إلى الوزير زياد العذاري: طلب الإحسان من أكابر مجرمي العالم يورث المهانة

إلى الوزير زياد العذاري: طلب الإحسان من أكابر مجرمي العالم يورث المهانة

عديدة هي مجالات اختراق البلاد وأبواب النفاذ إليها من قبل دول الاستعمار الغربي البغيض, ولعلّ أوسعها وأكثرها طَرقا تلك التي تخصّ المجال التشريعي والقانوني. ففي تونس اليوم إخترقت دوائر المستعمر ومؤسساته كل أبوابها واقتحمت جميع غرف التحكّم فيها, ما جعله قادرا ليس فقط على وضع سياسات التحكم في القطاعات الحيوية فيها, بل مراجعة المنظومة القانونية والتشريعية وتعديلها متى وكيفما شاء, بعد أن مكنه خونة الداخل من لعب دور الرقابة ومراجعة القوانين الموضوعة لجعلها تلائم مصالحه وتمكنه من إشباع أطماعه، وذلك تحت عنوان التعاون والشراكة والوقوف الى جانب الاقتصاد التونسي، مثل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي… واليوم تدخل على الخط الولايات المتحدة الأمريكية عبر مسالك متعددة, منها مؤسسة تحدي الألفية الأمريكية (MCC) التي هي مؤسسة حكومية أمريكية، كما تم تعريفها في البلاغات الصادرة عن وزارة التنمية والتعاون والاستثمار الدولي.

مولت هذه المؤسسة دراسة أنجزتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تم عرضها يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2019 في إطار ندوة صحفية حضرها وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي والمدير العام المساعد لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية دعت فيها الى الإسراع بمراجعة وتعديل 104 فصلا قانونيا يتعلق بالقطاع التجاري و133 فصلا آخر يتعلق بقطاع النقل والتبادل التجاري.

هذه الدراسة، كما قدمها السفير الأمريكي بتونس دونالد بلوم على هامش هذه الندوة الصحفية، “تندرج في إطار مبادرة برنامج تحدي الألفية الأمريكي الخاص بتونس الذي يرمي إلى دعم الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة التونسية والاقتصاد التونسي عن طريق رفع الحواجز أمام الاقتصاد، وخلق فرص العمل ودعم القدرة التنافسية”.

لقاءات ومنح مسمومة

وبرنامج تحدي الألفية الأمريكي الخاص بتونس هو أحد محاور برنامج اتفاقية الشراكة بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية للنهوض بالتنمية الاقتصادية الاحتوائية للتونسيين « كومباكت »، حيث انطلق تجسيد هذه الشراكة بلقاء في القصبة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد ونائبة مؤسسة تحدي الألفية الأمريكي الخاص بتونس كياه كيم يوم الأربعاء 1 فيفري 2017 وذلك استنادا الى توصية مجلس إدارة هذه المؤسسة المجتمع في 13 ديسمبر 2016 الذي اختار تونس لتمكينها من منح جديدة تمتد على 5 سنوات.

هذا اللقاء الرسمي تبعه لقاء ثان يوم 26 نوفمبر 2018 جمع نائبة رئيس مؤسسة تحدي الألفية الأمريكي الخاص بتونس ووزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري. تناول اعلام المؤسسة الأمريكية الجانب التونسي عن موافقة كل أعضائها على الملف المقدم من الجانب التونسي الذي يضم عدة مشاريع في مجالات النقل والفلاحة والتجارة وتكنولوجيات الاتصال والموارد المائية، وتخصيص هبة لتمويل المشاريع المقترحة بقيمة جملية تناهز 350 مليون دولار أي 1000 مليون دينار.

قوانين على المقاس

سنة بعد هذا اللقاء قدمت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية دراسة أنجزتها بطلب من مؤسسة تحدي الألفية الأمريكي الخاص بتونس تدعو فيها الى الإسراع بمراجعة وتعديل 288 نص قانوني في المجالات سالفة الذكر ليتسنى للشركات العالمية الاستثمار فيها بما يضمن لها جميع الحقوق ويفسح أمامها الطريق للاستيلاء على المجالات الحيوية تحت أنظار سلطة متواطئة استباحت البلاد وسخّرت التشريعات لفائدة المستثمر الأجنبي، مرة بطلب من الاتحاد الأوروبي تمهيدا لمشروع «الأليكا»، ومرة من صندوق النقد الدولي في إطار «الإصلاحات الهيكلية»، وهذه المرة من مؤسسة حكومية أمريكية في اطار رفع القيود القانونية التي تعرقل مساعي أمريكا في التغلغل في مفاصل الاقتصاد في تونس، وذلك تحت غطاء خطاب ركيك يجتر جملا لا معنى لها مثل جلب الاستثمار الأجنبي القادر على بعث المشاريع وخلق مواطن الشغل والاستثمار في الجهات الداخلية… خطاب لم نجد له أي أثر في الواقع ورغم ذلك يصر الجماعة على توزيع الوعود الزائفة واوّلها بأن سنة 2020 ستكون سنة الإقلاع…

