حكومة الفخفاح… وهل يستقيم الظل والعود أعوج

حكومة الفخفاح… وهل يستقيم الظل والعود أعوج

كما كان متوقعا، صادق مجلس النواب الخميس 27 فيفري 2020 على منح الثقة لحكومة السيد إلياس الفخفاخ ب129 صوت، بعد شهر من المناكفات التي لم تحسمها إلا عصا المسؤول الكبير التي ارتفعت معلنة انتهاء الفسحة، فجاء الفريق الحكومي كشكولا من التنافر الشخصي فرضته القوى الغربية ومؤسساتها المالية، إذ كيف يتصدر المشهد السياسي اليوم من كان وضعه في الانتخابات الرئاسية والتشريعية صفرا مضاعفا؟!! ألا يؤكد هذا أن الإنتخابات ليست سوى الغطاء الذي تغلف به عملية القرار السياسي حتى تظهر شرعية ومحلية، في حين يبقى القرار الفعلي بيد الدوائر الاستعمارية.

حكومات المسؤول الكبير

لقد أكد رئيس الحكومة الجديد أثناء تسلمه رسميا رئاسة الحكومة في 28 فيفري 2020 بأن سفيرة بريطانيا سألته كيف يصنع إذا ما تحصلت حكومته على ثقة البرلمان، وهو ما يحيلنا بالذاكرة إلى رئيس حكومة الترويكا حمادي الجبالي الذي لم يتسلم الحكم إلا بعد المساءلة الشهيرة التي تعرض لها في البرلمان البريطاني، بالإضافة إلى ما كشفه البرلمان البريطاني حول دور الحكومة البريطانية في عملية تمويل مشبوهة تقدر بملاين الدولارات لوسائل إعلام تونسية قصد الانخراط في تشويه الاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت في وجه السيد يوسف الشاهد رئيس الحكومة الأسبق في جانفي 2018 والترويج بالمقابل لإصلاحات هذا الأخير التي لا تخرج عن كونها املاءات لصندوق النقد الدولي، ولقد كان لسفيرة بريطانيا (قبل جلسة منح الثقة) اتصالات محمومة ببعض المعنيين بتمرير الحكومة وعلى رأسهم السيد نبيل القروي والسيد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، رئيس البرلمان الحالي، وهو ما يؤكد أن بريطانيا لا زالت تهندس المشهد السياسي في تونس وتبحث في السير الذاتية لرجالاتها قبل توظيفهم.

حكومة تصريف أعمال

ولذلك فإن حكومة إلياس الفخفاخ لن تختلف عن الحكومات السابقة، فهي لا تخرج عن كونها صناعة غربية، لها وظيفة محددة، هي حراسة المنظومة الغربية الرأسمالية وتنفيذ أوامر الغرب ومؤسساته المالية وحفظ مصالحهم، والأهم من ذلك كله: جريمة إقصاء الاسلام عن الحكم وحرمان الثورة التونسية من تغيير حقيقي يقلع الإستعمار ويسترجع سلطان الأمة وسيادة الشرع الحنيف.

إن هذه الحكومات بشتى أنواعها الحزبية والانتقالية والتكنوقراط وحكومة الرئيس، هي حكومات تصريف أعمال لا تملك إلا تنفيذ ما يطلبه منها الغرب ومؤسساته المالية، ولن تخرج عن خارطة الطريق التي رسمتها الدوائر الغربية في قمة الثماني الكبار في دوفيل بفرنسا في ماي سنة 2011، التي تعهد فيها رئيس الحكومة المؤقتة الباجي قايد السبسي بالالتزام بالاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي مقابل مساعدة هذا الأخير تونس في الانتقال الديمقراطي، من خلال القروض المشروطة، حيث انخرطت حكومات ما بعد الثورة في تنفيذ الرزنامة التي وضعها الغرب وأذرعه المالية للالتفاف على الثورة التونسية.

