في إجرام النّظام السّوريّ المخلوع السّلاح الكيماويّ نموذجا

في إجرام النّظام السّوريّ المخلوع السّلاح الكيماويّ نموذجا

أبو ذرّ التونسيّ (بسّام فرحات)

ما إن أّعلن رسميّا عن سقوط نظام بشّار أسد وفراره إلى روسيا حتّى طفا على السّطح ما كان مغمورا من جبل جليد جرائمه في حقّ الشّعب السّوريّ المرابط: فمع اقتحام سجون النّظام التي غيّب وأعدم فيها مئات الآلاف من معارضيه منذ خمسينات القرن الماضي، تكشّف وجهه الوحشيّ القروسطيّ البشع المشبع بالحقد الأعمى الدّفين على الإسلام والمسلمين عامّة والمذهب السنيّ وأتباعه خاصّة..ووقف العالم مشدوها إزاء أساليب التّعذيب والتّصفية الجسديّة الخرافيّة الفظيعة التي تذكّرنا بمحاكم التّفتيش الإسبانيّة بالأندلس ـ لاسيّما في سجن (صيدنايا) الملقّب بالمسلخ البشريّ ـ والتي مارسها نظام ورئيس ضدّ شعبه ومنظوريه في مفارقة تبدو عصيّة على التّصديق، ولكن إذا عُرف السّبب بطل العجب..فهؤلاء الحكّام الذين نصّبهم الاستعمار وكلاء له بالنّيابة حقّقوا له ما عجز عنه بالحديد والنّار طيلة أكثر من قرن، فأرهقوا الأمّة صعودا واستباحوا دماءها وأموالها وأعراضها وساموها ألوان المذلّة والهوان..كما ذلّلوا لأسيادهم الصّعوبات وفتحوا لهم مغاليق بلاد الإسلام ومكّنوه من مقدّراتها على طبق من ذهب، وكانوا أشدّ عداء للإسلام والمسلمين من الصليبيّة والاستعمار: فشوّهوا العقيدة وطمسوا الأحكام وجفّفوا منابع الدّين ونكّلوا بالمخلصين من حملة الدّعوة ومسخوا النّاشئة وركّزوا فيها الثّقافة الغربيّة بقضّها وقضيضها..وبدل الاضطلاع بالمهامّ الموكولة نظريّا إلى الأنظمة والرّؤساء والمتمثّلة في رعاية الشّؤون والحماية من العاديات، اقترفوا في حقّ رعاياهم من الجرائم والمذابح والمجازر ما لم يبلغ الاستعمار نفسه عشر معشاره، إمّا مباشرة على الهواء أو بالتّواطؤ مع الأعداء، مستعملين أشدّ الأسلحة المحرّمة دوليّا فتكا ـ التّقليديّة منها والكيماويّة ـ ودونك مذابح أيلول الأسود وحلبجة والغوطة الشرقيّة وحماه ورابعة وبوسليم وسائر جرائم طغاة العالم الإسلاميّ من أمثال القذّافي وصدّام حسين ومبارك والأسد الأب والابن وجنرالات الجزائر والسّودان وكاريموف وبورقيبة وبن علي.. 