لقد سلكت حكومة الشاهد مسارا إرتهانيا يضرب كل مواطن السيادة في تونس ويوفر الحماية للمستثمر / للمستعمر الأجنبي, وكرست ذلك في كل القوانين الموضوعة مؤخرا ونذكر منها قانون الاستثمار، والقانون الأفقي للاستثمار وتحسين مناخ الأعمال، وقانون السلامة الغذائية وجودة المواد الغذائية وأغذية الحيوانات… وإقرار اللجوء إلى التحكيم الدولي عند وقوع نزاع بين الدولة والمستثمر الأجنبي، وفي هذا السياق يمكن ذكر النزاع القائم بين تونس ومستثمر أجنبي في إطار قضية البنك التونسي الفرنسي، للوقوف على مآلات الاحتكام إلى المؤسسات الأجنبية الانتهازية.

باب حكومة الشاهد اليوم على مشارف الرحيل, ورغم ذلك مازالت تُبدي في مجالسها مع الوفود الغربية إستعدادها التام للقيام بأي «إصلاحات»، أو تعديلات، أو مراجعات، للقوانين التي تمليها الجهات الاستعمارية, على غرار هذه الدراسة التي تهدف بالأساس إلى تبيان سبل خدمة مصالح الاستثمار الأجنبي والشركات العالمية وإرساء ضمانات تشريعية تفتح لها طريق النفاذ إلى أقوات التونسيين, وليس للمؤسسات المحلية ولا للمواطن فيها من منفعة تذكر.

مزاد للتمويلات الملغومة

مسارات خيانية انتهجتها حكومات ما بعد الثورة تقضي ببيع البلاد وعرضها على مؤسسات التمويل الخارجي مرة بالقروض التي رهنت الأجيال القادمة, وأخرى بالمنح المشروطة, وذلك بدعوى عجز الميزانية وهشاشة الاقتصاد المحلي وتراجع المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. وبعد أن فتحت الدول الغربية أمام هؤلاء الرويبضات جميع أبواب التمويل المسموم والملغوم, من صندوق النقد الدولي إلى البنك الإفريقي للتنمية والبنك الدولي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير (رغم أن مجال تدخل هذا الأخير هو البلدان الأوروبية فقط), والبنك الأوروبي للإعمار والتنمية (berd). واليوم مع مبادرات ومؤسسات حكومية أمريكية.. رغم حرص الجانب الأوروبي على تفعيل سياسة الجوار مع تونس في نسخة جديدة على مقاس بلدان «الربيع العربي» والزام الحكومات المتعاقبة بضمان ما أسمته «استمرارية الدولة» -والقصد هنا هو استمرارية النظام الرأسمالي والحفاظ على المصالح الاستعمارية الأوروبية- بما يعني الالتزام بعدم مراجعة الاتفاقيات الدولية الثنائية ومتعددة الأطراف مثل اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي لسنة 1995 والتعهد بالإبقاء على نظام اقتصاد السوق وفتح أسواقها في إطار مناطق التبادل الحر, وغيرها من الإتفاقيات الاستعمارية الخيانية التي رهنت البلاد وأهلها عند من لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة.

ساسة وكلاء وشعبٌ ثائر

خارطة طريق مُظلمة تنفذ بنودها السلطة في تونس التي ترى بأعيُن أعداءنا استنادا واسترشادا ببرنامج الإصلاحات الهيكلية الكبرى المصاغ من قبل صندوق النقد الدولي والتي لن تصل بتونس إلّا إلى مزيد من المهالك والمظالم في حق شعب مازال ثائرا في وجه من حكموا باسم المسؤول الكبير.. شعب برهن على ذلك في الأمس القريب بإخراج كل وجوه الحكم الممثلة للمنظومة حكما ومعارضة.. من سباق الرئاسة في دوره الأوّل, وهو ما سيجعل الخبث الاستعماري الأوروبي يزداد حدّة وحقدا على هذا البلد, وسيدفع الخونة من الساسة الوكلاء والوظيفيين إلى تنفيذ مخططات تركيع استعجالية علّهم يتفادون على أقل التقدير الضغط المتزايد للشعب بشكل يعطيهم فسحة للاجتماع وأخذ التعليمات الجديدة من “المسؤول الكبير” وأذرعه, وخصوصا من الشق الانجليزي منه, للتعامل مع المرحلة الحالية وفق ما يخدم مساعيه لإحلال “الاستقرار السياسي” في البلاد والتمكن من تثبيت حاكم يضمن استمرارية نفاذ النظام الرأسمالي الديمقراطي ويكون مرضيا عنه في مشهد تُستدعا فيه صورة الزعامات الشعبية التي خدعت شعوب المسلمين لعقود طويلة من الزمن. “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”.

وصدق الله تعالى القائل : “ما يود الذين كفروا من أهل الكتابِ ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم.” اذ يبين بذلك تعالى شدة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، الذين حذر من مشابهتهم للمؤمنين, وينبه إلى ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل, الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث يقول تعالى: “والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم”.

أحمد بنفتيته, عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير – تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This