أنشأه “بن علي” سنة 1999 تحت اسم مجلس الأمن الوطني وفي سنة 2017 غيروا “الوطني” ب”القومي” -ربما تأسيا بأمريكا- سواء كان وطنيا أو قوميا فالأمر سيان هو مجلس يعنى بأمن البلاد ويسهر على وضع الاستراتيجيات وفيه لجان تعج بالكفاءات وأصحاب المقدرة العالية على التخطيط والاستشراف بقيادة رئيس الدولة مما يجعل البلاد في مأمن من كل خطر وأهلها لن يخافوا بخسا ولا رهقا ولن يكابدوا ويلات الفقر والمرض والجهل. ويجتمع هذا المجلس الموقر كل ثلاثة أشهر طبعا إن لم يحدث ما يؤخره أو يعجل بانعقاده والمهم أن يكون التأخير أو التعجيل مرتبطا بمصلحة البلاد دون سواها.
هذا ما يتبادر للأذهان حين ننظر في تسمية هذا المجلس المخصص لتوفير الأمن بأبعاده المختلفة العسكرية والسياسية والاقتصادية، ولكن هل فعلا مجلس الأمن القومي في تونس ينطبق مضمونه على تسميته؟ وهل حقا حقق للبلاد ما تحتاجه من أمن واستقرار ووفرت مخرجاته الرعاية والكفاية للناس؟ الجواب على هذه الأسلة تحمله سياسة الدولة التي لا نجد فيها لأي أثر لرعاية الشؤون المثلى حتى في حدها الأدنى فهي لم تقدر على مجرد توفير بيئة سليمة خالية من النفايات، وطرقات لا تمثل خطرا على مستعمليها وعجزت عن إيجاد منشآت صحية وتربوية تحترم آدمية روادها، هذا دون الحديث عن دفعها لعجلة البحوث العلمية ومواكبة التطور التكنولوجي وما إلى ذلك من توفير أسباب التقدم والرقي, فهي تجرم التفكير في كل هذا وتعاقب كل من تسول له نفسه دخول عالم الإبداع والابتكار والتهمة هي الإفراط في التفكير وفي المقابل تعمل جاهدة على مراعاة ظروف مستهلكي المخدرات وخاصة الشباب منهم وبما أن مجلس الأمن القومي لا يعنى إلا بكبرى القضايا وأمهاتها تطرق الرئيس الراحل “الباجي قائد السبسي” الذي جمع مجلس الأمن القومي وطالبه بعدم تتبع مستعملي المخدرات “الزطلة” نعم فالأمر جلل ويستوجب تدخل رئيس الدولة وكل الساهرين على أمن البلاد والجهة المخولة لاتخاذ القرار المناسب والناجع لدرء هذا الخطر الداهم والمتمثل في تتبع مستهلكي المخدرات والزج بهم في السجن هي مجلس الأمن القومي! وحتى لا نظلم المشرفين على هكذا مجلس فقد سبق وتطرقوا إلى مسالة العنف في الملاعب وتفشي الجريمة في تونس وغالبا ما تتم دعوة الناس إلى توخي الحذر والحيطة ورص الصفوف لمجابهة مختلف التحديات التي تواجهها بلادنا.
رئيس الدولة ووزير الدفاع والمالية ورئيس مجلس نواب الشعب وغيرهم من الخبراء والمختصين يجتمعون ليناقشوا مثل هذه القضايا ثم يدعوا كبيرهم الناس إلى رص صفوفهم ومجابهة المخاطر. وقد يقول قائلهم أن القرارات الناجعة التي يتخذها المجلس لا تعرض للعموم وتتم في كنف السرية لأنها أسرار دولة والكشف عنها يعرض البلاد للخطر. رأي صائب ووجيه، لكن ما ذا تغير بعد انعقد هذا المجلس لعشرات المرات منذ فترة عهد “الباجي قائد السبسي” إلى يومنا هذا بقيادة “قيس سعيد” الذي حاول أن يكون مختلفا على سلفه ويجعل من مجلس الأمن القومي غرفة عمليات منها تخرج القرارات البنّاءة والخطط الهادفة تقطع مع الارتجالية والقرارات الجوفاء خاصة وأنه اقتحم سدة الحكم وهو يمتطي صهوة شعار “الشعب يريد” فكانت النتيجة أن “وافق شن طبقة” وظل المجلس على حاله بأن اتخذه “قيس سعيد” فضاء يستكمل فيه حملته الانتخابية وينتقد خصومه و يهاجمهم بجعجعة لم نر لها طحينا كمطالبته بتطبيق عقوبة الإعدام على مرتكبي جرائم القتل المتعمد رغبة منه في مسايرة غضب الشارع نتيجة جريمة قتل حدثت مؤخرا, هذا دون أن ينسى النسج على منوال سلفه “الباجي” ودعوة الناس إلى اليقظة والتكاتف والسهر على تحقيق الأمن والمهم هنا هو ترديد كلمة الأمن مرارا وتكرار حتى يكون المجلس مجلس أمن بالفعل وإلا فما هي الفائدة من انعقاده.
أما المسائل المتعلقة بالأمن حقيقة لا قبل لهم بها .فأرضنا أصبحت مستباحة يجوسها الجواسيس في وضح النهار دون أن يردعهم رادع والسفراء المشرفين على أوكار المخابرات يجوبون البلاد بالطول والعرض يدشنون ويأمرون وينهون دون حسيب أو رقيب. شركات النهب الاستعمارية اتخذت من ثرواتنا ملكا مشاعا دون أن ينبس الفطاحل المشرفون على مجلس الأمن القومي وهم المشرفون على دواليب الدولة بشكل عام ببنت شفة. وصفوة القول إن أحداث مجلس الأمن القومي على هذه الشاكلة الغاية منه هو زرع الوهم وإظهار هذه الدولة بمظهر المهتم بشؤون البلاد والعباد وأنها العين الساهرة التي لا تترك شاردة ولا واردة إلا وترصدها ولا تدع مشكلة إلا وتحلها وفي الحقيقة هي لا تبصر حفرة في الطريق ولا تسمع أنات جائع أو مريض, ولا غرابة في ذلك ما دامت تطبق نظاما لا أصم أبكم أعمى. نظام عقيم لا يخرج نباته إلا نكدا.