بشّار أسد نموذجا

وممّا لا شكّ فيه أنّ ما اقترفه بشّار أسد من جرائم في حقّ شعبه يبوّئه بلا منازع نموذجا للحكّام الطّغاة: فمع إصرار أحرار الشّام على تطبيق شرع الله والانعتاق من ربقة أمريكا وعبوديّة العلويّة النصيريّة، رفع هذا الطّاغية شعار (نظام الأسد إلى الأبد، وأنا وبعدي الطّوفان) وشنّ على شعبه الأعزل حربا شعواء بأشدّ الأسلحة التّقليديّة فتكا من قبيل المدافع والدبّابات والقاذفات والصّواريخ والبراميل المتفجّرة التي أتت على الأخضر واليابس وحوّلت سوريا إلى خرائب وأنقاض وشتّت أهلها بين شهيد وطريد وسجين ولاجئ ويتيم وأرملة ومعوق..ولم يكتف بذلك بل عمد لفكّ الحصار عن العاصمة دمشق إلى قصفهم بالأسلحة الكيماويّة في مجزرة فظيعة أدّت إلى مقتل 1466 شخصا بينهم 426 طفلا فيما بلغ عدد المصابين عشرات الآلاف..فبتاريخ 21/08/2013 عمدت قوّات من اللواء 155 المتمركزة في القلمون إلى إطلاق عشرات الصّواريخ وقذائف المدفعيّة (إم 14) المحمّلة بالذّخيرة الكيماويّة على منطقة الغوطة بريف دمشق مستهدفة مدنها (زملكا ـ عين ترما ـ عرنين ـ الزينيّة ـ كفر بطنا ـ المعظّمية ـ سراقب ـ جوبر ـ داريّا..)..وقد استمرّ القصف طيلة ثلاث ساعات من 02.30 ليلا إلى 05.30 فجرا، وهو توقيت مدروس بحيث يضمن سقوط أكثر عدد ممكن من الضّحايا: فدرجة الحرارة المنخفضة تجعل الهواء يتحرّك إلى أسفل ناقلا معه الغازات السّامّة إلى حناجر المدنيّين والمقاتلين النّيام والضّعفاء من النّساء والأطفال والشّيوخ..وقد أكّدت الفحوصات لعيّنات الدّم والبول تعرّض المصابين لغاز السّارين بنسب مرتفعة، كما دعّمت ذلك الأعراض التي بدت على الضّحايا نتيجة التسمّم بغاز السّارين الفتّاك (رغوة ـ غثيان ـ صداع ـ اختناق ـ احمرار وحكّة في العينين ـ غياب عن الوعي وهلوسة وتشنّجات عضليّة ـ ازرقاق الجثث..)..نعم، تلك هي رعاية الشّؤون بمنطق الطّغاة: الأرض والمقدّرات مزرعة للكافر المستعمر، أمّا أهلها وأصحابها فمجرّد حشرات وطفيليّات تباد إذا تجاوزت حدّها بالمبيدات الحشريّة.. 

ترسانة كيماوية

هذا النّظام الذي يصنّف نفسه ضمن دول الممانعة ورغم امتلاكه لترسانة كيماوية هائلة، إلاّ أنّه ادّخرها لتركيع شعبه وتقتيله وإفنائه، وظلّ طوال العقود السّبعة التي شهدها الصّراع العربيّ الإسرائيليّ حارسا أمينا لكيان يهود ملتزما حياد الخيانة والعمالة كاتما أنفاس شعبه مدجّنا للمقاومة الفلسطينيّة  في شبه إقامات جبريّة مفرّطا في هضبة الجولان دون أن يطلق رصاصة واحدة لاسترجاعها..ولم يكن ذلك منه عن ضعف وقلّة حيلة، بل عن تواطؤ وعمالة وتبعيّة وانصياع لمخطّطات يهود والكافر المستعمر التي تحاك ضدّ هويّة المنطقة ومقدّراتها: فوفق تقارير دوليّة رسميّة تمتلك سوريا كميّات كبيرة من غاز الخردل وحمض الكبريت والمركّبات الفوسفوريّة شديدة السميّة، كما تمتلك مخزونا هائلا من مختلف الأسلحة الكيماوية من قبيل غاز الأعصاب و(السّارين) و(في ـ إكس) فضلا عن آلاف أنواع الذّخيرة المستخدمة لتحميل الأسلحة الكيماويّة..وقد بدأ النّظام السّوريّ بتكديس تلك التّرسانة منذ 1972، وبدأت دمشق في الحصول على موادّ الإنتاج سنة 1980 بمساعدة الاتّحاد السوفياتيّ وبعض الشّركات الأوروبيّة، ودخلت مرحلة الإنتاج الفعليّ سنة 1993 وذلك في أربعة مراكز للتّصنيع (جمرانة ـ خان أبو الشّامات ـ دمّر ـ دمشق) أمّا التّخزين فتوزّع على نحو 50 مدينة في جميع أنحاء البلاد..وحول الحجم الدّقيق لتلك التّرسانة فقد وصفتها التّقارير بأنّها (الأكبر في العالم) تقدّر بقرابة الألف طن من العوامل والسّلائف الكيميائيّة والصّواريخ الباليستيّة طويلة وقصيرة المدى والقنابل الجويّة وصواريخ المدفعيّة..وهي كفيلة بكنس النّفوذ الأجنبيّ من المنطقة وتحرير فلسطين والجولان ـ لو صدقت العزيمة وخلصت النيّة ـ لكنّها ظلّت مكدّسة في مخازنها تغطّ في نوم عميق فيما كان يهود يغتصبون أرض المسرى والمعراج، ولم يستعملها النّظام العلويّ النصيريّ حتّى في الدّفاع عن أرضه، وحُبّست على تقتيل وتركيع الشّعب السّوريّ نفسه في خيانة موصوفة وإجرام ما بعده إجرام.. 

