ليبيا في أتون الصراع الدولي

ليبيا في أتون الصراع الدولي

     ستظل الحلول السلمية، السياسية، في الصراع الجريمة، الدائر بين ما تسمى بالسلطة المعترف بها دوليا في طرابلس والتي يرأسها فايز السراج، وبين خليفة حفتر والذي يطلق على نفسه قائد الجيش الليبي، ستظل تلك الحلول هي الغاية التي يعلنها كل طرف ولا يسعى إلى تحقيقها.

   بل يلجأ كل طرف من طرفي النزاع إلى القول بأن الحسم العسكري في ليبيا غير وارد كلما هبت ريح التطورات الميدانية في غير أشرعته. وبعد أن عززت قوات حكومة الوفاق المسيطرة على العاصمة طرابلس، تقدمها على الأرض وصارت قوات حفتر في موقف حرج، أعلن رئيس الحكومة فايز السراج أنه أغلق مجال التفاوض مع  خليفة حفتر،  تلك المفاوضات التي أفشلها حفتر يوم 14 جانفي الماضي في موسكو برفضه التوقيع على قرار الهدنة الذي أعد له في موسكو ضمن مراسم حضرها فايز السراج، ووزير خارجيته محمد سيالة، ورئيس مجلس الدولة الإستشاري خالد المشري وأركان الديبلوماسية والعسكرية التركية، لما كانت قدراته العسكرية الجوية تكاد تشل حركة القوى المدافعة عن طرابلس العاصمة.

     فبين حملة “بركان الغضب” التي جردها الموسوم بالجيش الوطني الليبي بقيادة  “المشير” على المدينة العاصمة وأهلها، منذ أفريل من السنة الفارطة إلى اليوم، وبين”عاصفة السلام” التي يحمل لواءها السراج وزمرته، ملتحفا بالشرعية الدولية، تلك الشرعية التي نسجت، خيوط مأساة أهلنا في ليبيا تحت مسمى مقاومة الإرهاب، ومسرحية قرار مجلس الأمن عدد 2357، القاضي بحضر تصدير الأسلحة إلى ليبيا، والصادر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على”أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل أحد أخطر التهديدات للسلم والأمن”، والذي فرض بموجبه وبإجماع دول مجلس الأمن، جواز تفتيش السفن في عرض البحر قبالة سواحل ليبيا بالقوة، فبين هذا وذاك وضعت البلاد وأهلها تحت أسر الدول الاستعمارية وصراعها على موقعها الاستراتيجي ومقدراتها الهائلة، وليرضي الخونة غرورهم ووهم السلطة الكاذبة، رضوا بأن لا يكون لهم دخل في ما يبيته لليبيا أعداء الله ورسوله. ولعل أبرز شاهد على حجم الخيانة  ومرارتها أن تعقد دولة لا وزن لها في السياسة الدولية  كألمانيا مؤتمرا حول ليبيا تشارك فيه كل الأطراف الطامعة ولا يكون لليبيين فيه أي دور.

   في هذه الأوضاع المأساوية يجد الأهل في ليبيا أنفسهم مقسمين رغما عنهم بين طرفين يبدو ظاهريا أنهما يتنازعان رؤى مختلفة لفائدة الليبيين، إلا أن الحقيقة هي أنهم وقود لصراع بين القوى الأوروبية  التي تعتبر نفسها صاحبة الحق في ليبيا، والمنطقة كلها، ممثلة في ايطاليا وفرنسا وخاصة انجلترا المتمترسة خلف حكومة الوفاق من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية القوة الطامعة وأداتها في هذا الصراع خليفة حفتر من جهة أخرى، ومسخرة لخدمة أهدافها كلا من مصر والسعودية والسودان وبأوجه أخرى تركيا وروسيا لدعم موقفها.

    فهل تندرج التصريحات التي صدرت عن وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي, خلال استضافته بقناة محلية خاصة يوم 16 من الشهر الجاري, في معرض حديثه عن الأوضاع على الحدود التونسية الليبية, ومن ذلك ملف عودة التونسيين من ليبيا بسبب إنتشار فيروس كورونا المستجد, واصفا تعامل منظوري وزارته مع المسؤولين الليبيين “بالتنسيق مع المليشيات التي تسيطر على المعابر البرية”. مما أثار موجة من الجدل والاستنكار من قبل حكومة الوفاق الوطني، وترحيبا من خصومها في معسكر حفتر واعتبار تعبير وزير الدفاع التونسي، كلمة حق في الزمن الباطل، مما حدا بالسلطة في تونس إلى المسارعة بتوضيح الموقف الرسمي والتأكيد على تمسك الحكم في تونس بالشرعية المعترف بها دوليا أي أن موقفها لم يتغير وأن كلام وزير دفاع قيس سعيد لا يعبر عنها، فهل تندرج هذه التصريحات ضمن اصطفاف وزير الدفاع لغير الجهة التي تتبعها السلطة الرسمية؟ إذ لا يمكن أن يعد كلامه لغوا وهو أحد أعمدة المحكمة الإدارية، فهو يدرك جيدا وزن الكلمات والعبارات، وقد تعمدت مديرة الحوار معه إعادة عبارة: “التنسيق مع المليشيات” فأقرها. أم هل يفهم كلامه ضمن الانهزام الفكري والسياسي الذي تتخبط فيه الطبقة السياسية التونسية كلها، فلا ترى الواقع إلا من خلال المنظور الغربي للأحداث والوقائع، فاعتبر أبناء القبائل الليبية الذين يشكلون النسيج الطبيعي لأهل ليبيا، والذين لم يسلموا قيادتهم لا للسراج ولا لحفتر، مليشيات وإرهابيين، خشية أن يُعيّر بالظلامية؟ أم هو غير مدرك، حتى بالمفهوم البراغماتي، كيف يحافظ على مصالحه “الوطنية” فراهن على الجواد الخاسر؟

 عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This