وهم الانتخاب الديمقراطي… ذاك الجُحر الذي لا زالت تلدغنا عقاربه

وهم الانتخاب الديمقراطي… ذاك الجُحر الذي لا زالت تلدغنا عقاربه

رغم أن الديمقراطية في تونس قد أكلت يوم 25 جويلية 2021، بجرّة من قلم رئيس السلطة وممثل النظام، صنم الحلوى الذي طالما تغنّت بفضائله على البلاد والعباد، وتاهت فخرا وعُلوّا به على بلدان “الربيع العربي”، كونها “النموذج العربي الوحيد” الذي عرف طريق النجاة من هزات الزلزال الذي أحدثته هبة جماهيرها التي صممت على إسقاط نظام القهر والاستبداد وخدمة مصالح المستعمر، واستبداله بنظام منبثق عن مفاهيمها عن الحياة. رغم كل ذلك عادت هذه الديمقراطية تجتر نفسهاّ، رغم وجهها الكالح وعفونة منبتها، وتصرّ على إيهام أهل البلاد بأن مثال الصنم الجديد الذي ستقدمه لهم هذه المرة، سيحمل معه الترياق الشافي لكل أدوائهم، بعد أن ترسخ لدى الوسط السياسي، حكما ومعارضة، والذي تربى على المفاهيم الغربية للدولة والمجتمع، وهمُ أن علل الحياة السياسية في سلامة الانتخابات من عدمها. وتجاوزا لموضوع إجرائها في خريف هذه السنة حسب قراءة المعارضة لمقتضيات القانون الانتخابي، أي بعد انتهاء عهدة الخمس سنوات التي نص عليها دستور سنة 2014، وإعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في شهر فيفري الماضي أن الانتخابات الرئاسية القادمة ستجرى في خريف هذا العام، حيث قال الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري، إن إجراء الانتخابات الرئاسية سيكون إما في شهر سبتمبر أو أكتوبر المقبل، وأن الهيئة ستصادق على رزنامة الانتخابات وستبدأ الاستعداد لهذا الحدث الانتخابي، أو تأجيلها إلى سنة 2027 بعد تصريح قيس سعيد الغامض الذي ألقى بظلال الشك على آجال الانتخابات حين قال إن “كل الانتخابات القادمة ستتم في موعدها بما في ذلك الانتخابات الرئاسية”، على أساس أن قيس سعيد أقر سنة 2022 دستورا جديدا، وهو ما قد يجعله يعيد حساب العهدة. وتجاوزا لتباين النظرة للغاية من هذه الانتخابات الرئاسية، حيث ترى المعارضة حتمية طيّ صفحة سنوات ما بعد 25 جويلية والعودة إلى دستور 2014 مع بعض التعديلات، مما حدا” بجبهة الخلاص الوطني ” إعلانها عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية حتى وإن أجريت في أكتوبر المقبل، وبررت ذلك بغياب شروط التنافس، وأنها لن تقدم مرشحا للانتخابات الرئاسية، إلا إذا توفرت شروط المنافسة النزيهة، خاصة بعد اتهام طيف هام من المعارضة للرئيس قيس سعيّد بتطويع واستغلال القضاء لإزاحة خصومه السياسيين من الانتخابات القادمة، وإصرار قيس سعيد المقابل على غربلة قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية، حتى لا يتسرب إليها من يتهمهم بـ”الارتماء في أحضان الخارج،” واتهامه لمعارضيه، بأن لا همّ لهم سوى رئاسة الدولة وأنهم تناسوا ماضيهم القريب والبعيد الذي لم ينسه الشعب”. تجاوزا لهذا وذاك فإن قصر الحياة السياسية على التنافس على الآلية الانتخابية، والإصرار على التنازع على النواحي الإجرائية، والإصرار كذلك على تضليل الرأي العام بأن مآسي البلاد وضنك العيش الذي يتجرعه الناس ولا يكادون يرون له نهاية هو بسبب استئثار زيد بالسلطة، أو أن شفافية الانتخاب كفيلة برفع كل ذلك عنهم، دون توعيتهم على طبيعة النظام الذي فرض عليهم لأكثر من قرن ونصف، أو إنذارهم لخطر التدخل الخارجي في كل شأن من شؤون بلادنا والأمة قاطبة، هو جريمة موصوفة وخيانة لله ورسوله وللمؤمنين. فجملة العقود المريبة والتي تُمضى تحت سمع الجميع وبصرهم لم تحرك ساكنا لأحد. سواء كانت تلك العقود قروضا ربوية مهلكة، أو عقودا تتعلق بالطاقات المتجددة والتي رهنت بسببها مقدراتنا لآجال لا يعلمها إلا الله، أو الانخراط في المؤامرة على فلسطين من جامعة الدول العربية بتبنيها للخطة الأمريكية المتعلقة بحل الدولتين والتفريط في أرض الإسراء والمعراج، أو السكوت عن نصرة غزة وأهلها، أو حبس الجيوش عن القيام بالفرض المتعلق برقابها، والقبول بإدخال جيوش أممية إلى ديار الإسلام، دون تحريك ساكن. لقد مرت بلادنا بمحطات انتخابية عديدة، مثل التي ندعى ليها اليوم، حيث أرهقت الآلة الدعائية الحزبية والإعلامية المنافقة، عقول الناس بالدعاية الرخيصة للقائد الملهم والزعيم الأوحد، وبالآمال الزائفة والأهداف التي لم يتحقق منها شيء، فمن شعار “لا إمساك ولا تشطيب”، في عهد بورقيبة، إلى “بن علي 14” إثر انتخابات 2009 مباشرة، في حين أن الثورة كانت تعتمل في نفوس المقهورين، فلم تكد تنتهي سنة 2010حتى انفجر بركانها من سيدي بوزيد لتعم معظم البلاد العربية، إلا أنه كان للدور الخطير الذي ارتضت الأوساط السياسية أن تؤديه خدمة للغرب المستعمر، عن وعي وإدراك، أم عن جهالة وغباء، الأثر الأكبر في تأخير الوصول بالثورة إلى منتهاها. فرسالتنا اليوم ليس التنافس على مقامات سياسية، أو أدوار نؤديها في إطار النظام الديمقراطي الرأسمالي، بل هي قضية وجودية بين النظام الحق الذي ارتضاه الحق سبحانه وتعالى لعباده، ونظام الطغيان الذي استعبد به الظلمة الناس، وقد انكشف زيفه، وبان عجزه عن معالجة قضايا الإنسان. والموقف اليوم إما أنك مع الله، أم أنك في حرب مع شرعه، وأما الجحور التي ندعى إليها اليوم فقد خبرناها ولن نلدغ منها مرة أخرى.

CATEGORIES
Share This