نظام مرتهن 

إنّ السرّ وراء هذه المفارقة المخالفة للسّنن السياسيّة منها والاجتماعيّة يكمن في طبيعة النّظام السّوريّ: فهذا النّظام الإجراميّ الجاثم على صدور وجماجم الشّوام قسرا جيء به أصلا لكتم أنفاس السوريّين وحماية أمن كيان يهود وتنفيذ مخطّطات الغرب المستهدفة للمنطقة ـ أرضا وبشرا وعقيدة ومقدّرات ـ وخُطّط له أن يكون متنافرا مع شعبه حدّ الشّطط ليصبح مرتهنا في وجوده ليهود والكافر المستعمر: فهو في وجهه البعثيّ العلويّ النصيريّ نظام فئويّ يستند داخليّا إلى أقليّة ميكروسكوبيّة تعتنق هرطقة أجمعت الأمّة على تكفير أتباعها، وتتبنّى خطّا فكريّا سياسيّا مزيجا بين القوميّة والإلحاد مخالفا لعقيدة الشّعب السّوريّ ممّا يضاعف التّنافر والغربة والعزلة..فوجوده كنظام في هذا المحيط العدائيّ رهين برضا الغرب عنه وتفانيه في خدمة مصالحه ومصالح حلفائه، فهي الحبل السريّ الذي يربطه بالحياة ويضمن له البقاء..وكان من الطبيعيّ أن يضطلع هكذا نظام بذاك الدّور على أحسن وجه للمحافظة على وجوده: فمنذ نشوئه كان حارسا أمينا لكيان يهود وجلاّدا دمويّا للشّعب السوريّ ومنفّذا مطيعا للمخطّطات الأمريكيّة في المنطقة، ناهيك وأنّ الأسد الأب أعلن عن سقوط هضبة الجولان قبل أن تدخلها القوّات الإسرائيليّة ومحا مدينة (حماه) معقل الإسلاميّين من الخارطة، وقد مثّل تاريخه نموذجا للدمويّة والقمع بالإجماع، وقائمة مخازيه لا تدخل تحت الحصر.. 

