رئيس حكومة سعيّد في “دافوس” لماذا؟
الخبر:
استقبل الرئيس قيس سعيد، ظهر يوم الجمعة 19 جانفي 2024 بقصر قرطاج، أحمد الحشاني، رئيس الحكومة، وتناول معه نتائج اللقاءات التي قام بها في إطار مشاركته في منتدى دافوس خلال هذا الأسبوع.
-
وجدّد الرّئيس رفض أي شروط أو إملاءات من أي جهة كانت، لأن الإصلاحات التي تقوم بها تونس يجب أن تكون إصلاحات تونسية خالصة تنبع من إرادة الشعب التونسي، مبينا أن من أراد مخلصا أن يدعمنا عليه في المقام الأول قبل أيّ دعم أن يحترمنا ويحترم اختياراتنا لأنّ التجربة أثبتت أن الكثيرين ممن يتخفون وراء ما يسمى بالدعم لا يزيدون إلا من تبعية بلادنا ومن معاناة شعبنا، وهو أمر مرفوض على أي مقياس من المقاييس، فتونس لا تقبل الدعم إذا كان بدون احترام وخير لنا الاحترام بدون عون ظاهره خير وباطنه مزيد من التبعية والتفقير.
-
وتعرّض الرئيس إلى التصنيفات وترتيب الدول حسب مقاييس توضع مسبقا للوصول إلى نتائج معلومة مسبقة بدورها، وأول هذه المقاييس هي السمع والطاعة في إطار نظام اقتصادي عالمي بدأ يتهاوى وتحاول الدوائر التي تريد استمراره بعد أن تجتمع في أجمل المنتجعات ثم يعود أصحابها إلى بلدانهم ليقولوا أننا مازلنا نحكم قبضتنا على العالم، تعمل على ديمومته بالرغم من آلام أغلب شعوب العالم.
-
وأطلع رئيس الحكومة،الرئيس على تفهم عديد المسؤولين لموقف تونس وتقديرهم للنهج الذي تسير فيه في محاربة الفساد وتوفير المرافق العمومية الأساسية للمواطنين، علما وأن هذا الفساد الذي استشرى على مدى عشرات العقود كانت عديد الدوائر المالية العالمية تعلم بأدق تفاصيله، والشعب التونسي كان هو أول ضحاياه.
-
كما استعرض رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة نتائج الاجتماعات التي عقدها مع بعض المسؤولين الدوليين لاسترجاع الأموال المنهوبة، وهي أموال من حق الشعب التونسي وكثيرة هي العواصم التي تعلم أن هذه الأموال نُهبت ومع ذلك لم تتحرك في الوقت المناسب حتى تضع حدا للسطو الممنهج على مقدرات الشعب التونسي. كما أن التعلل بالإجراءات وبتشعبها بل وبتمطيطها لا يجب أن يثنينا على المطالبة بها. فالإجراءات وضعت لضمان الحقوق لا للدوس عليها.
-
وشدد رئيس الجمهورية على أن المنتدى الاقتصادي العالمي المعروف بمنتدى دافوس ظهر في بداية السنوات السبعين ولا يمكن أن يستمر بنفس الفكر الذي حفّ بظهوره. فالإنسانية جمعاء تتطلع إلى مستقبل أكثر عدل ولم تعد ترضى بتقسيم عالمي للعمل يقوم على تقسيم العالم بين أثرياء وفقراء.
-
وعلى صعيد آخر تعرض رئيس الجمهورية إلى بيان موقف تونس من الحق الفلسطيني في كل أرض فلسطين وضرورة أن تقف الانسانية كلها ضد حرب الابادة التي يشنها العدو الصهيوني مؤكدا مجددا على أن الشعب التونسي سيبقى بكل ما لديه من إمكانيات إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى يسترد كل شبر من أرض فلسطين ويقيم دولته المستقلة عليها وعاصمتها القدس الشريف.
