فرنسا تعتزم تزويد تونس بـ35% من حاجياتها من القمح الليّن و50% من الشّعير
الخبر: أفاد مدير العلاقات الدوليّة صلب الجمعيّة الفرنسيّة للحبوب “انترسيريال فرانس”، فيليب هوسال، أنّ فرنسا تعتزم تزويد تونس بحوالي 35% من حاجياتها من القمح الليّن الموجّه إلى المطاحن، و50% من حاجياتها من الشّعير، خلال موسم 2023-2024، وفق تقديره..وقال هوسال في مداخلة ألقاها خلال “اللقاءات التونسيّة الفرنسيّة للحبوب 2023″، الملتئمة بتونس العاصمة، ونقلتها الوكالة الرسميّة التونسيّة، إنّ “الجفاف الذي تعيش على وقعه تونس منذ أكثر من 5 سنوات، أثّر بشكل كبير على المحاصيل، ومنها محصول 2023”..وأشار إلى أنّ تونس “تبقى بلدًا مورّدًا هيكليًا وعليها أن تقتني خلال هذا الموسم من السّوق الدولية 1.1 مليون طن من القمح الليّن و1.1 مليون طن من القمح الصّلب و0.8 مليون طن من الشّعير و0.85 مليون طن من حبوب الذّرة، ويمثّل مجموع هذه الكميّات حاجيات البلاد من الحبوب”..ولفت مدير العلاقات الدوليّة صلب الجمعيّة الفرنسيّة للحبوب، إلى أنّ إنتاج فرنسا سنة 2023 بلغ 35 مليون طن من القمح الليّن و1.27 مليون طن من القمح الصّلب و12.1 مليون طن من الشّعير، قائلًا إنّ الجمعيّة تعمل أيضًا، على إقامة شراكات فنيّة مع الدّيوان الوطنيّ للحبوب تهدف إلى إيجاد حلول للقضايا ذات الاهتمام المشترك على غرار التأقلم مع التغيّرات المناخيّة..
التّعليق: من المفارقات العجائبيّة أن يتحوّل مطمور الإمبراطوريّة الرومانيّة إلى مستورد للحبوب وعالة على فرنسا في أمنه الغذائيّ واكتفائه الذّاتيّ من القمح والشّعير والذّرة.. فرنسا هذه التي غزت الجزائر سنة 1830 من أجل قمح شمال إفريقيا الذي تعتمد عليه في إطعام شعبها، إذا بالأدوار تنقلب، فيصبح المستهلك منتجا والمستورد مصدّرا والمرتهن في قوته متحكّما في الأمن الغذائيّ لراهنه، والعكس بالعكس.. ويرجع هذا الانقلاب إلى عامل سياسيّ يتمثّل في واقع الاستعمار والارتهان للأجنبيّ، حيث عمد الحكّام العملاء إلى تكريس التبعيّة الفلاحيّة للاستعمار عبر تخريب المنظومات الفلاحيّة المحليّة ورهن أمننا الغذائيّ للكافر المستعمر، ودونكم منظومة الحبوب في تونس نموذجا: فتونس أو (فريقا) اعتُبرت تاريخيًّا بمثابة مطمور روما الذي يزوّد “الامبراطوريّة المقدّسة” بالقموح ولها تقاليد عريقة في الزراعات الكبرى وتنتج أجود أنواع القمح الصّلب وتمتلك مخزونًا من البذور الأصيلة المحليّة على غرار (الشبلي ـ المحمودي ـ البيدي ـ جناح خطّيفة ـ العويجة ـ رزّاق..) وكلّ هذا كفيل بامتياز بجعلها في غنى عن الأجنبي.. لكن ما راعنا إلاّ والدّولة التونسية تنتهج منذ ستّينات القرن المنصرم سياسة إغراق السّوق المحليّة بنوعيّات مستوردة من البذور الهجينة المخصيّة المعدّلة وراثيًّا والضّارّة بالتربة والبيئة إلى جانب تدنّي نوعيّتها وقلّة مردوديّتها واعتمادها على الأدوية والمبيدات، وذلك مقابل تهميش البذور المحليّة المتأقلمة مع تربتنا ومناخنا وأمراضنا فضلا عن مردوديّتها وجودة نوعيّتها وقيمتها الغذائيّة..هذا السّلوك المريب واللاّمبرّر لسلطة الإشراف في تونس يشي بتواطئها وخضوعها لإملاءات الكافر المستعمر، ناهيك وأنّ الفلاّحين وأهل الاختصاص أجمعوا على أنّ ما يحصل سيؤدّي إلى أضرار كبيرة بالمزروعات والتّربة إضافةً إلى تكريس الارتهان الغذائي للأجنبي: فهذه البذور الأحاديّة الاستعمال هي بمثابة الحبل الذي يلتف حول رقاب الفلاّحين ويفقدهم استقلاليّتهم ويحوّلهم مكرهين إلى حرفاء للاحتكارات الاستعماريّة في شبه استعباد فلاحي..وقد بلغ الجشع بالمستعمر حدّ إتلاف محاصيل الحبوب المحليّة ليُفسح المجال لحبوبه المشعّة والمسرطنة وغير المرحّب بها في سائر أسواق العالم، ودونكم مصير صابة 2019 على يدي سيّئ الذكر سمير بالطيّب: فقد أُتلفت مئات الهكتارات من الحبوب بحرائق مفتعلة، أمّا الجزء الذي نجا من هذه المحرقة الاستعماريّة وحُصد واستحال حبوبًا ذهبيّةً فقد تعمّدوا إهماله: فادّعوا ابتداءً أن لا طاقة لهم بتخزينه وتركوه مكدّسًا خارج مراكز تجميع الحبوب (ببوعرادة وحدها جبال من القمح على امتداد كيلومترين)..وهكذا أُلقي أكثر من مليون قنطار من صابة القمح المحليّة في العراء مغطّى بالأتربة والأوساخ إلى أن داهمته أمطار الخريف (والخليف عليه)..كلّ ذلك من أجل أن يفسحوا المجال لاستيراد قموح الاستعمار المشعّة المسرطنة بالعملة الصعبة، فهل يوجد أقذر وأخسّ وأنذل من هؤلاء الحكّام الذين ابتُلينا بهم..؟؟
CATEGORIES خبر وتعليق