حين يحاصرهم العجز والفشل من كل جانب, وحين تتساقط عن نظامهم الديمقراطي الوضعي جميع أوراق التوت وحتى باقي أوراق الأشجار الأخرى وبجميع أنواعها، وحين تظهر للعيان كل العاهات الفكرية والسياسية التي يعاني منها هذا النظام، تراهم يجدون ويكدون في الركض هاربين إلى الأمام أو تراهم جميعا يحاكون الديك المذبوح وينخرطون في الرقص وهم يتصببون شعوذة ودجلا علهم يوارون سوأة نظامهم ويصرفون الأنظار عن مفاسده التي عكسها عجزهم طيلة ستة عقود عن رعاية شؤون الناس وتوفير ولو النزر القليل من مقومات العيش الكريم.
هذا وتحولت الساحة السياسية هذه الأيام بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة إلى ما يشبه السرك, تعرض فيها الحركات البهلوانية وتمارس كل صنوف الدجل والشعوذة، ومن أهمها الجدل القائم حول ضرورة أن تكون الحكومة وخاصة رئيسها من المستقلين, في إشارة لكون الأحزاب لا هم لها غير خدمة مصالحها ولا تعنيها مصلحة البلاد لا من قريب ولا من بعيد، كما أنه حسب زعمهم لا توجد في الأحزاب الكفاءات القادرة على النهوض بالبلاد كما هو حال الأحزاب التي تشكلت منها كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة.
إذن, فالمستقلون هم وحده من تهمهم مصلحة البلاد وهم فقط يحرصون على وحدتها، وسيادتها ولا يفرطون في ثرواتها ويصلون ليلهم بنهارهم لإطعام جياعها والأخذ بأيدي فقرائها ومشرديها وإغراء شبابها الذي استبد به اليأس بالبقاء على أرضها والإحجام عن الإبحار على قوارب الموت بحثا عن لقمة العيش في إحدى بلدان القارة العجوز. هذا ما يحاولون إقناع الناس به هذه الأيام, وهذا ما يجعلنا نسأل هل حقا الساسة المستقلون هم أفضل من أولئك المنضوين تحت راية الأحزاب ؟ أم أنهم لا يختلفون عنهم في شيء وأن الأمر لا يعدو كونه ألاعيبا يمراد بها التضليل وبيع الأوهام ليس إلا؟
قواعد حزب المسؤول الكبير
سواء أكانوا أحزابا أو مستقلين, وسواء من الذين يصفون أنفسهم ب”التقدمين” أو “الوسطيين”, وسواء من المنتمين إلى عائلات لا وجود لها إلا في سجلات منتحلي صفة رجال الدولة والمتطفلين على السياسة مثل ” العائلة الديمقراطية الوسطية” و”العائلة الديمقراطية الاجتماعية” و” العائلة اليسارية” وغيرها. أو كانوا مستقلين لا ينتمون لأي حزب فهم جميعا تربوا في جحر ضبّ لم يفارقوه منذ أن وجدوا, ولا يقدرون على أن يبصروا إلا ظلمته, ولا يقوون على استنشاق غير نتانته, ولا يستمتعون إلا بضيقه وضنكه.. الجحر الذي حذرنا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم من مغبة ولوجه ونهانا عن اتباع أعداء عقيدتنا وديننا لأن اتباعهم والسير على نهجهم وخطاهم سيؤدي بنا في نهاية المطاف إلى دخوله رغم ضيقه وشدة عتمته ورغم ما فيه من عفن. هذا الجحر هو اليوم النظام الديمقراطي وضيقه الرأسمالية وعفنه الحريات الشخصية وكل ما يخالف عقيدتنا وما انبثق عنها, وهو التشريع والحكم بغير ما أنزل الله. هذا الجحر اليوم هو الارتهان للمستعمر. وجعل بلادنا ملكا مشاعا له يتبوأ منها حيث يشاء. هذا الجحر اليوم يشرف عليه المسؤول الكبير, الأحزاب والمستقلون يقفون لا يتنفسون إلا بأمر فهم رهن إشارته وطوع بنانه في كل آن وحين، لا يعصون له أمرا, تراهم ركعا سجدا على أعتاب سفارته، يستجدون في ذلة ومسكنة أمام باب صندوق نقده الدولي راجين عطفه عليهم والتوسل إليه ليمكنهم من رهن البلاد بعد كتم أنفاسها بالقروض وسحق أهلها تحت وطأة التداين بعد أن مكنوا المسؤول الكبير من ثرواتنا وهم صاغرون.
هذا الجحر اليوم هو حزب المسؤول الكبير الذي تنتمي إليه الأحزاب والمستقلون وكان أول المنخرطين فيه كبيرهم “بورقيبة” الذي علمهم الارتماء تحت أقدام كل مسؤول كبير لا يرقب فينا إلاّ ولا ذمة, ورباهم على معاداة الإسلام ودربهم على محاربة أحكامه وغرس فيهم موالاة الغرب والتسبيح بحمد حضارته وتقديس وجهة نظره في الحياة, وتأليه كل مفاهيمه. ولم يتخلف ولم يتثاقل إلى الأرض أي أحد منه من أحزاب ومستقلين واستنفروا خفافا وثقالا ليكونوا جنودا في حزب الاستعمار وخدما للمسؤول الكبير..