن الكثيرين ممن يقطنون المناطق النائية.

كثيرة هي الحقوق التي يزدحم بها دستورهم الوضعي ووضعت لتبقى مجرد حبر على ورق, وستظل كذلك لأن طبيعة دستورهم تفرض ذلك, والحق الوحيد المفعّل والمتمتع به هو حق الحكام والقائمين على شؤون البلاد والعباد في عدم محاسبتهم وطبيعة النظام الديمقراطي الوضعي تكفَله وهو حق الحصانة والتي تحت مضلتها ترتكب الجرائم وتسلب الحقوق, وبموجبها يموت الناس جوعا ويغرقون في أوحال الجهل والتخلف ويعاونون كل الويلات.

ومن بين الحقوق الوهمية التي نص عليها دستورهم المسخ ما جاء في الفصل 44 ونصه: ” الحق في الماء مضمون. المحافظة على الماء وترشيد استغلاله واجب على الدولة والمجتمع” هذا ما جاء في دستورهم وهذا ما ينعق به اليوم المزايدون والمتناحرون على غنائم الحكم متهمين الحكومة الحالية برئاسة الموظف السابق بالسفارة الأمريكية بتونس “يوسف الشاهد” وهدفهم من وراء ذلك كسب أكثر ما يمكن من النقاط على حسابه في التسابق نحو قصر قرطاج وعلى حساب حزبه في اللهث للوصول إلى قصري باردو والقصبة متناسين أنهم ترعرعوا جميعهم في المستنقع ذاته ولا فرق بين هذا وذاك إلا بحجم الولاء للمسؤول الكبير

عجز زمن الشح وزمن الوفرة

فاق محصول الحبوب لهذا الموسم كل التوقعات وبلغ رقما قياسيا لم تشهده تونس من قبل ولكن هذه النعمة حولتها الدولة إلى نقمة وتحولت وفرة المحصول إلى كابوس يقض مضاجع الفلاحين بسبب عجز الدولة على استيعاب كميات الحبوب وتخزينها وتركتها ملقاة على قارعة الطريق يهددها التلف في كل لحظة وحين علما أن ذاك الدستور ينص على أن الدولة من واجبها تحقيق الأمن الغذائي فها هي تقوم بالواجب وتقدم على توريد 92ألف طن من القمح بحجة أن الناس يفرطون في استهلاك الخبز وهذا ليس من الحقوق التي يكفلها الدستور. وكانت وفرة محصول الحبوب لهذا الموسم بفضل ما منّه الله علينا من أمطار غزيرة وبفضل هذا المن امتلأت السدود وأبعد عنا شبح العطش والجفاف فالسدود ارتفعت إيراداتها من 932 مليون متر مكعب في 31ماي 2018 إلى 2452 مليون متر مكعب في موفى شهر ماي 2019 مما نتج عنه ارتفاع مخزون المياه, ولكن الحال ظل كما هو عليه زمن الشح حيث أسفر انحباس الأمطار في السنوات الثلاث الأخيرة على عجز مائي فاق700مليون متر مكعب ما نتج عنه اضطرابات كبيرة في توزيع الماء الصالح للشراب وأثار احتجاجات عارمة في عدة مناطق مطالبة بتوفير المياه. وها هو المشهد ذاته يتكرر, سخط وغضب بسبب انقطاع الماء رغم وفرته وبقاء سيف العطش مسلطا على رقاب الأهالي, فإلى حدود شهر جوان الفارط فقط تم تسجيل 187 انقطاعا للماء هذا دون الحديث عن مناطق لم تنال شرف التعرف على شركة استغلال وتوزيع المياه، وتقاسمت مع الدواب والوحوش البرية مصادر شرب الماء ومنهم من يقطع عشرات الكيلومترات ليحصل على قليل من الماء غير الصالح للشراب. فمثلا منطقة سجنان بها 5 سدود ومع هذا فعلاقتها بالعطش وطيدة ولم تشأ هذه الدولة قطع أواصرها, وقد قطعت عهدا أن تبقى كما هي عليه منذ عهد “بورقيبة” إلى يومنا هذا.

وعليه, فالمشكل ليس في ندرة المياه أو وفرتها بل المشكل في الدولة ذاتها الغائبة عنها الإرادة كما غاب الماء على مناطق عديدة من البلاد. ف60 بالمائة من قنوات المياه عفا عليها الزمن وأغلبها لا زال بنفس الحجم والسعة رغم تزايد عدد السكان وحتى مجلة المياه التي كثر حولها الجدل تمت صياغتها وفق ما جاء في مجلة 1975 وبالتالي ستعيد إنتاج نفس المشاكل بل ستعمقها وتزيد الطين بلة.

اثر وفاة “الباجي قائد السبسي” وتولي رئيس مجلس النواب “محمد الناصر” مهام رئيس الدولة بصفة مؤقتة في ظرف وجيز, انفجرت وسائل الإعلام تهليلا بالانتقال السلس للسلطة وجعلوا منه حدثا عظيما لم يشهد له العالم مثيلا وأرجعوا هذا الانجاز الفريد من نوعه إلى طبيعة دولتهم وحكمة وحنكة وإخلاص القائمين عليها, والحال أن هذه السلاسة النادرة والانسيابية العجيبة في الانتقال والمرور من وضعية إلى أخرى هو من خاصيات دولتهم في مجال آخر ألا وهو ارتكاب الجرائم, فما إن تنتهي من جريمة تنتقل إلى ارتكاب أخرى بكل سلاسة ومرونة. ولم تترك مجالا إلا وزعت فيه جرائمها, التعليم, الصحة, الفلاحة, السياسة الخارجية.. وطبعا دون نسيان كبرى جرائمها وهي صياغة دستور لا يمت لعقيدة أهل تونس بأية صلة وغيبت منه أحكام الإسلام. لهذا نراهم يجرمون في حق البلاد والعباد ولا يحق محاسبتهم لأن هذا الحق يعد جريمة في النظام الديمقراطي الوضعي..

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This