الاتحاد الأوروبي

بدأت أول خطوة بتوقيع اتفاقية “الشريك المميز” مع الاتحاد الأوربي أثناء حكومة الجبالي في نوفمبر 2012 التي فتحت الباب على مشروع “اتفاقية الأليكا”، أي مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي، المشروع الذي يعتبر امتداد لاتفاقية الشراكة التي وقعها المخلوع بن علي سنة 1995 وكانت نتائجها مدمرة على الاقتصاد التونسي، حيث أدت إلى ضرب النسيج الصناعي وحولت نصف مليون تونسي إلى معطلين عن العمل وحرمت تونس من أموال طائلة كانت تدخل سنويا للخزينة التونسية بفعل الضرائب على السلع الأوروبية التي وقع التخلي عنها بعد الاتفاقية، وقد تعهد رئيس الحكومة الأسبق سنة 2018 بتوقيع اتفاقية الأليكا قبل نهاية 2019، إلا أنه عجز عن ذلك بسبب حالة الوعي الشعبي التي عطلت التوقيع، لأنه مشروع يهدد الأمن الغذائي للبلاد ويقضي على ما تبقى من مقدرات الشعب التونسي، باعتباره سيشمل قطاع الزراعة و الخدمات، وهو من أهم الملفات التي ستطالب الحكومة الجديدة بالسير فيها.

صندوق النقد الدولي

الخطوة الثانية كانت في فيفري 2013 من قبل وزير المالية في حكومة الترويكا آنذاك السيد إلياس الفخفاخ رئيس الحكومة الحالي ومحافظ البنك المركزي السيد الشاذلي العياري اللذان أرسلا رسالة النوايا الأولى إلى صندوق النقد الدولي التي تضمنت تعهد الدولة التونسية بتطبيق كل الإجراءات المتفق عليها بين الطرفين مقابل حصول تونس على قروض مشروطة.

ثم كانت الخطوة الثالثة من خلال رسالة النوايا الثانية التي وقعها السيد الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي  والسيد سليم شاكر وزير المالية في حكومة الحبيب الصيد، التي فوضت فيها هذه الحكومة لصندوق النقد الدولي القيام بإصلاحات هيكلية للاقتصاد التونسي عرفت فيما بعد بالإصلاحات الكبرى التي كلف بها السيد توفيق الراجحي وحقق منها 85 بالمائة، حيث وقع تمرير ترسانة من القوانين أثناء حكومة السيد يوسف الشاهد وأدت إلى مصادرة الإرادة وفقد السيادة وإحكام السيطرة على مفاصل البلاد ومقدراتها. ويكفي في هذا الخصوص أن نرجع إلى قانون الاستثمار وقانون استقلالية البنك المركزي لنعرف حجم الكوارث التي ترتبت عما يسمى بالإصلاحات الكبرى، فضلا عن حجم المديونية وغلاء المعيشة ونسب البطالة وغيرها من المؤشرات السلبية للإقتصاد التونسي.

تجديد أنفاس الثورة

حكومة الفخفاخ لن تحل الأزمة بل ستكون جزء منها في سياق تواصل نفس الأسباب التي أدت الى فشل غيرها، ألا وهي المنظومة الغربية والنفوذ الأجنبي، فهل يستقيم الظل والعود أعوج؟!

إن الحل الوحيد هو أن تتجدد أنفاس الثورة ومطالبها في التغيير الحقيقي والعيش الكريم وأن يكون الحراك تحت قيادة مخلصة وواعية، تفكر من خارج الصندوق الأسود الذي وضعنا فيه الغرب، أي من خارج النظام الرأسمالي الديمقراطي، فتقدم لهذا الحراك مشروعا حضاريا ينبع من عقيدة الشعب التونسي وتراثه التشريعي، بعيدا عن سيطرة القوى الغربية ومؤسساتها المالية، فتؤدي إلى التغيير الحقيقي لأنها قيادة تستند في قرارها على سيادة الشرع الإسلامي وسلطان الأمة دون غيرهما.

د. الأسعد العجيلي، رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير  تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This