التّعليق:
لا ينفكّ الرّئيس في كلّ مناسبة الادّعاء بأنّه حريص على استقلال تونس وسيادتها، وكثيرا ما نسمع منه انتقادات لاذعة للدّول الغربيّة والمنظّمات الدّوليّة. ممّا يوهم بفكر سياسي يخالف ما تعوّدت عليه الحكومات السّابقة في تونس سواء قبل الثّورة أو بعدها. ويتّخذ الكثيرون من هذه الأقوال “دليلا” على تغييرات حاصلة في تونس، بل يزعمون أنّ هذا الرئيس جاء لإنقاذ الثّورة وتصحيح مسارها، ويدعون من ثمّ إلى دعم جهود الرّئيس حتّى يحدث التّغيير المنشود، وفي سياق هذا الخبر نورد التّعليقات التّالية:
-
اعتبر الرّئيس أنّ النّظام الاقتصادي العالمي بدأ يتهاوى، وأنّ منتدى دافوس الذي انطلق في سبعينات القرن الماضي لا بدّ له من فكر جديد لا يقوم على تقسيم أثرياء وفقراء، واعتبر أنّ المنظّمات الماليّة الدّوليّة تعلم بالانتهاكات الماليّة ضدّ الشّعوب وأن تونس هي إحدى ضحاياه… والسّؤال هنا، لماذا أرسل الرئيس وفدا “رفيع المستوى”؟ هل أرسل الرئيس رئيس الحكومة ووفده من أجل إعلان هذا الفكر الجديد؟ ثمّ ما هو هذا الفكر الجديد الذي يتحدّث عنه الرّئيس؟ ابحث ولن تجد شيئا لن تجد إلّا انتقادات هي من قبيل الكلام الإنشائيّ، بل هي تأكيد على التبعيّة، فالمنتقد الذي ليس له من بديل عن النّظام الموجود لا يعدو في أحسن أحواله أن يكون طالبا تحسين شروط التّبعيّة. فهو يطلب من القوى الرأسماليّة أن تعدّل من أوتار نظامها حتّى يكون مقبولا دوليّا.
-
رئيس الحكومة نقل إلى الرّئيس تفهّم المسؤولين في أوروبا والمنظّمات الماليّة الدّوليّة لمواقف تونس و”إصلاحاتها”. بما يكشف طبيعة المهمّة التي ذهب من أجلها رئيس الحكومة، وهي مهمّة شرح موقف تونس وجعل القوى الغربيّة ترضى عن تونس. فما هذا البحث عن الرّضى؟ ولماذا؟ إن كان الرّئيس جادّا في انتقاداته للنّظام الدّولي ولهيمنة المستعمرين فلماذا يهتمّ برضاهم؟ ممّا يدلّ على أنّ كلّ الانتقادات ليست موجّهة للدّول الغربيّة بل هي موجّهة للاستهلاك الدّاخلي والإيهام بالاستقلاليّة.
-
جدّد الرئيس الحديث عن الأموال المنهوبة في الخارج، ولم يخرج كلامه عن نقد وجّهه للدّول الغربيّة من وراء مكتبه في قرطاج وجّهه لرئيس حكومته، ولكن أين القرارات الفعّالة لاسترجاع الأموال؟ لا قرار واحدا إلّا إرسال رئيس حكومته للاستجداء استجداء حقّ. فهل هكذا يكون استرجاع الحقوق؟ أم هو مرّة أخرى الإيهام بالتّحرّك من أجل إرجاع الأموال، في رسالة إلى أهل تونس توهمهم أنّ الرئيس سيُرجع أموالهم الطّائلة في البنوك الغربيّة وأنّ الرّخاء قادم فنا عليهم إلّا الصّبر. ما هكذا تُساس الأمور فالأموال المنهوبة تُسترجع بسياسات فعّالة وإجراءات عمليّة ضاغطة بل تُهدّد مصالح الدّول التي تحتجز أموالنا، وهذا كلّه مفقود لا أثر له ولا مؤشّرات على وجوده، ممّا يكشف أنّ الأمر مجرّد ألهية جديدة من الألهيات.
-
جدّد الرئيس حديثه عن الحقّ الفلسطيني، في سياق مهمّة رئيس الحكومة في منتدى دافوس، وهو يعلم علما أنّ منتدى دافوس هو منتدى المعتدين على فلسطين، فما جدّيّة الطّلب منهم؟ وهل يستردّ الحقّ والأرض بمجرّد الدّعوات بلْه الدّعوات الموجّهة إلى المعتدين؟؟؟ إنّ تحرير الأرض معلوم كيف يكون، لا يكون بالمطالبات والتوسّل من العدوّ المعتدي بل يكون بالاستعداد وإن كان لا بُدّ من دعوات فيجب أن تُوجّه إلى قادة الجيوش بالاستعداد والاتّحاد من أجل حرب فاصلة، وما دون ذلك خذلان للمظلومين وتسليم لأرض فلسطين.
CATEGORIES خبر وتعليق