منع مؤتمر حزب التحرير من الانعقاد: تختلف الوجوه، والاتجاهات، والقرار واحد
لا زالت مسرحية منع المؤتمر الخامس لحزب التحرير، والذي كان من المفترض أن يعقده يوم 05 جوان 2016 بقاعة قصر المؤتمرات بالعاصمة، بعد أن قام بكل الإجراءات القانونية، وحصوله على موافقة من وزارة الداخلية من خلال وصل تسلمه منها يوم 28 ماي 2016 لتنظيم مؤتمره السنوي، تمثل أحط مظاهر التخلف والانحطاط المبدئي، لسلطة لا تحترم القوانين التي سنّتها لتنظيم الشأن العام، ولتكون هي أظهر من يدوس تلك القوانين، ولا تحترم مؤسساتها ولو كانت السلطة القضائية.
وذلك أن والي تونس العاصمة، فاخر القفصي، كان أصدر، يوما قبل موعد انعقاد المؤتمر المذكور، قرارا يقضي بغلق قصر المؤتمرات بالعاصمة بصفة مؤقتة إلى غاية 20 جوان 2016، رغم إبرام عقد استغلال الفضاء العام ذاك مع إدارته، فرفع الحزب قضية استعجالية أمام المحكمة الإدارية فقضت، استعجاليا لفائدة حزب التحرير بتمكينه من عقد مؤتمره السنوي الخامس، فأصبح إشعار وزارة الداخلية الحزب بمنعه من عقد المؤتمر لاغيا. وبهذا تكون السلطة التنفيذية قد داست قرارا للسلطة القضائية، ولم ترتق إلى مستوى مسئوليتها المعنوية أمام المجتمع والناس، تلك المسئولية التي لم تنتصب إلا لصيانتها. ترتكب السلطة التنفيذية كل هذه التجاوزات للقانون القائمة هي على إنفاذه، رغم اعتبار جمعية القضاة التونسيين “أن تبريرات والي تونس لعدم تنفيذ قرار المحكمة الإدارية حول حزب التحرير، تبريرات غير مقبولة تماما”، وإصدار مكتبها التنفيذي بلاغا في الغرض، بتاريخ السابع من جوان2016، عبر فيه عن “عميق انشغاله لاستفحال ظاهرة عدم تنفيذ أحكام القضاء الإداري”.
ولا زالت فصول هذه المهزلة تأبى أن تتوقف، أو أن يستخلص الممثلون لشخوصها الدرس، والتنبه لخطر ما يقترفون على أنفسهم أولا، ثم على الأمانة التي تقلدوها، وذلك لتحمّل والي تونس ـ كمال الفقيه ـ هذه المرة، جريرة إصدار قرار يمنع بموجبه انعقاد مؤتمر حزب التحرير المقرر ليوم السبت 25 فيفري 2023 تحت شعار “انهيار دولة الحداثة ولا خلاص إلا بدولة الخلافة”، خاصة بعد أن تقدم “طرف ما” بقضية استعجالية إلى المحكمة الابتدائية بتونس في طلب إيقاف أشغال هذا المؤتمر، لتقضي برفض الدعوى.. وتتجاسر السلطة دون خجل من نفسها ولا حياء من “شعبها” الذي تدعوه لقدسية القانون فتكون أول من يطأه بالأقدام.
إلا أنه وقبل 24 ساعة من انعقاد المؤتمر الذي كان قد أعلنه حزب التحرير ليوم الأحد 03 مارس الجاري، في الذكرى المئوية لهدم الخلافة، تحت عنوان “الخلافة الإسلاميّة..نحو نظام دولي جديد”، عمدت السلطة في تونس إلى إخطار الحزب بقرار منع المؤتمر بتعلّة قانون الطوارئ، وهي نفس الحجة التي اعتمدتها السلطة في تونس وأبطلتها المحكمة الإدارية فيما سبق، وكذلك المحكمة الابتدائية للعاصمة، بحجة ملتوية، إلا أن السلطة السياسية أبت إلا مناطحة الحق، ومنع الخير، والكلمة السواء من أن تصل إلى الناس، مما حدا بالحزب، ومنعا لأي تأويل أن يعلم شبابه ومناصريه، ومؤيديه، والعموم بقرار تأجيل مؤتمر إلى موعد لاحق.
وسيظلّ الحق أبلجا، واليقين ساطعا، أن حجة منع انعقاد مؤتمرات حزب التحرير داحضة، وذلك أن حالة الطوارئ التي تذرعت بها السلطة لم تمنع إقامة الحفلات الصاخبة وما يتبعها من هرج ومرج، وقد سمح بها في قصر المؤتمرات أثناء فترة الإغلاق المزعومة، وأن كثيرا من مؤتمرات وفعاليات الأنشطة، لكثير من الأحزاب، تجرى دون أدني اعتبار للطوارئ وأشباهه. فالكل يعلم والسلطة الأمنية وأجهزة الأمن كلها ودون استثناء تعلم علم اليقين أن أنشطة حزب التحرير لا تشكل أيّ خطر على الأمن العام، ولا الخاص، وأن شبابه أحرص الناس على أمن العباد والبلاد، لأن كل ذلك عندهم من تقوى الله، قبل أن يكون واجبا إنسانيا أو أخلاقيا… بل وحتى أمنيا.
ويبقى السؤال لماذا تمنع مؤتمرات حزب التحرير رغم تهافت الأسباب المعلنة، ومن الذي يقف وراء كل ذلك؟ إننا حين ندرك طبيعة القضية التي يتبناها حزب التحرير، ويعمل في الأمة الإسلامية على أن تتفهم هذه القضية باعتبارها قضيتها المركزية وأن عليها أن تتبناها وتسير مع الحزب لتحقيق نهضتها واستعادة دورها في الحياة بحمل رسالة الإسلام إلى العالم وافتكاك المبادرة من النظام الرأسمالي، وإحلال نظام رب العالمين محله، فإن شعارا كعنوان “انهيار دولة الحداثة ولا خلاص إلا بدولة الخلافة” لسنة 2016 أو عنوان “الخلافة الإسلاميّة..نحو نظام دولي جديد”، لهذه السنة كفيل بأن يقض مضجع العالم الرأسمالي، فلن يبقيه متفرجا، والحق يهدم بنيانه السوء. ولذلك فلن يتغير الإجراء تجاه حزب التحرير إن كان في السلطة “ثوريا”، أو “رجعيا”، يمينيا كان، أو يساريا، فمهما اختلفت الوجوه والاتجاهات فالقرار واحد.
قال سبحانه وتعالى: “قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ (87) وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِينِۭ” (88)ـ ص ـ
CATEGORIES كلمة العدد