تحصين وحماية 

أمّا فيما يتعلّق بالأسلحة الكيماويّة فقد زُوّد بها ـ حصريّا ـ لإنجاز تلك المهمّة القذرة مع تعليمات صارمة بتحصينها بشبكة حمائيّة معقّدة حتّى لا تتسرّب لأيد (غير أمينة): فحصر القرار النّهائيّ لبرنامج الأسلحة الكيماويّة وإعطاء الأوامر لاستخدامها تحديدا في شخص الرّئيس السّوريّ وبعض الأعضاء المؤثّرين من عائلته، وحُصرت مسؤوليّة ملء الذّخائر والعوامل الكيميائيّة والتّأمين ومواقع التّخزين في (الفرع 450) وجميع المنضوين تحت لوائه من طائفة الرّئيس العلويّة النصيريّة ويتميّزون بالولاء الأعمى للطّائفة وللرّئيس السّوريّ..وهي كلّها ترتيبات تؤكّد بما لا يدع مجالا للشكّ تحبيس السّلاح الكيماويّ على حماية النّظام وطائفة الرّئيس المتنفّذة في البلاد وعلى تركيع الشّوام وإخضاعهم عنوة لمخطّطات يهود والكافر المستعمر..وقد جاءت الحقائق الميدانيّة مصداقا لهذا التّحليل: فهذه التّرسانة الكيماويّة المكدّسة ظلّت مخزّنة طيلة 40 سنة تغطّ في نوم عميق بمنآى عن الأحداث الجسام التي شهدتها تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الأمّة والتي أسفرت عن اغتصاب أولى القبلتين وهضبة الجولان وتركيع المسلمين..ولم تستيقظ إلاّ مع انتفاضة أحرار الشّام سنة 2012 لتُستعمل بكثافة ضدّ المدنيّين العزّل من النّساء والأطفال والشّيوخ وبكثافة.. 

النّفاق الدوليّ 

ممّا لا شكّ فيه أنّ امتلاك النّظام السّوريّ لمثل تلك التّرسانة الكيماويّة المرعبة على حدود كيان يهود ما كان له أن يحصل إلاّ بأعين الكافر المستعمر وتخطيطه ووحيه، فهو الذي زوّده بها ومكّنه من الموادّ الأوّليّة وتقنيّات الإنتاج والتّخزين والاستعمال، وأشّر له باستهداف شعبه الأعزل بها: فالتّقارير المخابراتيّة تُظهر عيانا أنّ الدّول الغربيّة كانت تعلم بحجم ترسانة النّظام السّوريّ الكيماويّة منذ أن بدأ في تكديسها إلى أن صبّ حممها على رؤوس المدنيّين العزّل الأبرياء دون أن تحرّك ساكنا..والسّؤال الذي ينطرح في هذا السّياق، إذا كان الأمر كما ذُكر فما الذي جعلها تنقلب ضدّه وتشنّع عليه وتقود حملة دوليّة لتجريده منها..؟؟ والإجابة بكلّ بساطة هي أنّ تلك التّرسانة أضحت تمثّل خطرا على الغرب وكيان يهود، لأنّ النّظام السّوريّ المتهالك دخل مرحلة الاحتضار بحيث يمكن أن تسقط تلك التّرسانة المرعبة بين الأيدي (غير الأمينة) لمقاتليّ المعارضة فتكون الطّامة الكبرى، ناهيك وأنّ نظام بشّار أسد أُعفي من العقاب لقاء تخلّيه عن ترسانته تلك وتسليمها لمنظّمة حظر الأسلحة الكيماويّة لتدمّرها..إنّ نظام بشّار وإجرامه ليس إلاّ عيّنة حيّة ونموذجا قابلا للتّعميم على سائر حكّام المسلمين مع بعض الاختلافات البسيطة في التّفاصيل، بحسب واقع كلّ دولة وكلّ منطقة وكلّ شعب، وهي لا تفسد لودّ إجرامهم قضيّة..فهم طغاة مجرمون نصّبهم الكافر المستعمر على رقاب شعوبهم قبل خروجه بمسرحيّة الاستقلال ليواصلوا مهامّه الاستعماريّة بالوكالة، وقد زوّدهم بالمخالب التي تمكّنهم من إنجاز مهامّهم ـ في حدود تلك المهامّ ـ ويوم يصبحون غير قادرين على السّيطرة عليها يتكفّل هو بنزعها منهم قبل أن تتمكّن منها الأمّة وتتقوّى بها وتستعملها في تحقيق المشروع الإسلاميّ.. 

CATEGORIES
Share This